تؤكد أن لا أزمة في النصوص وإنما في البحث عنها
العمانية: ترى الأكاديمية العُمانية والباحثة في شؤون المسرح الدكتورة كاملة بنت الوليد بن زاهر الهنائية في حديثها عن ماهية العُماني وخصوصيته أن المسرح العُماني وضع بصمات كبيرة في خريطة المسرح العربي في السنوات العشرين الماضية؛ وذلك بفعل المشاركات والحضور المسرحي العُماني، وكان الفنان العُماني خير سفير لوطنه بثقافته وفكره وعطائه، وهذا الحضور تتحدّث عنه لغة الأرقام وحجم رقعة المشاركات في المهرجانات المسرحية العربية، سواءً تلك المهرجانات الخاصة بمسرح الكبار ومسرح الشباب ومسرح الطفل.
وتضيف الهنائية إن العديد من الكتّاب والمخرجين ومصممي الديكور والسينوغرافيا تحصّلوا على جوائز مسرحية متقدمة في تلك المهرجانات، كما ساهم الباحثون المسرحيون العُمانيون والنقّاد في الكتابة والتوثيق المسرحي والدراسات المتعلقة بالمسرح العربي والخليجي، إضافة إلى مساهمتهم النوعية في لجان التحكيم المسرحية والجلسات النقدية التعقيبية وحلقات العمل التدريبية في عددٍ من المؤتمرات والندوات والفعاليات المسرحية المُقامة في الدول العربية.
وتتطرّق الهنائية عن العلاقة بين المسرح العُماني والمسرح العربي، وتشير إلى أن تلك العلاقة هي علاقة تأثر وتأثير حيث ساهم الكتّاب والمخرجون والمسرحيون العرب منذ البداية في مسيرة المسرح العُماني وما زالت هذه التشاركية مستمرة وتتفاعل بشكل دائم ومتواصل، حيث قُدِّمت على خشبات المسرح العُماني عدد من النصوص المسرحية العربية واستُضيف عدد من العروض المسرحية العربية في مهرجانات المسرح العُماني الخاصة بالمسرح الجامعي ومهرجانات الفرق الأهلية المسرحية العُمانية كمهرجان فرقة مزون والرستاق والدن، كما استضاف مهرجانا مسقط وصلالة السياحيَين عددًا من العروض المسرحية العربية لكبار الممثلين العرب كعادل إمام وسمير غانم ومحمد نجم وداود حسين وغيرهم.
وحول ما إذا كانت هناك أزمة نصوص مسرحية تمرّ بها الساحة الثقافية العربية عمومًا وسلطنة عُمان خصوصًا، تعلِّق الهنائية قائلة: فيما يخص النص المسرحي العربي لا أتفق بأن هناك أزمة نصوص مسرحية ولكن ربما هناك أزمة في البحث عن النصوص الجيّدة والكتّاب المسرحيين المتميّزين من قِبل المخرجين المسرحيين؛ بسبب عدم طباعة ونشر كل النصوص المسرحية وعدم وجود قاعدة بيانات خاصة بالنصوص المسرحية العربية تسهّل على الباحثين والمخرجين الرجوع لها، فعلى سبيل المثال هناك عدد من الكتّاب المسرحيين العرب والعُمانيين ممَّن لديهم غزارة في الكتابة المسرحية ولكن للأسف لم يُنشر من كتاباتهم المسرحية إلا عدد محدود وقليل من هذه النصوص، فالكاتب صالح الفهدي من سلطنة عُمان كتب ما يقرب من أربعين نصًّا مسرحيًّا شعريًّا ونثريًّا ولكن لم يُطبع ويُنشر منها إلا عدد محدود فقط.
وتضيف الهنائية: قد تكون هناك ندرة ربما في عدد الكتّاب المسرحيين المبدعين الذين يكتبون نصوصًا مسرحية محكمة، ولكن بسبب عدم تفريغهم للكتابة المسرحية التي تحتاج الوقت والجهد للإنجاز، لهذا قد يخبوا نجم هؤلاء الكتاب، وهذا عكس ما هو متوفر في الدول الغربية المتقدمة التي تؤمن بالتخصصية وتسهم في صناعة وانتشار الكتّاب المسرحيين المبدعين.
وتبيّن في سياق حديثها: من خلال متابعتي للنصوص المسرحية المقدمة لمسرح الطفل العُماني فإن هناك عددًا من نصوص مسرح الطفل المقدّمة خلال السنوات الأخيرة باتت أكثر نضجًا وأقرب لنصوص مسرح الطفل الاحترافية مقارنة بالمراحل الأولى لانطلاق مسرح الطفل في عُمان في مرحلة السبعينيات والثمانينيات، فهناك تطوُّر كمّي من حيث الزيادة الملحوظة في عدد النصوص المسرحية المؤلفة والمقدمة للطفل، وتحديدًا بعد عام 2000م، وكذلك لاحظت أن هناك تطوُّرًا نوعيًّا أيضًا من حيث جودة ما يُقدَّم مؤخرًا لمسرح الطفل.
وتوضح الهنائية العوامل التي ساهمت في زيادة عدد النصوص والعروض المسرحية المقدَّمة للطفل وتؤكد: يعود ذلك لاهتمام بعض الفرق الأهلية المسرحية بمسرح الطفل بشكل خاص، وتنظيم هذه الفرق لمهرجانات مسرحية خاصة بمسرح الطفل العُماني مثل المهرجان الذي تنظمه فرقة مسرح مزون، وكذلك مهرجان الدن العربي لمسرح الطفل والكبار والشارع، الذي تنظمه فرقة مسرح الدن للثقافة والفن، أما فيما يخص التطوُّر النوعي من حيث تطوُّر الموضوعات والقضايا التي تُطرح في مسرح الطفل العُماني، فقد قدَّم الكتّاب المسرحيون العُمانيون خلال مراحل تطوُّر مسرح الطفل موضوعات أخذت المنحى أو الاتجاه التربوي وتناولت قضايا تربوية وأخلاقية، وكان هدفها الأساسي يركز على تعليم الأطفال وتصحيح سلوكياتهم الخاطئة، ولكن نلاحظ أيضًا أن الكتّاب المسرحيين تطرّقوا لقضايا مختلفة وجديدة لم يتم تناولها في المراحل التاريخية الأولى لنشأة مسرح الطفل، فعلى سبيل المثال هناك أكثر من مسرحية تناولت قضايا ذات طابع اقتصادي وبعثت برسائل لتوعية الأطفال حول الجانب الاقتصادي، مثل مسرحية (اختيارنا الأول) للكاتب صالح الفهدي، وكذلك مسرحية (القط الشرير) للكاتب هلال العريمي التي تتحدّث عن التجارة وأهمية الصدق والأمانة من خلال شخصيتَي القاضي وشهبندر التجّار أو كبير التجّار، وأيضًا مسرحية (الحقيبة) للكاتب هلال العريمي التي تطرّقت لمسألة الإسراف والتبذير، واتّكال الأبناء على الآباء وما يملكونه من مال دون التفكير في التخطيط للمستقبل، إضافة إلى تطرّقها لإحدى القضايا الإلكترونية المعاصرة، حيث يقضي الابن ساعات طويلة أمام شاشات الأجهزة الإلكترونية، فيقوم بتصفح بعض المواقع الإلكترونية الممنوعة؛ مما يعرِّضه ووالداه للمساءلة القانونية والاستدعاء.
وتوضح الهنائية أن الكتَّاب المسرحيين اهتموا بعنصر الخيال في مسرح الطفل، وقضايا الأطفال من ذوي الإعاقة، وخصّصوا لها مساحة أكبر مقارنةً بنصوص المراحل السابقة، ولكن ما زال الاهتمام محدودًا من قِبل الكتّاب بالقضايا المعاصرة والمستجدة والصعوبات والتحديات التي تواجه الأطفال في عصر الثورة التكنولوجية والسلوكيات المكتسبة العابرة للحدود بسبب العولمة والانفتاح والبرامج الموجهة والاستهلاكية التي لا تراعي خصوصية قيم المجتمع العُماني المسلم رغم اجتهاد بعض الكتَّاب في مسرح الطفل العُماني في مواكبة التغيُّرات والتحوُّلات في المجتمع وتأثيرها على واقع الأطفال.
وفي سياق الحديث عن المسرح تتحدّث الهنائية عن كتابها “مسرح الطفل في عُمان”، وماهيته وأهم خصائصه فتقول: كتاب (مسرح الطفل في عُمان) الذي نُشر في عام 2020م وثّق لمسيرة مسرح الطفل العُماني منذ انطلاقته الأولى في عام 1972م، والمراحل التاريخية التي مرّ بها والظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي أثّرت فيه، كما يسلط الضوء على جهود المشتغلين والمهتمين بمسرح الطفل وأبرز الإنجازات التي تحققت، والتحديات والصعوبات التي واجهت هذا النشاط الفني، والطموحات التي تسعى لترسيخ وجود مسرح الطفل كمسرح محترف له خصوصيته ضمن خريطة المسرح العُماني وتحقيق رؤية عُمان 2040.
وتضيف الهنائية: كان لديَّ كباحثة في المسرح وأكاديمية اهتمام بمسرح الطفل منذ سنوات، فكان دومًا موضوعًا لاهتماماتي البحثية، وفكرت منذ أن كنت طالبة في مرحلة الماجستير بأن يكون بحثي حول مسرح الطفل في سلطنة عُمان، لكني أذكر أني ترددت كثيرًا ثم تراجعت، وكتبتُ حول صورة المرأة في المسرح العُماني؛ لأني عندما كنتُ أقرأ وأبحث حول مسرح الطفل وجدته علمًا عميقًا ومتشعبًا، فإضافةً إلى علم المسرح، فهو مرتبط بعلم التربية، وعلم النفس، وعلم الاجتماع، وأجّلت طموحي البحثي هذا إلى مرحلة الدكتوراة؛ حيث اطّلعت أكثر على نصوص وعروض مسرح الطفل، فكانت أطروحة الدكتوراة حول مسرح الطفل في سلطنة عُمان، وتتبّعت في بحثي تاريخ مسرح الطفل حتى عام 2007م فقط، وكان سؤال البحث الرئيس حول كيف نطوِّر مسرح الطفل وننهض به في عُمان كشكل ثقافي وفني مهم، لكن أسئلة البحث حول مسرح الطفل لم تنتهِ عند مرحلة الدكتوراة، فقدمتُ عددًا من الأبحاث حول مسرح الطفل، وقمت أيضًا بتعليم مقرر (مسرح الطفل) كمقرر اختياري متاح لكل طلبة جامعة السُّلطان قابوس من مختلف الكليات، يطرحه قسم الفنون المسرحية بالجامعة للإسهام في نشر ثقافة مسرح الطفل وأهمية هذا المسرح للأطفال بين طلبة الجامعة، وكم كنتُ أسعد كأستاذة للمقرر عندما أسمع من بعض الطلبة يقولون لي لقد تغيَّرت فكرتنا تمامًا عن المسرح بشكل عام، وعن مسرح الطفل بشكل خاص، وبتنا نؤمن بأهميته.
“نحو صناعة مسرح طفل محترف ومتطوِّر في العالم العربي” رؤية خاصة خرجت بها الباحثة الهنائية منذ فترة ليست بالقصيرة، وهنا توضّح تلك الرؤية: من خلال هذه الرؤية حاولت الإجابة على سؤالين مهمين، هما: ماذا نحتاج ليصبح لدينا مسرح طفل محترف ومتطوِّر في العالم العربي؟ وماذا نحتاج لإيجاد صناعة متخصصة مرتبطة بمسرح الطفل؟ فالأمر بداية مرتبط بواقع مسرح الطفل في عالمنا العربي، والمؤسسات الرسمية المعنية بقطاع ثقافة ومسرح الطفل، وأهم التحديات والصعوبات التي تواجه مسرح الطفل العربي مرورًا بالتجارب الرائدة في مسيرة مسرح الطفل العربي، مثل مهرجانات مسرح الطفل العربي، والمسابقات والندوات والحلقات التدريبية الخاصة بمسرح الطفل، والبرامج والأقسام والمناهج الأكاديمية المعنية بمسرح الطفل في المؤسسات التعليمية العربية. وفي معرض الإجابة على سؤال: ماذا نحتاج لإيجاد صناعة متخصصة واعدة لمسرح الطفل في العالم العربي؟ كان لابد من تعريف مصطلح (صناعة)، والصناعة وهي تقديم خدمة جديدة أو منتج معيَّن ضمن صنف ما، وهي عبارة عامة تُطلق على أي نوع من المنتجات الاقتصادية، وتعد الصناعة مرادفة للقطاع الاقتصادي الثانوي الذي يُعنى بالنشاطات الاقتصادية المعقدة كتحويل المواد الخام إلى منتجات وخدمات ذات فائدة.
وتشير الهنائية إلى الصناعة وهي إجمالي المشاريع المنتجة تقنيًا في أي حقل من الحقول، وغالبًا ما يُلحق اسم هذا الحقل بمصطلح الصناعة (صناعات تحويلية، وصناعة محركات، وصناعات نسيجية، وصناعات غذائية) وهناك عدد من المصطلحات المرتبطة بالاستثمار في الثقافة وتحويل الثقافة لصناعة مثل: الاستثمار الثقافي وصناعة الثقافة، والاقتصاد الإبداعي، واقتصاد المعرفة.
وفيما يختص بصناعة مسرح طفل محترف تقول الهنائية: هناك ما يُسمّى بأنواع الاستثمار الثقافي في مجال مسرح الطفل العالمي، والبُعد الاقتصادي لمسرح الطفل في العالم العربي، والفرص الاستثمارية المتاحة، فما نحتاجه لصناعة مسرح طفل محترف في عالمنا العربي هو مواكبة البيئة التشريعية والقانونية لتطوير مسرح الطفل، وتوفير الكوادر البشرية المؤهَّلة بالتعليم والتدريب المناسب لتطوّر التقنيات المسرحية، والاهتمام بأصحاب رأس المال الذين يستثمرون في صناعة الثقافة والفنون ودعمهم بالتسهيلات والقروض المناسبة والإعفاءات من الضرائب غير الضرورية وتسهيل التوريدات الخارجية وتسهيل التعاون الدولي مع المؤسسات الفنية ذات الصلة، وعندما نتحدّث عن صناعة مسرح الطفل فهذا لا يعني إلغاء عنصر الجودة بل العكس فلا بد من مراعاة عناصر جودة ما يُقدَّم من صناعات مرتبطة بمسرح الطفل لأهمية وخصوصية الجمهور المستهدف هنا، وهو الطفل الذي أثبت الدراسات العلمية الحديثة قدرته على الفهم وما يتميّز به من ذكاء عاطفي واجتماعي وحس نقدي فطري لكل ما هو مناسب لعمره ومراحله السنية.
https://www.omandaily.om/ثقافة/na/كاملة-الهنائية-صناعة-مسرح-الطفل-المحترف-تتم-عبر-التشريعات-وتوفير-الكوادر-والإيمان-بالاستثمار-الثقافي