حكاية «ريان» الإنسانية تلقي بظلالها على الأدب والفن !

أكثر من خمسة أيام حبس فيها الطفل المغربي «ريان» أنفاسه في بئر سحيق، وحبس معه العالم أنفاسه أيضا، بينما يترك هو الدنيا راحلا إلى جوار ربه، ويستأنف العالم من بعده أنفاس الألم بعد الأمل، والحسرة بعد الفرحة المرتقبة التي خاب بها الظن.

جمع «ريان» العالم العربي على قلب رجل واحد، فصبت المجتمعات العربية أعينها نحو القنوات الفضائية الإخبارية التي خصص بعضها بثا مباشرا لعمليات الإنقاذ التي باءت بالفشل بعد أكثر من خمسة أيام وسط ترقب الجميع، وآخرون يراقبون تحديثات الوضع أولا بأول عبر مواقع التواصل الاجتماعي ترقبا لخبر مفرح أتى، فانطفأ بعد لحظات منه.

جمع «ريان» العواطف العربية، وأثار حفيظة الكثيرين، وكل عبر عن تعاطفه بما يجود به من فكر وموهبة وفن وأدب، وكلٌ عزف على وتره ليسجل موقفه من هذه الظاهرة الإنسانية التي حملت عنوان «ريان»، فكان في غيابة الجب، ونام بسلام، واشغل الدنيا في حين انتظار خروجه، وبعد رحيله المؤلم.

وسالت أقلام الشعراء العرب في التعبير عن ما يسكن في دواخلهم تجاه هذا الطفل « ريان»، واندلقت الأحبار على لوحات الفنانين المتعاطفين، واستغرق المصممون طويلا على أجهزتهم للخروج بعمل فني يحمل روح الأمل، ومن بعد يحمل تعابير الدعاء، إذ رافقت الأعمال ابتسامة على وجه «ريان»، تلك الابتسامة التي اعتلت صورته الشهيرة التي انتشرت انتشار النار بالهشيم، والعالم متأمل أن تعود تلك الابتسامة مجددا، ولكنها لن تعود إلا بخيالات وأحلام والديه والناس.

«ريان» ألهم الشعراء والفنانون، فكتب الكثير من شعراء العالم العربي، وشاركهم الكتابة الشاعر يوسف الكمالي بأبيات لامست القلوب قبل العقول في الأثناء التي كان يترقب فيها خروج ريان سالما، إذ قال:

في قاعِ فِطرتنا سقطت مدوّيًا

وأخذتَ تنظرُ.. لم تجدْ إنسانا!

عَطشًا مددتَ يَديكَ وهي جريحةٌ

حتّى رَويتَ دموعَنا ودِمانا

وكأنّ بئرَ الحبِّ كانَ معطّلاً

فحفرت داخلَ قلبهِ شِريانا

وحفرتَ فينا ذلك البئر الذي

سيصيحُ مِلءَ جَفافِهِ: ريّااانا!

وسالت كلمات الشاعرة بدرية البدري مرات عديدة، إذ أبدت تعاطفها مع الطفل جليا بينما كان في غيابة الجب، فقالت على لسان الطفل:

ماما، سينقشعُ الظلامُ قريبا

ويعودُ طفلُكِ ضاحكا ولعوبا

وأعودُ أركضُ في السهولِ كطائرٍ

رفضَ السماءَ مُذ اصطفاكِ حبيبا

ماما، سننسى ما تعاقب من دُجىً

ونُخلِّفُ البئرَ المقيت كئيبا

وتعودُ ضحكتُكِ الجميلةُ للرُّبى

تنسابُ شمسا لا تهابُ غروبا

كما قالت الشاعرة بدرية البدري مخاطبة البئر السحيق، قائلة:

يا بئر احضن خوفَه،غنِّ له

واحكِ له كي لا ينام طويلا

أخبره أن الله يحرس دمعه

والخوف يعقبه الأمان بديلا

أخبره هذا الوقت أوشك ينجلي

وأسرر له: هلا ابتسمت قليلا

فغدا سيكبر والرفاق بقربه

حتما سيصبح فارسا ونبيلا

لن يبقَ إلا الذكريات يهشها

وجهٌ بدا رغم الظلام جميلا

وما أن انطفأ شعاع الأمل المرتقب في عين الشاعرة بدرية البدري والعالم كله، اعتصرت قلبها فإنسال منه مداد الكلمات، فقالت على لسان أمه، إذ أنها تشعر بشعورها حرفيا لا مجازيا:

ماما حلمت بأن أراك قريبا

من بعد حضنك لا أريد طبيبا

ما غبت عن عينيك نصف دقيقة

كان الغياب مراوغا وكذوبا

رغم الظلام يطوف وجهك باسما

حولي وكان لما سألت مجيبا

لا حزن بعد اليوم أرحل ضاحكا

فلتغفري شاء اللطيف غروبا

في الحقل لن أجري إليك معانقا

فاستودعي قلب السماءِ حبيبا

إلى جانب الشعراء، شارك عدد من أصحاب الحناجر الذهبية بأعمال فنية تلخص حكاية «ريان»، ومنهم الفنان محمد الوهيبي، الذي أبدع بصوته الأخاذ فأنشد كلمات أبدعها الشاعر هلال الشيادي، فقال في الأبيات:

ستعود من رحم التراب قويا

‏ستعود في كف العناية حيا

ستعود ريان المحيّا ناضرا

‏من كان عند الله عاد بهيا

‏لا تخش من هذا الظلام وعمقه

‏فالأرض أمك فاطمئن بُنيّا

‏ريان يحفظك الدعاء ودمعةٌ

‏من عين أمك تحتويك رضيا

‏البئر حولك كالسماء فكن به

‏كفؤاد يوسف عاد منه نبيا

وكذلك قدم الشاعر هلال الشيادي أبياتا في رثاء الطفل «ريان»، فقال في رثائه:

سقطت ليرتوي منك الترابُ

‏كأنك في غَيابته سحابُ

‏وقد بدت الحياةُ إليك ظمأى

‏فأنت الماءُ والدنيا سرابُ

‏تفيض براءةً وتسيل طهرا

‏لتخضرّ المشاعرُ والهضابُ

‏هبطت إلى السماء بروح طير

‏ومنك لأمك الولهى انسكابُ

‏لتحْضُرَ للجِنان بكل شوقٍ

‏وأبكانا بحضرتك الغيابُ

وإلى جانب العديد من الأعمال الفنية، سجل الفنان الجرافيكي عبدالمجيد المعمري بصمته الكبيرة على أحد جدران ولاية لوى، وتحديدا في قرية حرمول، موثقا ابتسامة «ريان» وصورته المشرقة التي انتشرت بالعالم أجمع.

وما سبق ذكره غيضٌ من فيض ما كُتب وما رسم وما قيل في هذه الفاجعة الإنسانية التي جرفت العالم بأسره في منحى عاطفي إنساني كبير.
https://www.omandaily.om/ثقافة/na/حكاية-ريان-الإنسانية-تلقي-بظلالها-على-الأدب-والفن