تغطية – بشاير السليمية
في حضرة عرابة الوجود الإنساني
أشار المفكر والكاتب إبراهيم الكوني إلى أن التناول الحداثي للصحراء يتخذ أسلوبا نمطيا ونية ساخرة لهالة الصحراء، وأن تنميط الصحراء هو نوع من تجديف عرابة الوجود الإنساني حسب وصفه.
وفي جلسة أقامتها اللجنة الثقافية لمعرض مسقط الدولي للكتاب بعنوان ذاكرة الصحراء افتتح الكوني حديث بسؤال: كيف يستطيع مبدع يعيش في أوروبا ولا يكتب إلا عن الصحراء التي لم يعش فيها إلا ١٠ سنوات؟
وأشار إلى أن الأوروبيون يعتقدون أن المبدع يكتب عن حرف الواقع وليس حروفه وأن ذخيرته هي الظاهرة وليس ما تخفيه الظاهرة.
وفي حديثه حول أوصاف الصحراء ودروسها التي تلقنها لنا –بني البشر- قال الكوني أن الصحراء في الواقع معلم حكيم وإلا لما كانت الوصي على أنبل ما في الوجود (النبوة)، وأضاف: “الأفكار والرسائل كلها خرجت من الصحاري، ومن رغب التقرب من الرب لا يملك إلا أن يستجير بالصحراء”.
وتابع: “الصحراء إغواء مثلها مثل البحر يكفي أنها حسناء وجميلة وعندما تكون حسناء لا بد أن تستدرجنا إلى ما هو أعظم من الحسن” مشيرا إلى أن الجمال قضية كلاسيكية في العالم القديم منذ الأزل.
وقال: “عندما تستدرجنا الصحراء بالجمال فهي لا تفعل ذلك من باب الترف بل إلى ما هو أعظم من المظهر والحرف ولكنه البعد الغيبي للجمال للحقيقة، والحقيقة هي غاية الصحراء الأولى.”
ولفت الكوني إلى أن عرابة الوجود الإنساني ـالصحراء- تلقننا درس الهجرة ببعده الإلهي والوجودي، وتستدرجنا إلى أن الإنسان الذي يلجأ إلى الصحراء لا يستطيع أن يقيم فيها. وأضاف: “تعلمنا أن من طلب الحرية والحقيقة ليس له أن يقيم بل أن يسعى وهذا النموذج المهاجر لا يحمل على ظهره بيته وحسب ولكنه يحمل دولته وحكومته وكل ما يحتاج له الإنسان المستقر. الإنسان الذي يعيش في الصحراء ملك ومالك نفسه وهو حكومة متكاملة لأن عليه صرف شؤونه بنفسه، ولا سبيل لقهر إنسان يحمل بيته على ظهره، والإنسان الذي قرر أن يهاجر لا يقهر، بدليل أن أولئك الذين اختاروا التضحية بالترف والاستقرار ليس لهم إلا أن يلجأوا إلى الصحراء لتلهمهم”.
وعن محاولة تغيير الإنسان لواقعه قال الكوني: “العالم ظل لنا ونحن أصله وعندما نحاول تغيير الظل فنحن نغير شبحا، وعندما يحاول الإنسان تغيير ما بالواقع الخارجي يهزم”. وأضاف: ” تغيير ما بالنفس هو أول دروس الصحراء لأنها لا تدلل الإنسان بل تقسو عليه وتربيه وتجبره على أن يحرر ما بنفسه”.
وفي حديثه عن نماذج تجسد الهجرة في التاريخ أشار إلى أن التاريخ الإسلامي هجري ولم نعي بعده الإنساني العميق. وقال: “هجرة الرسول لم تكن من مكة إلى المدينة وحسب بل هجرة روحية أيضا في غار حراء، كل الأنبياء مهاجرون: نوح هاجر عبر البحر حتى يونس في بطن الحوت كانت هجرة”. وأضاف: “نلاحظ أيضا أن الكتب السماوية تعالج مبدأ الهجرة فالتوراة كتاب هجري والإنجيل كذلك تعالج عملية الهجرة، الملاحم العظمى كـ كلكامش تعالج الهجرة بحثا عن عشبة الخلود، هجرة الجيوش اليونانية لطروادة، والكوميديا الإلهية وهجرة الإنسان من الحياة إلى الموت، الحرب والسلم وهجرة نابليون لغزو روسيا”. وأكد: “كل ما يمت للحقيقة بصلة فهو وليد هجرة. وأضاف: “لا يجب أن نستهين بالمهاجر ففي قلب كل مهاجر نبي”.
وفي الحديث حول الصحراء في بعدها كطبيعة، قال: “هي سخية جدا برغم أنها تبدو عدما لكنها لا تقتل مريديها ومن استجار بها”. وأضاف: “كل الثروات المادية التي تغذي عالمنا اليوم هي عطية صحراوية وبرغم ذلك ننكل بالصحراء ونجعلها مكبا للنفايات النووية ونسيء إليها”. ووصفها بمسقط رأس التكوين ومسقط رأس النبوة”.
وأضاف: “الصحراء كافية لتحريض الناس لإعادة اكتشافها، والموقف العدمي من الصحراء هو تحد تواجهه الصحراء وأبناؤها يعاملونها كعدو ويصفونها بأوصاف احتقارية”.