متابعة ـ فيصل بن سعيد العلوي:
تناول تعريفه وماهيته ومبادئه وأبرز أعلامه
التجربةُ الشعرية العمانية على علاقة متطابقة مع الغرض لكنه أخذ مسمى “الشعر السلوكي”
أقامت الجمعية العمانية للكتاب والأدباء ممثلة في لجنة كتاب وأدباء محافظة جنوب الشرقية مساء أمس محاضرة بعنوان “التصوف في الشعر العماني” قدّمها عثمان بن موسى السعدي المدير المساعد للبرامج التعليمية بكلية السلطان قابوس لتعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها، وتناولت المحاضرة عددًا من المحاور منها التعريف بالتصوف وماهيته ومبادئه وأبرز أعلامه إلى جانب تسليط الضوء حول الشعر العماني وهل هو شعر تصوف أو شعر سلوك ونقاط الالتقاء والاختلاف ودواعي ظهور شعر التصوف في سلطنة عمان.
وقال المحاضر: إن تناول التصوف في التجربة الشعرية العمانية من الأمور المشوبة بالحذر والقلق وشيء من الحيرة، إذ التجربةُ الشعرية العمانية على علاقة متطابقة مع مختلف الأغراض الشعرية من جهة المسمى، فالغزل في التجربة الشعرية العمانية هو ذاته الغزل في التجربة الشعرية العربية، وكذلك المديح والرثاء والهجاء والوصف وغير ذلك من الأغراض. غير أن التصوف أخذ اسما مختلفًا في التجربة الشعرية العمانية ! فتسمى بالشعر السلوكي، وهذا لا شك أمر لافت جدًا، ويرشح عنه ما لا حصر له من الأسئلة: فهل الشعر السلوكي مختلف عن الشعر الصوفي؟ وما الإرث الذي انطلق منه الشعر السلوكي؟ وهل هو منبَتٌّ عن الشعر الصوفي؟ وما الحدود بين الشعرين؟
المبادئ والأعلام
وفي المحور الأول تطرق “الباحث” إلى معنى التصوف ومبادئه وأهم أعلامه، وقال: للتصوف لغة يبدو أن جماع أمرها يرتكز على الفقر المتمثل في (خرقة الصوف) و(الصُّفة) وعلى الصفاء، ونسبة إلى شخص، أو نسبة إلى كلمة ليست عربية، أو نسبة إلى رمزية الأعداد، ولعل الشبلي لخص الخلاف الدائر حول أصل التسمية هذه حين قال:” لم ينته الرأي إلى نتيجة حاسمة”. أما في الاصطلاح فإن التعريفات اشتركت في الترك والمقصود به ترك الدنيا أو الاختيار، وتعددت المفردات الموازية مثل: (الوقوف، وحفظ الحواس، وعين النقص)
كما عرج الباحث إلى “المبادئ الصوفية والأفكار”، إضافة إلى أهم أعلام التصوف، حيث قال : تزخر التجربة الصوفية بكثير من الأعلام الذين خلفوا إرثًا شعريًا وتراثًا فكريًا تلقفه الدارسون، وهام به المريدون، وانبرى له أيضًا المنكرون والمناوئون ومن أبرز أعلام التصوف: هيثم البحراني ورابعة العدوية وشفيق البلخي والسري قسطي والجنيد البغدادي، والشبلي البغدادي، ومعروف الكرخي، وأبو يزيد البسطامي، والغزالي، وعز الدين الكاشي، والقونوي، وأبوعبدالله الأنصاري الهروي، وابن الفارض، وابن عربي، والحلاج والنفري.
وأضاف “السعدي”: لا يمكن بحال من الأحوال الجزم بشكل قاطع ببداية محددة لظهور الصوفية طريقة للتعبد بمعناها الزهدي التقشفي، بسبب أصولها المختلفة الدينية والفلسفية والشرقية والغربية، فيوجد لها أثر في اليهودية والنصرانية والإسلام وفي فارس والهند واليونان.
ويقال: إن أول من سمي بالصوفي أبو هاشم الصوفي وهو من تلامذة الحسن البصري الذي قال فيه سفيان الثوري: لولا أبو هاشم الصوفي ما عرفت دقيق الرياء. ويذهب السهروردي أن اسم الصوفي أو التصوف لم يظهر في زمن الرسول -عليه أفضل الصلاة والسلام- وقيل كان في زمن التابعين، ثم قال: وقيل لم يعرف هذا الاسم حتى المائتين من الهجرة.
قلق التسمية
وفند الباحث عثمان السعدي في المحور الثاني قلق التسمية إذ اتخذ الشعراء العمانيون الماضون في هذه التجربة لأنفسهم مسمى مختلفًا عن التسمية المشهورة في التجربة الصوفية العربية، وأروم في هذه السانحة التطرق إلى أصل هذه التسمية ومرجعيتها، ملتمسًا أهم الدوافع للتشبث بها وإقصاء التصوف. ولا يمكن بحال من الأحوال إنكار العلاقة بين السلوك والتصوف، وأن تحديد هذه العلاقة أمر في غاية الأهمية لا شك، ومن الجيد لو قامت دراسات تقارب نوعه، والأمر يقوده دافعان في فلسفة تسمية هذا الغرض الروحي بالسلوك لدى العمانيين: هو أولا التركيز على الأمر الأهم في التصوف وهو السلوك الذي يسلكه المتصوف متنقلا بين المقامات والأحوال، وهو الدرجة الثانية من درجات السالك، وهذا الأسلوب معهود في فصيح القول فالله سبحانه وتعالى يقول في الآية 43 من سورة البقرة: (وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين). فليس الركوع مقصودًا حصرًا دون بقية الأركان، وإنما المقصود الصلاة، فقد يتم في الخطاب التركيز على أمر مهم منه للدلالة عليه لأمور كثيرة. وثانيا: احترازي والتزام بحجة دفاع ذاتية في أصل التسمية.
دواعي الظهور
وفي المحور الثالث عرّج الباحث عثمان السعدي إلى دواعي ظهور الشعر السلوكي وأهم أعلامه في سلطنة عمان، وقال إن الشيخ أحمد بن سعود السيابي يعيد بدايات ظهور التصوف في سلطنة عمان إلى القرن العاشر الهجري في المرحلة النبهانية المتأخرة، ويطلق الشيخ أحمد السيابي على تلك المرحلة مرحلة أمراء القبائل، فكل أمير قبيلة متسلط على إقليم معين ومتحكم فيه. أما دافع تقبل التصوف في عمان فمرده الإحباط لأن عصر أمراء القبائل في عمان كان عصرًا صعبًا على العمانيين، فخفتت جذوة العلم، وساد الجمود المعرفي والركود الفكري، ويذكر المؤرخون أن العلماء لزموا بيوتهم وبقوا فيها نتيجة للوضع الجائر. ويشير الشيخ أحمد السيابي إلى فترة الإمام أحمد بن سعيد الذي جند الكثير من غير العمانيين جاء بهم من النوبة وهنالك الطرق الصوفية ضاربة بأطنابها وأيضًا أتى بأناس من بلوشستان وأيضًا هناك الطرق الصوفية كثيرة والناس متشبثون ومتمسكون بها.
وأضاف “السعدي”: كانت البدايات على شكل أوفاق وطلمسات، ثم ما لبث أن امتد للشعر، فاللواح الخروصي وردت في شعره تعابير صوفية، فمثلا كان يسمي الكعبة ليلى؛ لأن المتصوفة أخذوا من اسم ليلى رمزا للحب الإلهي، غير أن اللواح اتخذها معادلا للكعبة. وإذا كانت تلك البدايات والدوافع والمنطلق الزماني فإن القرن الثالث عشر شهد ظهور الشيخ الرئيس العلامة جاعد بن خميس الخروصي الذي ينسب إليه وضع لبنة المدرسة السلوكية العمانية التي قامت على أربعة محاور: عمق التأمل في الوجود، والتعمق في علم الكلام والفلسفة، والخلوة، وكثرة الأوراد.
وذكر الباحث عدة أمثلة منها قول أبي نبهان في إحدى قصائده:
ولو أن نور الحـب أورى بقلبــــــــــه
أوار الهـوى أمسى وفي جـسمه نـُحلُ
وخمر الهوى لو خامر القلب بالجوى
لما رده بذل ولا صـده عـُكــــــــــــلُ
ولو أنه صب شجـي من الهـــــــــوى
لما رام غيـرا لا ولا مسـه كـــــــــــلُ
كما أبرز الباحث مساحة لكتابات سماء عيسى الشعرية في الرؤيا البعيدة والعبارات المكثفة العميقة في دلالاتها وقال: إن جمال التصوف الذي يسكن أشعار سماء عيسى الذي يتجلى في معظم كتاباته ونمط شخصيته، وفي بحثه عن رائحة الأجداد وحنين الآباء المتصوفين في رحلتهم نحو المجهول البعيد الذي يومض كإشراقة فجر غامض، إنه ذلك الإحساس بالرحيل والفقد والتشظي وعذابات الحياة التي تسكن الإنسان منذ رحلته الكونية نحو هذا الوجود الغامض.”
(ولكن غضبك دائمًا يأتي
بعد جفاف طويل
وبعد غياب
إذ هو ذا نبيٌ
أتت به الغيوم
وسكبته الأمطار … وكان ما تبقى هو الحُب
بعد أن غمرتْنا السماءُ
بمياهِ ندمٍ بعيدٍ)
الموضوعات والرموز
وفي المحور الرابع والأخير ذكر الباحث عثمان السعدي “موضوعات الشعر السلوكي ورموزه” وقال: إن الحديث عن التجربة السلوكية العمانية يؤكد أنها خرجت من رحم المدرسة الشرعية: إن صح التعبير فأغلب من ظهرت لديهم الملامح الصوفية هم على ارتباط ما بالعلوم الشرعية ومن ثم فإن البيئة شبه ممهدة للمضي في طريق الشعر السلوكي واقتفاء مفرداته.
وقدم الباحث وفيما سردًا بأبرز الموضوعات التي ظهرت في التجربة الشعرية السلوكية في سلطنة عمان منها “تقديس الله وتمجيده” وهذا الغرض ظهر في التجربة السلوكية العمانية بصورتين: قصائد مفردة، وفي معرض التوبة، وممن كتب في هذا الغرض من الشعراء العمانيين الستالي وهو من شعراء القرن السابع الهجري:
سبحان البارئ للنسم
وتبارك ربك ذو الكرم
وتعالى الله عز وجل
ولي النعمة والنعم
وهو الحي القيوم بلا
سنة أخذته ولم ينم
والآخر بعدُ بلا أمدٍ
والأول قبل على القدم
منشئ الأحياء من الموتى
مبدي الأنوار من الظلم
ملك أحد فرد صمد
محصٍ للخلق بلا سأمِ
وقد ذكر الباحث نماذج من نصوص التصوف في أغراض “سؤال الله والتقرب إليه” و “الشكوى من النفس” و “التوبة” و”الشوق والحنين إلى الكعبة والحمى” و”شعر الموقف من الدنيا والزهد”.
https://www.omandaily.om/ثقافة/na/الباحث-عثمان-السعدي-يسلط-الضوء-على-التصوف-في-الشعر-العماني