كما في المثل الصيني «الصورة تساوي ألف كلمة» بذلك سيكون القارئ أمام آلاف الصفحات وليس فقط (232) وهي الصفحات الورقية لكتاب «زنجبار بملامح عمانية» لعماد بن جاسم البحراني، صدر عن دار سؤال بدعم من النادي الثقافي عام 2017، والسبب أن القارئ في الكتاب غير الصور وإذا جاد الكاتب بعبارات فإنها في إطار شرح موجز لهذه الصور وزمنها ومناسبة التقاطها.
فبعد المقدمة التي جاءت في ست صفحات تتوالى على عين القارئ صور نادرة يتضح أن الجهد الحقيقي للمؤلف قد صب بصورة كاملة في البحث عن هذه الصور ثم في ترتيبها زمنيا، حيث جاءت بمثابة كنز تاريخي يوضح جزءا من طبيعة الماضي العماني السياسي والاجتماعي في زنجبار.
فحوى المقدمة:
جاءت المقدمة تحت عنوان «شذرات من تاريخ زنجبار» لتحاول أن تسرد بالكلمات ما لن تستطيع أن تعبر عنه الصور مباشرة، مثل المسميات التاريخية التي مرت بها جزيرة زنجبار، فأحيانا تسمى زنزبار وأحيانا برالزنج، كما يذهب الباحث في مقدمته إلى أن زنجبار كانت مأهولة بالعرب منذ القرن الأول الميلادي. وقد وصل الإسلام إلى زنجبار عن طريق الهجرات العربية والشيرازية إلى شرق أفريقية في نهاية القرن الأول الهجري. ومن أوائل هذه الهجرات العربية هجرة قبيلة الأزد في سنة 95 هجريا. كما يورد الكاتب في مقدمته مقولات الرحالة القدماء العرب الذين زاروا زنجبار مثل الرحالة الشهير المسعودي صاحب كتاب مروج الذهب. وابن بطوطة شيخ الرحالة العرب وصاحب كتاب «تحفة النظار في غرائب الأمصار» وسواهم من الرحالة الأجانب، مثل الرحالة البرتغالي دورارث باربوسا الذي ترك وصفا في غاية الأهمية لأنه زار زنجبار قبل دخول الاستعمار الأوروبي إلى القارة السوداء، ومن ضمن الفقرات الدالة التي ذكرها: «فوجئت بما لم أكن أتوقعه فقد وجدنا موانئ تطن بالبشر كخلايا النحل، ومدنا ساحلية عامرة بالناس، وعالما تجاريا أوسع من عالمنا، كما وجدنا من البحارة العرب رجالا عبروا المحيط الهندي ويعرفون دقائق مرافئه وسجلوا هذه الدقائق في خرائط متقنة» ص 19
نجد كذلك في المقدمة المكثفة مقولة نادرة للأمير شكيب أرسلان استلها الكاتب من كتابه «حاضر العالم الإسلامي» ضمن ما قاله فيها: «إن العرب العمانيين قد تملكوا الجزر والسواحل في شرق إفريقيا، وكانت زنجبار تخضع لسلطنة عمان سواء في عهد السلاطين اليعاربة أو في عهد سلاطين آلبوسعيد» نجد في المقدمة كذلك حديثا عن اهتمام السيد سعيد بن سلطان ببناء القصور والمباني التي لا تزال شاهدة إلى يومنا هذا على ازدهار زنجبار في عهده. رغم ما عرف عن السيد سعيد من تواضع كبير كما ذكرت ذلك ابنته سالمة في مذكراتها، ولكن البعد الحضاري لم يكن يغيب عنه في بناء مدينة عصرية وعلى أفضل طراز، يشكل علامة تمدن في القارة الإفريقية في ذلك الزمن المتقدم. إلى جانب حديث عن تأسيس العمانيين أول حزب عربي في زنجبار(وربما هو أول حزب عربي في القارة الإفريقية برمتها) وأطلق عليه الحزب الوطني الزنجباري، وتزعمه علي بن محسن البرواني.
كلمات تستنطق الصور المتوالية:
يبدأ ألبوم صور الكتاب بصورة مائية تعود لأواسط القرن التاسع عشر الميلادي، ونرى فيها مراكب شراعية وسماء مرصعة بسحب بيضاء متفرقة، إلى جانب بيوت مطلة على البحر بطابقين وثلاثة طوابق لونها أبيض مع سقوف سوداء وخلف تلك البيوت البحرية تلوح رؤوس أشجار النارجيل التي ربما عرفت بها الجزيرة. ثم بعد هذه اللوحة تتوالى الصور الفوتوغرافية النادرة، وكانت البداية مع صورتين واحدة جوية من الأعلى لزنجبار بالأبيض والأسود وتظهر فيها مجموعة من البيوت مطلة على الساحل خلفها ما يشبه حقول خضراء. تحتها مباشرة صورة أخرى لثلاثة مركب شراعية، من أحدها يظهر أربعة ركاب واقفين.
ولأن الكتاب هو في الأساس ذاكرة صور فإنه يتعذر استنطاقها جميعا، ولكن من أبرز هذه الصور يمكن الحديث عن تلك التي تصور زنجبار من الداخل حيث الفنادق والمحال التجارية، ما يبرز التعايش الإفريقي العربي الآسيوي، وهي صور ينتمي معظمها إلى القرن التاسع عشر، نجد مثلا صورة امرأة أوروبية بملابس عصرية تمشي بين صفين من الأبنية العالية، وسيارة قادمة من أمامها وقد كتب أسفل الصورة «أحد أزقة زنجبار القديمة».
بعد ذلك يعرض لنا الكاتب في الفصل الثاني الذي أطلق عليه «سلاطين زنجبار» العدد الأوفر من الصور والمقتنيات، بدأها بالرسمة الشهيرة لصورة السيد سعيد بن سلطان التي يظهر فيها جالسا بلحيته البيضاء القصيرة وعمامته المخططة وهو يعتمر بردة سوداء وينظر جانبيا ويديه على مسندي التخت السلطاني. سنجد في الصفحة الموالية صورتين فوتوغرافيتين لختم السيد سعيد بن سلطان وسريره الحديدي. بعد ذلك نرى صورة طويلة لقبره وقد أطلت عليه ثلاث شرفات خضراء، يحيط بأرضية القبر بعض الأعشاب.
تتوالى بعد ذلك عشرات الصور وكأن كلا منها يتحدث عن زمن ومرحلة طويلة، والملاحظ أن معظم الصور فوتوغرافية، وخاصة المتعلقة بسلالة السيد سعيد بن سلطان من أبناء وبنات، سواء كانوا حكاما أم مرافقين للحكام. نجد كذلك صورة لسالمة بنت السيد سعيد صاحبة الكتاب الشهير «مذكرات أميرة عربية» الذي طبقت شهرته الآفاق. سنجد كذلك أربع صور فوتوغرافية مؤلمة لبيت العجائب وهو متهدم بسبب القصف البريطاني عليه. ومحيط القصر الذي طالته كذلك القذائف.
السلاطين علي بن حمود وعبدالله بن خليفة وخليفة بن حارب وجمشيد بن عبدالله نالوا القسط الوافر من الصور. كما نجد صورة لجنازة مهيبة للسلطان عبدالله بن خليفة مؤرخة بيوم 4 يوليو 1963
نجد كذلك صورة لمحمد شامتي وهو يؤدي اليمين الدستورية أمام السلطان جمشيد بن عبدالله ويظهر في الصورة ثلاثة من الدبلوماسيين الأجانب، في مقابلها نجد صورة تجمع الرئيس جمال عبد الناصر ونائبه أنور السادات يقابلان واقفين علي بن محسن البرواني وزير خارجية زنجبار، وقد التقطت الصورة في القاهرة في شهر ديسمبر 1963م. هناك صورة كذلك لزيارة أنور السادات إلى زنجبار للتهنئة بمناسبة الاستقلال. وصورة للسطان جمشيد وهو يرعى مناسبة استقلال زنجبار، وصورة أخرى وهو يوقع على وثائق التنازل عن ممباسا عام 1963
فإلى جانب صور كثيرة لمشاهد مؤلمة يمكنها أن تكتنز آلاف الكلمات عن ما أعقب انقلاب 1964 يحتوي الكتاب كذلك على صور لوثائق عديدة، من أبرزها العملات والطوابع البريدية، إلى جانب نسخ من الصحف العربية والإنجليزية التي كان العمانيون يصدرونها في زنجبار، فبعد صور عديدة من النسخ العربية من جريدة الفلق نجد صورة لنسخة إنجليزية من نفس الجريدة. ومن أبرز الوثائق والصور التي يمكن أن تستنطق معاني اهتمام العمانيين بالتعليم، شهادة تعليمية للمرحلة الابتدائية صادرة من نظارة المعارف بزنجبار لعام 1914 حصل عليها الطالب شريف فاضل المولود في زنجبار سنة 1889 وكان ترتيبه الثاني من نسبة الناجحين.
https://www.omandaily.om/ثقافة/na/التعبير-بالصور-من-خلال-كتاب-زنجبار-بملامح-عمانية-لعماد-بن-جاسم-البحراني