باحث عماني يدرس القيم الخلقية فـي شعر أبي مسلم البهلاني

عمّان ـ العمانية: يسعى الباحث العُماني صالح بن محمد بن سالم الشعيلي، في كتابه الصادرمؤخرا عن الجمعية العمانية للكتاب والأدباء بالتعاون مع “الآن ناشرون وموزعون” بالأردن، لبيان تأثر الشعر العماني الحديث بالقيم الخلقية المنبثقة من تعاليم الإسلام، متخذاً من ديوان الشيخ أبي مسلم البهلاني مثالًا.
ويحتوي الكتاب الذي جاء في 288 صفحة، على تمهيد وأربعة فصول. ويقدم الباحث في التميهد تعريفًا للقيم الخلقية لغة واصطلاحًا، ثم يذكر نبذة مختصرة عن القيم الخُلُقيّة في الشعر العربي والشعر العماني قبلَ العصر المدروس متمثلا بمجموعة من الشعراء مع شواهد شعرية عن تلك القيم، لينتهي التمهيد بنبذة مختصرة عن الشاعر أبي مسلم البهلاني. ويلي التمهيد الفصل الأول المعنون بـ”القيم الدينية”، ويندرج تحته ثلاثة عشر مبحثًا تمثل القيم الدينية المستخلصة من ديوان البهلاني.
ويتضمن الفصل الثاني المعنون بـ”القيم الاجتماعية”، اثني عشر مبحثًا حول القيم الاجتماعية المستخلصة من ديوان البهلاني، مع قيم خلقية. وفي الفصل الثالث يرصد الباحث “القيم العسكرية”، وذلك من خلال ستة مباحث. ويشتمل الفصل الرابع على دراسة فنية لشعر البهلاني، تتوزع على ثلاثة مباحث تناقش المعنى، واللفظ، والأسلوب.
ويشير الشعيلي في كتابه إلى ما يتميز به الشعر العماني من سعة عطائه، وقوة انتمائه، وخصوصية تفاعله، وارتباطه بالبيئة العمانية وانسجامه مع القيم الخلقيّة التي تعدّ أحد أهم جوانب العمل الشعري لدى الشاعر، لذا يطوف الباحث بالشعر العربي على مرّ عصوره الأدبية بدءا بالعصر الجاهلي، ومرورا بالعصر الإسلامي، ثم الأموي، ويليه العباسي، ووصولا للعصر الحديث، ثم يعاين الشعرَ العماني على مرّ عصوره بدءا بالعصر النبهاني ثم اليعربي ومرورًا بعصر الدولة البوسعيدية ووصولا لعصر الشاعر البهلاني، للوقوف على مدى تأثر شعراء تلك العصور والأزمنة بالقيم الخلقية في أشعارهم، معتمدًا في ذلك على نماذج موجزة لعدد من شعراء كل عصر من تلك العصور.
ويسلط الكتاب الضوء على أمور عديدة يمكن أن يُستهدى بها في تركيب صورة واضحة عن القيم والمثل العليا السائدة في الشعر العماني الحديث، ومدى تأثر هذا الشعر بالقيم الخلقية بالاستناد إلى دراسة ديوان البهلاني، الشاعر الذي تحلى بقيم أخلاقية رفيعة، كانت نتاج بيئة حاضنة راقية جعلت منه شخصية إنسانية حكيمة.
ويوضّح الباحث مفهوم القيم ومدى ارتباطه بالأخلاق، وذلك من خلال ما عرض من شرح لهما وعلاقة كل ذلك بالشعر العربي عموما والعُماني خصوصا، كما يحاول إثبات مدى ارتباط الشعر العربي بالقيم الخلقية في جميع عصوره الأدبية، وذلك من خلال النماذج التي يستدل بها في هذا المجال.
ويؤكد الشعيلي أن ديوان البهلاني يعدّ إناء يزخر بالعديد من القيم الخلقية في قصائده، وهذا يدل على أهمية الأخلاق عند الشاعر، وعلى ثقافته الدينية التي طبعته على ذلك في ديوانه. ويشير إلى أن للقرآن الكريم وتعاليمه ولهدي الرسول صلى الله عليه وسلم وسنّته الأثر الواضح في صقل موهبة الشاعر وصبغه بالصبغة الدينية البحتة، وأن البهلاني عُرف عنه حبه للعلم والتقوى والورع والزهد وحسن الخلق وانتماؤه الشديد لوطنه، والإرادة القوية والعزيمة الظاهرة في سبيل الوحدة والاتحاد بين الجميع في عُمان، وتشجيعه إقامة دولة الإمامة والاصطفاف تحت لوائها، وبذلك جاءت أشعاره وقيمه مرتبطة بهذا المجال ارتباطا وثيقا.
ويبين الباحث أن ديوان البهلاني يحتوي على قيم خلقية كثيرة مرتبطة بالدين والمجتمع، كما أن بعضها مرتبط بالسياسة وخاصة في الأمور المتعلقة بالنواحي العسكرية، لذلك تعددت القيم في هذا المجال. ويوضح أنه لا يمكن احتواء جميع القيم الخلقية الموجودة في الديوان، فهناك من القيم ما لم يتضمنه هذا الكتاب، وذلك لكثرتها وتعددها.
إلى جانب ذلك، يقدم الشعيلي دراسة فنية للسمات والخصائص المميزة لشعر البهلاني، مشيرًا إلى أن اللغة الشعرية التي اعتمدها الشاعر في قصائده، تميزت بالسهولة والوضوح وبساطة التركيب والمعاني والبعد عن التعقيد والتكلف، كما ارتبطت بعلوم البلاغة من معانٍ وبيان وبديع، إذ يمكن أن يجد القارئ في أغلب قصائد البهلاني التشبيه، والاستعارة، والمجاز، والنداء، والجناس، والسجع، والاقتباس والتضمين. كما أن المقدمات الشعرية مشابهة لمقدمات الشعر القديم، والموسيقى الشعرية لا تخرج عن دائرة الشعر القديم، وخاصة من حيث الوزن والقافية.
ويبيّن الشعيلي أن أبا مسلم البهلاني انتهج منهج مدرسة الإحياء في ديوانه، لذلك كان لشعره مكانة راقية بين شعراء العصر الحديث في عُمان والوطن العربي، وهو يُعدّ امتدادًا لسلسلة طويلة من الشعراء العُمانيين الذين لم ينقطع شعرهم عن التفاعل مع الإسلام عقيدة وخلقا وسلوكا، وعن التفاعل مع حركة الحياة ووقائعها.