هلال الحجري يسلط الضوء على أدب الشتات في عمان

ضمن جلسة حوارية في النادي الثقافي..

قد يتبادر إلى الأذهان ما أن تستمع لكلمة “الشتات” أن كل ما تحويه في جعبتها ما هو إلا مشاعر مختلطة بين المعاناة والوجع، وهو الحال أيضا ما أن أعلن النادي الثقافي عن إقامة جلسة حوارية حول “أدب الشتات الأجنبي” فتبادر إلى الأذهان أن الحديث سيكون عن الهجرة القسرية أو الإبعاد السياسي، ولن تحوي نصوص أدب الشتات إلا كل معاني المعاناة والوجع.

ولكن ما جاء في ورقة الدكتور هلال الحجري ودراسته البحثية مغاير بشكل تام لما تبادر إلى الأذهان، بل استطاع أن يشعل شمعة تسير من خلالها الدراسات القادمة حول أدب جميل غاب عن الساحة، ولم يتم دراسته أو مناقشته أو حتى وضع النقاط على حروفه، ليكون مسارا للمعرفة من قبل الجمهور.

بدأ الدكتور هلال الحجري حديثه حول “أدب الشتات” بتوضيح دقيق للمصطلح الذي يلتبس فهمه لدى العرب، وقال في مقدمة حديثه: “أي دراسة مرتبطة بالمهاجرين في عمان فهي مرحب بها، سواء مني أو من الجمهور لأنها تكشف عن جزئيات قد تغيب من أذهاننا”.

وقال الحجري متوغلا في فهم مصطلح الشتات المرتبط بالهجرة أن الكثير يضع صورا نمطية عن المهاجر، الذي هو رجل نزح إلى تلك المنطقة طلبا للرزق، وانتهت القصة، ولكن في الحقيقة بعض المجتمعات بحكم تراكمها التاريخي القديم، فهي مجتمعات ليست ناشئة، ولها حضورها ولها تفكيرها وإنتاجها، وليسوا مجرد طالبين للرزق، وإنما هم جزء من نسيج تاريخ هذه المنطقة.

وأضاف: “قد يسمي البعض أدب الشتات بأدب المهجر، وهو الشائع معنا في الأدب العربي، ولكن في الغرب فمصطلح الشتات ليس غريب، وفي مطلع العشرين بدأت تتأسس حوله دراسات عميقة، حيث الحديث عن المجتمعات العرقية التي هاجرت من أوطانها إلى أوطان أخرى، كما يتم ربط الشتات باليهود مثلا، وهي هجرة قسرية، حيث نعلم أن هناك ظروفا تاريخية فرضت على اليهود أن يهاجروا، والأوضح من ذلك الشتات الفلسطيني في هذه الفترة، شعب هجّر من منطقته قسريا، وتشكل في مجتمعات أخرى”.

وتتبع الدكتور هلال السياق التاريخي لأدب الشتات حيث يؤكد أنه وإن ارتبط بمفهوم الهجرة القسرية إلا أن الحقيقة ومن خلال الدراسات الغربية فقد تجاوزت هذا المفهوم، وأصبح الشتات يدرس ضمن دراسات أكاديمية، تدرس المجتمعات العرقية التي تكونت في مختلف دول العالم، تركت دولها وعاشت في أوطان أخرى وظلت تحافظ على ثقافتها ليس بالضرورة أن تكون هجرتها قسرية ناتجة عن اضطهاد، وإنما هاجرت لأسباب أخرى من ضمنها الرغبة في السفر أو ظروف عمل أو غيرها من الأسباب.

وقدم الحجري مثالا على ذلك وهو الشتات الصيني، حيث قال: “لا أحد يتحدث عن الشتات الصيني بمفهوم قسري، وعلى الرغم من أن كثرة أعداد المهاجرين الصينيين، وهاجر الأفارقة أيضا بعيدا عن الهجرات السابقة المرتبطة ببيع الرق، وإنما الهجرات الحديثة وهي هجرات طوعية إلى بريطانيا وانسجمت مع الأوطان التي هاجرت إليها، وكتبت وفكرت وعاشت، ولم تعد مرتبطة بالوطن الأصلي، ففكرة ربط الشتات بالهجرة القسرية تجاوزتها الدراسات، و”دراسات الشتات” حقل أكاديمي له مراجعه، يمكن القول إنه تطور عن أدب المهجر”.

الشتات والهجرة ..

“الشتات يشمل المهاجر، اللاجئ السياسي، العامل المضاف، مجتمع المنفى، مجتمع ما وراء البحار، والمجتمعات العابرة للقارات” هو ما قاله الحجري حول ما يشمله الشتات، وأضاف: “مفهوم “الشتات” أوسع وأشمل من مصطلح الهجرة، والحقل متأسس بشكل قوي وعميق في الدراسات الغربية وإن لم يكن ذلك في الدراسات العربية، وما ينتجه المهاجرون من أدب يتعدى مسألة الحنين للوطن”.

ويقدم الدكتور هلال الحجري من خلال الجلسة الحوارية دعوة حقيقية لدراسة أدبية في عمان، وهي دراسة أدب المهاجرين الذين عاشوا في عمان، حيث أكد الدكتور أن ما يقدمه في ورقته هذه ما هو إلا بحث بسيط في حدود لغة واحدة وهي الإنجليزية رغم علمه أنه توجد كتابات بلغات أخرى.

ويرتبط أدب الشتات في عمان بالعلاقات بين عمان وبريطانيا، وعمان والهند، ويقول الحجري: “نتج عن العلاقات عدد كبير من الكتابات في هذين الشتاتين، إذا أتينا إلى بريطانيا فلها حضور تاريخي يعود إلى القرن السابع عشر، وتطورت العلاقات والحضور البريطاني في النصف الأول من القرن التاسع عشر، أعتقد أنها من المراحل التاريخية الذهبية، ويقال عن مسقط بأنها مدينة كونية، وذلك بحسب شهادات الكثير من الرحالة الأوروبيين، وهم يتحدثون عن مجتمع يحترم مختلف الديانات والجنسيات، وفتحت الطريق لهذه الشتاتات، حيث عاش الأوروبيون والآسيويون لفترات طويلة في عمان”.

وقدم الحجري مثالا لأدب الشتات هو “الشتات الهندي” وقال إنه مترسخ في عمان منذ قرون طويلة، وكان لهم دور كبير، لهذا لا نستغرب أن يخرج من الهنود الذين عاشوا في عمان شعراء وكتاب وأدباء، ولا يمكن أن نقول بأنهم جميعا من الطبقة الكادحة، وهو الحال بالنسبة للبريطانيين الذين لم يأتوا إلى المنطقة كمحتلين، وإنما جاءوا كسياح أو عاملين في حقول النفط، وأعجبوا بالمنطقة واستقروا فيها، وأضاف: “كل السياق التاريخي يؤسس للشتات الهندي والشتات البريطاني،20 مليون مهاجر بريطاني في العالم، لهم ثقافتهم الخاصة، ويجب إخراجهم من إطار الهجرة المرتبطة بالمعاناة، لهذا مصطلح الشتات هو الأنسب”.

وقال الدكتور هلال الحجري: “في حدود الكتابات التي قرأتها لا توجد في عمان أي إشكالية بالنسبة للشتاتات التي تعاني منها مجتمعات أخرى”، وأضاف: “هذه المبادرة التي قمت بها أردت أن أفتح هذه الصفحة في أدب الشتات الذي بدأت أراقبه منذ فترة، وكنت أشاهد بعض الكتابات الإنجليزية إلى أن تراكمت معي مجموعة أعمال من دواوين شعرية أو روايات، ووجدت أنه من المناسب في حديثنا الثقافي أن أوجه الضوء على هذا الأدب”.

نماذج أدب الشتات في عمان

وقدم الحجري في ورقته عدا من النماذج والأمثلة ذكر منها: جين جعفر، وهي كاتبة وشاعرة وخبيرة يوغا بريطانية هاجرت إلى عمان منذ 1980، عاشت طفولتها مع والديها وأخيها في لندن، تزوجت في عام 1980 برضا جعفر، واستقرت منذ ذلك الحين في مسقط، وهي مناصرة لمحو أمية الأطفال لذلك أنشأت في 2007 برنامج هيا نقرأ، و2013 مشروع مكتبتي، بدأت في التأليف في 2003، حيث نشرت كتابا بعنوان نساء على الحافة، ومجموعة شعرية تدور حول قضايا المرأة، ومن أعمالها رواية رائحة وردة، ورواية حب في زمن زنجبار، ولها كتابات في أدب الطفل.

ومن النماذج أيضا سانتوس جانجرهارن، وهو روائي من كيرلا في الهند، مهندس كيميائي، مقيم حاليا في عمان، نشر روايته باللغة الإنجليزية “دوران في النسيان” في عام 2015، وهو رجل مأخوذ بالتصوف، في 2016 نشرت له رواية “ماذا بعد” باللغة الانجليزية، وهي تتناول نظرية عودة الأرواح، وتدور أحداثها في عمان وكيرلا.

النموذج الثالث سابنا جورج، وهي صحفية مستقلة وشاعرة ورسامة، مقيمة في عمان، ومهتمة بالتدوين، عاشت أكثر من 15 عاما في قطر قبل انتقالها إلى عمان، نشرت أول مجموعة شعرية لها باللغة المالايامية في 2009، تتكون من 96 نصا.