استطلاع – عامر بن عبدالله الأنصاري
“عُمان” تستطلع آراء عدد من دارسي فنون المسرح
– نوح الحسني: الدافع الأول لدخولي مجال الدراسة المسرحية هو الشغف
– يحيى الحراصي: استمرارية الحاجة إلى الإنتاج المرئي تتطلب الدراسة التخصصية
– عبدالله الغريبي: الدراسة تعطيني القدرة على النقد الفني كوني “أكاديميا” متخصصا
– محمد الرقادي: اخترت أن أدرس ما أحب وما أستطيع أن أبني به مستقبلي بنفسي
كنت حاضرا في حدث مسرحي تجمَّع فيه عدد من الفنانين، كان أحدهم الفنان القدير عبدالغفور البلوشي، الذي درس الإخراج والتمثيل المسرحي في معهد الفنون الجميلة بجمهورية العراق، وتخرج منها بدرجة الدبلوم العالي عام 1980م كما واصل دراسة المسرح بعد ذلك في مؤسسات عديدة، فكان مما دار في الحديث، سؤال استنكاري موجه للفنان عبدالغفور، مفاده “ما الذي دفعك لدراسة الفنون المسرحية من تمثيل وإخراج، في وقت كان المسرح فيه ضعيفا، وكذلك لم يكن مجديا من الناحية المادية؟!”، هذا التساؤل يتبادر في ذهني اليوم، فرغم بداية الحركة المسرحية في سلطنة عمان منذ السبعينيات أو قبل ذلك وامتدادا إلى اليوم، إلا أن الجميع يتفق على أن الحركة المسرحية في سلطنة عمان تعاني من ضعف المردود المادي، والإقبال على ما يُعرف بـ”شباك التذاكر”، أي ضعف الاستثمار المادي والتكسب المشروع من الفن المسرحي، أما من ناحية القوة الفنية والنصية فإن المسرح العماني يسير بخطوات واثقة نحو التميز والنجاح وخير دليل على ذلك العدد الكبير من الجوائز الدولية التي يحصدها المسرحيون العمانيون في العديد من المحافل الدولية.
وهذا الحديث أكده أحد المسرحيين المؤثرين الذي له تجارب إخراجية عديدة حازت على العديد من الجوائز الدولية، فحين سألته عن عزوفه عن المسرح مؤخرا، وعدم مشاركته في المحافل المسرحية المحلية قال بأنه قد تعب من هذا الاشتغال الذي لا يوجد به مردود مجزٍ، بل إنه اشتغال مكلفٌ جهدًا ومادةً!
ورغم هذا الاعتراف من المسرحيين أنفسهم إلا أنه ما زال عددٌ من المسرحيين العمانيين قرروا أن يتخصصوا في علوم المسرح، ليمزجوا الشغف بالدراسة التخصصية ويقبلوا أن تمضي سني أعمارهم في دراسة مجال يحبونه، فهل الحب والشغف فقط كفيلان بأن يقرر المرء الالتحاق بمؤسسة علمية تخصصية تأخذ من جهده وفكره وسني عمره، أم أنهم يرون أن المجال ذو أفق رحب يمكن لحاملي شهاداته أن يعملوا في مجالات عدة ذات صلة.
هذه التساؤلات وغيرها طرحناها على عدد من الفنانين المسرحيين العمانيين الذين يدرسون حاليا في دولة الكويت في المعهد العالي للفنون المسرحية، فلنقرأ وجهات نظرهم..
لا يزال الشغف
كانت بدايتنا مع الفنان نوح الحسني، الطالب في المعهد العالي للفنون المسرحية بدولة الكويت واختار أن يسلك مسار “الإخراج والتمثيل”، تحدث لـ”عمان” عن دوافعه لدراسة التمثيل والإخراج دراسة تخصصية، قائلا: “الدافع الأول لدخولي مجال الدراسة المسرحية بكل أمانة كان ولا يزال الشغف، بعيدا عن التفكير فيما سيأتي في المستقبل وبعيدا عن موضوع العمل، ينصب تفكيري واهتمامي أكثر وأكثر في توسيع مداركي لثقافة المسرح والاشتغال على هذا الجانب أكثر وأكثر ليبقى المسرح”.
وعن وجهة نظره بأن الموهبة الفنية العالية قد تكون حاضرة عند عدد من الفنانين من غير الدارسين دراسة أكاديمية لفنون المسرح، قال: “لا اختلف في أن الموهبة عامل مهم في تكوين الشخصية المسرحية، ولكن الموهبة وحدها لا تكفي أحيانا، لذلك نحتاج إلى أن نتعمق ونخوض أكثر في عالم المسرح؛ لكي لا نتوقف عند نقطة معينة.. نحن الآن دورنا أن نكمل ما بدأ به المسرحيون السابقون، لذلك يجب أن يضحي البعض ويتحمل صعوبات الدراسة، وطموحي كبير وسيتحقق، ربما الآن وربما في وقتٍ لاحق إن شاء الله”.
كما تحدث الحسني عن تخصصه قائلا: “تخصصي الدراسي هو التمثيل والإخراج المسرحي، ولكن هذا التخصص لا يقتصر عليهما، بل هناك مواد أخرى تشمل المسرح، مثل مادة الإضاءة المسرحية، مادة فنية التنكر (ماكياج مسرحي)، مادة التذوق الموسيقي، وغيرها من المواد التي تصقل التجربة المسرحية بشكل كبير”.
احتياج الإنتاج الفني
وطرحنا تساؤلاتنا على الفنان يحيى الحراصي الذي يسلك حاليا مشوار دراسة “التمثيل والإخراج” بالمعهد العالي للفنون المسرحية بدولة الكويت، ومما قاله: “غالبا في وقتنا الحاضر لا يمكن للفرد الحصول على وظيفة إلا مع وجود شهادة جامعية، وتختلف الشهادات ويختلف الفن، وكلٌ في طريقه أدرى، وأنا اخترت تخصص التمثيل والإخراج المسرحي لعدة أسباب، أهمها حبي وراحتي لهذا المجال، ودوافعي هي أن أتمكن من التمثيل والإخراج بشكل احترافي، وبعدها أنشر هذا الفن الذي يسهم في إبراز الطاقات الشبابية في هذا المجال، كما أن هذا التخصص مهم، وذلك استمرارية الحاجة إلى إنتاج المسلسلات والأفلام والإعلانات المرئية، وهذا الإنتاج بحاجة إلى ممثلين ومخرجين، وأتحدث عن وقتنا الحالي وفي المستقبل كذلك، فنحن بحاجة إلى الإنتاج الفني، ولا شك أن الشاب يعتمد على التعليم الجامعي بشكل جوهري من أجل الحصول على وظيفة مناسبة، فالمؤهل الجامعي هو المفتاح الأساسي للخروج إلى سوق العمل ومن ثم يضمن الإنسان الحصول على دخل مناسب يعينه على قضاء متطلباته، وتخصص المسرح رائع جداً تتعلم منه كيفية التمثيل والقراءة والكتابة الدرامية وكيفية الإلقاء وتكتسب الثقة منه، وأنا أردد دائما بأن طبيعة الإنسان أنه يسعى للأفضل دائما، ويمضي في سبيل تحسين مستواه، وطموحي أن أتوظف في مجال المسرح والتلفزيون وأن أكمل دراستي للدكتوراه والمشاركة في المسلسلات والأفلام العربية والأجنبية، وأطمح إلى أن أصل إلى جائزة الأوسكار في التمثيل”.
وتحدث الحراصي عن ماهية تخصص “الإخراج والتمثيل” قائلا: “لا يقتصر تخصصي على التمثيل والإخراج فقط، فعند البدء بدراسة فن المسرح سوف تتمكن من الاطلاع على العديد من الثقافات المتنوعة والتعرف على مختلف العلوم مثل: علم النفس، التربية، الآداب والسياسة وغيرها من العلوم، فالمسرح يُمكن دارسته من المعرفة بمختلف الأمور عبر تخطي العديد من التحديات التي تساهم بشكل فعال في إثراء الطالب وتعزيز قدراته المسرحية”.
أكاديميٌّ وليس موهوبا فقط!
وشاركنا الحديث بوجهة نظره الفنان المسرحي عبدالله الغريبي، وعن قرار دراسته بالكويت لتخصص التمثيل والإخراج قال: “منذ صغري وأنا أحب التمثيل، ثم تطور الموضوع إلى أن دخلت في أعمال المسرح المدرسي، لذلك سعيت أن أطور هذه الموهبة في نفسي، فبدأت أبحث عن مؤسسة تُدرِّس تخصص التمثيل والإخراج، ووجدت ضالتي في دولة الكويت وتحديدا في المعهد العالي للفنون المسرحية، وتم قبولي، وها أنا أمضي في هذه الدراسة”.
وحول وجود المواهب العمانية القوية في مجال التمثيل المسرحي من غير المتخصصين، قال الغريبي: “نعم يوجد العديد من الفنانين الذين برزوا بمواهبهم، ولكن في الأخير الدراسة التخصصية تنمي الموهبة وتصقلها بالخبرة الأكاديمية، فيكون الدارس للمسرح ممثلا أكاديميا أو مخرجا أكاديميا، وليس موهوبا فقط، ولا شك أن أي ممثل موهوب يريد أن يفهم أكثر في هذا المجال ويعرف آخر ما وصل إليه الفن المسرحي، وهذا لن يتأتى إلا من خلال الدراسة التخصصية”.
وعن طموحه تحدث الغريبي بقوله: “طموحي الأول أن أعمل في دولة الكويت بسبب رقي المسرح والفن بشكل عام ربما الآن وصل إلى المستوى العربي، وطموحي الثاني أن أصنع مسرح طفل في سلطنة عُمان بطريقة مختلفة، وأتمنى أن يتحقق ذلك قريبا”.
واختتم عبدالله الغريبي حديثه ملتفتا إلى ميزة الشهادة التخصصية، إذ قال: “الشهادة تأخذني إلى مستوى أعلى من التخصص والشغف، فهي تمنحني لقب (أكاديمي) متخصص في المجال بحكم الدراسة بطبيعة الحال، وبذلك تكون لي القدرة على النقد الفني والمناقشة الموضوعية والتعبير عن وجهة نظري في أي عرض مسرحي وكذلك مناقشة أي متخصص في المجال، أما مسارات الدراسة فهي متنوعة في تخصص (التمثيل والإخراج) وتشمل مجالات عديدة، سُمِّيَ المسرح (أبو الفنون) ففي المسرح أنت تدخل الرسم والهندسة والموسيقى والزخرفة والإضاءة والعديد من الفنون وحتى علم النفس، أذكر في سنة من السنوات كان لدينا مقرر علم نفس وعلم جمال”.
أدرس ما أحبه
أما الفنان محمد الرقادي فقد حدثنا عن سبب اختياره تخصص “التمثيل والإخراج” بقوله: “دوافع الدراسة أتت بعد أن وجدت نفسي في المسرح، حتى أثناء دراستي تخصص علوم تطبيقية كنت أمارس المسرح وربما كنت متفوقًا فيه أكثر من تخصصي الدراسي حينها، لذلك عزمت على دراسة تخصص المسرح عندما قررت أن أدرس ما أحبه وأتقنه وأحتاجه وما أنا قادر على تقديم شيء يحتاجه الوطن، بعيدًا عن موضوع الوظائف، ثم أني ذهبت للكويت لدراسة تخصص التمثيل والإخراج المسرحي في الوقت الذي تعاني فيه بلادي من شح في الوظائف، وتفاقم عدد الباحثين عن العمل يومًا بعد يوم، هذه المشكلة بحد ذاتها تسبب قلقا للطالب الجامعي أيًا كان تخصصه، ربما هذا القلق دفعني للتفكير بشكل أكبر بموضوع التخصص والمستقبل والوظيفة ووصلت لنتيجة أنني لابد أن أدرس ما أحب وما أستطيع أن أبني به مستقبلي بنفسي وإن لم تسعفني الظروف في ذلك الوقت”.
وعما أضافته دراسة المسرح أوضح الرقادي: “دراسة التمثيل والإخراج المسرحي في المعهد العالي للفنون المسرحية بدولة الكويت أضاف لي الكثير، وإن كنت أمارس المسرح قبل دراستي بالمعهد، وصحيح أنني ذهبت للكويت وأنا حاصل على جوائز على مستوى محلي وخليجي ودولي ولي مشاركات كثيرة، وكانت هي التي جعلت مني ممثلًا أو مخرجًا أو كاتبًا مسرحيًا قبل المعهد، لكن المعهد أضاف إلى تلك التجارب، المعهد يحوّلك من هاوٍ إلى محترف، تفهم بشكل أعمق، نظريًا وعمليًا، المعهد لن يلقنك المعرفة فهي ليست رياضيات ولكن يضعك في المسار الصحيح الذي تكمل فيه مشوارك بنفسك وبجهدك وقراءتك وتطوير ذاتك، بالإضافة إلى الاحتكاك بالفنانين والمخضرمين ومن لهم باع في مجال الفن وروّاده هذا بحد ذاته يضيف للفنان الكثير، وكذلك التغذية البصرية التي أمارسها بوجودي في الكويت كفيلة أن تفتح مداركي لمدى أوسع مما أراه إن كنت قابعًا في مكان واحد”.
وعن أهدافه قال: “الهدف الرئيسي من دراستي في دولة الكويت منذ البداية، كانت ومازالت هي بناء فكر، أبني نفسي كفنان قبل كل شيء . والفنان يختلف بفكره وخياله واطلاعه ومحاولاته وتجربته. الفكر هو أساس كل فنان، هذا ما أسعى لأجله وأعمل عليه منذ اليوم الأول حتى اليوم. وبفضل الله تحققت أغلب الأهداف والقادم سيكون أفضل، وأطمح بعد التخرج إلى أن أعود محملا بالعلم والفن معًا، لأرتقي بالمسرح العماني كما يستحق أن يكون، سواء بوظيفة حكومية تسمح لي بذلك أو من خلال شركة إنتاج فني خاصة – ونحن نعاني من ضعف في الإنتاج الفني”.
واختتم محمد الرقادي حديثه متحدثا عن مفهوم دراسة التمثيل والإخراج، حيث قال: “هو تخصص معني بالمسرح بشكل أساسي، مواد مختلفة بين التمثيل والإخراج والكتابة والتحليل والإلقاء واللغة العربية والإنجليزية والتمثيل التلفزيوني بالإضافة إلى مواد ثانوية لتثقيف الفنان مثل: علم النفس والتاريخ العربي وتاريخ المسرح وأداء صوتي وتذوق موسيقي وفن التنكر وغيرها من المواد، الذي يدرس المسرح هو معني بكل الفنون؛ فالمسرح أبو الفنون لاشتماله على كل الفنون، فعندما تكون مسرحيًا حقيقيًا لا بد من أن تكون لك خلفية وفهم للفنون الأخرى”.