«نزوى» تختتم جلسات ذكريات البدايات مع كتّابها الأوائل

د.كهلان الخروصي يرجع إلى عمق القضية الفلسطينية ويدحض جذور الافتراءات

معرض مسقط الدولي للكتاب يمتلئ بالعائلات اليوم.. والأطفال يبتهجون في ركن الطفل –

لم تفارق ممرات معرض مسقط الدولي للكتاب في دورته الثامنة والعشرين اليوم الجمعة مشاهد العائلات وهي تتجول في أروقة المعرض وساحاته الخارجية، ليكون يوما عائليا بامتياز، وجد فيه رب الأسرة فرصة سانحة له ولعائلته، حيث الإجازة الأسبوعية المناسبة للعائلات التي توافدت من مختلف ولايات ومحافظات سلطنة عمان قاطعين مئات الكيلومترات ليلتقوا مع الفكر والثقافة والمعرفة والمناشط خاصة مناشط ركن الطفل.

وقد توافدت جموع كبيرة من الزوار اليوم إلى المعرض قبل الوقت الرسمي للافتتاح وهو الرابعة عصرا، وتزاحمت السيارات في الطريق المؤدي إلى المواقف حاملة العائلات والأطفال المتشوقين لاقتناء مختاراتهم أو ما يرونه مناسبا بإشراف مباشر من الوالدين الموجهين لأبنائهم نحو اختيار المناسب الذي يرقى بفكرهم وتعليمهم وحياتهم، يقول سالم بن جديد الشبيبي الذي قدِم من ولاية المضيبي مع أبنائه إنه اختار هذا اليوم ليصحب أبناءه إلى المعرض وإرشادهم نحو المختارات المناسبة لأعمارهم، فهو يوم إجازة وخير استثمار له أن يكون في معرض يجمع مختلف الكتب والمعارف والفعاليات التي تناسب الأطفال وتنمي قدراتهم ومهاراتهم الحياتية والعلمية، قائلا: «نحمل أمانة كبيرة ومسؤولية عظيمة تجاه أبنائنا في هذا الزمن المتغير والمتطور والمطلع على الآخر، لابد أن يمارس الأب دوره التربوي ويوجه أبناءه إلى المفيد والقراءة وزرع حب هذا الشيء في نفوسهم منذ التنشئة، لذلك أنا اليوم في رحلة ترفيهية تعليمية في آن واحد، ورغم بعد المسافة بين ولاية المضيبي ومسقط إلا أنها رحلة مفيدة وغنية بالفائدة».

أما ماجد بن خالد البلوشي، فهو من مسقط وجاء برفقة أبنائه، قاطعته بينما كان يسأله ابنه عن إمكانية شراء بطاقات الألغاز، التي كانت بريال واحد «فقط» كما قال ابنه، وعن زيارته قال: «خير استغلال للإجازة الأسبوعية أن يكون في مكان مثمر فكريا مثل معرض مسقط الدولي للكتاب، بما فيه من عناوين مناسبة للأطفال ومناشط مفيدة تستهدف هذه الفئة العمرية، أحد الأبناء أخذته إلى مشغل الرسم، والآخر تجولت معه لاختيار المناسب له من الكتب والعناوين، وحقيقة من الرجاحة أن يكون المعرض متزامنا مع إجازة نهاية الأسبوع، خاصة عندما يتعلق الأمر بأعمال الوالدين، وخير مزامنة هو إجازة الطلبة يوم الأحد بمناسبة يوم المعلم، وهي دعوة للعائلات لاستثمار الإجازة في هذا المكان».

لم تفارقني مشاهد العائلات وهي تتجول بين الأروقة والعارضين، فهذا أبٌ يتصفح كتابا اختاره ابنه، وفتاة تستشير والدها في عنوان، وأم تفاوض بائعا لشراء عنوان لابنها، ومن يسأل عن كتب تنمية الذكاء، ورغم حضور الطلبة في أيام الأسبوع إلى معرض الكتاب، إلا أن إشراف الوالدين المباشر له أثر أطيب، كما يقول يوسف القرشوبي من ولاية نخل: «للطلاب فرصة غير هذه الإجازة لزيارة معرض الكتاب من خلال رحلات المدرسة، ولكن الإشراف المباشر من الوالدين له بالغ الأثر، ومع تقديرنا وامتناننا للمدرسين الأفاضل، قد يكون من الصعب عليهم الإشراف على اختيارات 20 أو 30 طالبا قادمين برحلة مدرسية، فقد يأخذ الطالب كتابا لا يخدمه ولا يضيف إلى معرفته وقد يضره ما اختاره بدون إشراف والديه، ومعرض الكتاب فرصة للأبناء، قد يأخذ الابن كتابا أو كتابين، قد تساهم المختارات بفتح المدارك، المعرض فرصة تأتي في السنة مرة، لا بد من استغلالها واستفادة الجميع منها».

فلسطين بالمنظور الديني

وتضمنت أنشطة معرض الكتاب اليوم العديد من الفعاليات المصاحبة، منها محاضرة «القضية الفلسطينية من منظور ديني» قدمها فضيلة الدكتور كهلان الخروصي مساعد المفتي، بالمسرح المدرج، موضحا أن الجانب الديني في القضية الفلسطينية هو الأساس الذي تنبثق منه بقية الجوانب الجيوسياسية والتاريخية والعاطفية والمعرفية والفكرية، منتهجا فضيلته النهج القرآني في الرد على الأقاويل والادعاءات التي يزعمها العدو في حقه بأرض فلسطين، المستند إلى نصوصهم الدينية المحرفة، قائلا فضيلته: «لن نرد على الاتفاقيات الدولية ولا على المعاهدات والوعود الدولية وغيرها من البروتوكولات، سنعود في هذه المحاضرة إلى منبع الفكرة من الأساس، حيث يدعي الصهاينة أن أرض فلسطين هي حق لهم مستندين إلى نصوصهم الدينية، والتي منها ما ورد في سفر التكوين -كتاب مقدس يهودي- (في ذلك الْيوْم قطع الرّبّ مع أبْرام -إبراهيم عليه السلام- ميثاقا قائلا: لِنَسلِكَ أعْطي هذه الأرْض، منْ نهْر مصْر إلى النّهْر الْكبير، نهْر الْفرات) وهنا لا بد أن نؤكد زيف ادعاءاتهم التاريخية التي يرجعون إليها».

وأكد الدكتور كهلان أن المسألة لا يجب التعامل معها عاطفيا، فالقضية عقدية دينية أصيلة ويجب التعامل معها بالبراهين والأدلة تكشف كذب العدو.

واستعرض الشيخ كهلان الردود المنطقية على زيف الادعاءات الدينية لديهم، في أكثر من محور، منها ما قاله: «يقول الصهاينة إن هذه أرض فلسطين حق لسيدنا إبراهيم ونسله من بعده، منهم إسحاق ويعقوب ويوسف والأسباط إلى موسى وهارون عليهم السلام، كل هؤلاء لم يسكنوا أرض فلسطين، فكيف فاتهم أن الله أعطى هذه الأرض لهم، فلم يسكنوا فيها، فهذا دليل واحد يؤكد التناقض الموجود في نصهم الديني».

والدليل الآخر الذي سرده مساعد المفتي في حديثه حول الهيكل المزعوم، إذ قال: «يدعي اليهود أن أقدس مقدساتهم موجود في القدس، ومع ذلك هناك خلاف كبير جدا على موقعه بالتحديد، ومنها ثلاثة أقوال شهيرة، قول بأنه تحت المسجد الأقصى مباشرة، وقول ثان بأنه تحت قبة الصخرة، وثالث أنه عند حائط المبكى، ومن الأقوال ما يشير إلى أنه خارج فلسطين أساسا، ولم تكتشف جهودهم المضنية منذ قرابة 100 عام عن مكان الهيكل، ولا عن شكله ولا عن وصفه، وهناك خلاف حاد بينهم، ألا يدل ذلك على ضعف حجتهم، وقد يزعمون بعد أن ينصر الله جيشه في فلسطين أن الهيكل في بلاد أخرى كي يهاجروا إليها ربما».

إلى جانب العديد من الأدلة والبراهين الدالة على زيف أصل الحجة التي يستند لها العدو ويرى فيها قضية أصيلة وفق افتراءات وأكاذيب.

مجلة نزوى

ومن الفعاليات المصاحبة استئناف ندوة «نزوى.. ثلاثون عاما من الإنجاز الثقافي»، التي استضافت جلستين حواريتين، الأولى بعنوان «مجلة نزوى وكتَّاب الاستشراق والتأثير والتلقي»، تحدث فيها 5 متحدثين، وأدارت الجلسة الدكتورة عائشة الدرمكية، وبداية الجلسة تحدثت الأستاذة ظبية خميس الكاتبة والمترجمة الإماراتية بقولها: «مجلة نزوى هي نتاج فكر عربي ثائر على التقليد، ذهب إلى العولمة ولم تأت إليه، نتائج اشتغال مثقفين ذهبوا إلى الآخر ليدهشوا بما لديه ويأتوا بالتجديد، أرجح أن أسمي هذه الجلسة (جلسة الاستغراب) وليس الاستشراق، مربوطة بسيف الرحبي».

وتابعت: «قبل 30 سنة زرت عمان وكان الوسط الثقافي ينظر إلى مجلة نزوى نظرة فيها نوع من السخط، ولسان حالهم يقول ما هذا النوع من الأدب الغريب، وبعد 30 عاما أثبتت المجلة القدرة على الاستمرارية على نفس الروح، وعليها أن تتواصل مع الجيل الجديد مقارنة بما كان حديثا قبل 30 عاما».

فيما قال الدكتور أمين الزاوي الروائي والمفكر الجزائري في حديثه: «مجلة نزوى قامت بعمل مثير، انفتحت على الأجيال الجديدة في المغرب الكبير بل في العالم الآخر الغربي، وقامت بلملمة أطراف هذا العالم الواسع، المجلة اليوم منارة عربية ومنبر مفتوح، حافظت على الحداثة والكلاسيكية في آن، على الفلسفة والدين، وغيرها من المجالات، هذا ما صنع القوة في مجلة نزوى».

أما الدكتور ديفيد هيرش أمين مكتبة فخري في جامعة كاليفورنيا، المهتم بالأدب العربي ويتحدث بها، فقد قال: «وصول مجلة نزوى إلى مكتبة جامعة كاليفورنيا كان لها الأثر الكبير في التعريف بالأدب العماني والعربي وعكست مدى اهتمامها بالترجمة والاطلاع على الأدب الآخر، حقيقة هي من المجلات القليلة التي كانت تصلنا من الخليج العربي مقارنة بما يصلنا من الشام ومصر، ولكنها كانت ذات طلب عال من قبل الطلاب العمانيين والعرب والأجانب» .

في حين قال الدكتور اليمني حبيب سروري: «لعبت مجلة نزوى دورا كبيرا في التعريف بالآخر والتعريف بنفسها ممثلة بالأدب العماني والعربي، كما أنها حققت هدف الانتشار بين أوساط البسطاء، فطالما رأيت المجلة بأيادي الفقراء يتصفحونها فتزيد معارفهم ومداركهم، وهذا ما لم تحققه أغلب المجلات، وأسأل هنا بناء على عمومية المجلة وتنوعها، فهل يجب أن تستمر في عموميتها أم تتجه إلى التخصصية؟».

وأخيرا تحدث في الجلسة الدكتور فرانك ميرميه، الباحث والأديب الفرنسي، ومما قاله: «لفت انتباهي أمر، أن مجلة نزوى بمثابة مختبر في العديد من المجالات، بما في ذلك الترجمة، فالترجمة المحكمة هي نتيجة عمل تراكمي مخبرة طويلة تفتح أفق المترجم على الثقافات الأخرى والمصطلحات والمجازات والتشبيهات حتى تصل إلى المتلقي الآخر كما أراد كاتبها الأصلي، وقامت مجلة نزوى بهذا الدور في بناء العمل الترجمي، وهذا المختبر دفعني حقيقة لكي أخوض في مجال الترجمة خاصة في العلوم الاجتماعية العربية إلى الفرنسية، ومما لفت انتباهي أن المجلة زادت من إدراك المتلقي بأهمية الادب المهمش، مثل الأدب البوسني، وغيرها من الآداب، كذلك قامت مجلة نزوى بالحفاظ على التراث من منظور حداثي، بمعنى أنها تحلل التراث وتتناوله من منظور حديث، وهذا ما يسمى تجديد الخطاب حول التراث».

أما الجلسة الثانية بعنوان « المجلات الثقافية ودورها الحضاري»، فقد تحدث فيها كل من الأستاذ عبده وازن الشاعر والروائي اللبناني، والدكتورة بروين حبيب الشاعرة البحرينية، والأستاذ أحمد زين الروائي اليمني، والأستاذة منصورة عزالدين الروائية المصرية، وأدارت الجلسة مديرة تحرير مجلة نزوى هدى حمد، تناولت الجلسة موضوع المجلات الثقافية والتجربة العربية منذ أواخر القرن التاسع عشر، التي قامت بالدور التنويري والمعرفي في مجتمعات تموج فيها أطياف من الردة الظلامية.

تواقيع

إلى جانب العديد من الفعاليات قام العديد من الكتّاب بالتوقيع على إصداراتهم الجديدة، منهم الكاتبة زهراء بنت حسن اللواتية، وذلك على إصدارها «طبيعيٌ بطريقته الخاصة.. في الدمج الاجتماعي والتعليمي لذوي الإعاقة»، وقالت الكاتبة عن الإصدار: «يحتوي الكتاب على (١٥) مقالة تتحدث عن مواضيع تُعنى بالأشخاص ذوي الإعاقة وآليات دمجهم وتمكينهم في المجتمع، كما يتضمن الكتاب عرضًا لتجربتي الشخصية في رحلتي مع طفلي التوحدي منذ التشخيص، حيث تناولت موضوع تشخيص الإعاقات لدى الأطفال، ووضع عائلات الأطفال ذوي الاعاقة بعد التشخيص، وموضوع تعليم الأطفال ذوي الاعاقات والاحتياجات التعليمية الخاصة، والتعليم في ضوء نماذج فهم الإعاقة المختلفة (النموذج الطبي، والنموذج الاجتماعي، والنموذج المتكامل)، وكذلك موضوع تسميات الأشخاص ذوي الإعاقة من حيث اختلاف وجهات نظر الأشخاص ذوي الإعاقة وأسرهم في تفضيلاتهم لهذه المسميات (مفهوم لغة الشخص أولاً، ومفهوم لغة الهوية أولاً)..وغيرها من المواضيع».

ويشكل الإصدار إضافة مهمة للعائلات التي تضم بين أفرادها أشخاصا من ذوي الإعاقة في سبيل التعامل الأمثل معهم واستثمار قدراتهم وصدر الكتاب عن دار نثر.