مرتكز حضاري متنوع يعكس إرث وثقافة السلطنة

■ ■ مسقط ـ العُمانية:
لطالما كانت قصة الإنسان العماني ومحاولته للتأقلم مع التنوع البيئي والتضاريسي في أرضه مصدر إلهام للباحثين في مجال العمارة، إذ تعد من الانعكاسات الواضحة على تفاعل الإنسان مع الطبيعة، وتصنف العمارة كأهم مرتكزات الحضارة العمانية التي تتميز بتنوعها من قلاع وحصون كجزء من الحياة السياسية التي مارسها العماني القديم وصولًا إلى حياته الدينية التي تتجلى من خلالها المساجد والمآذن والمنابر، وتظهر فنون العمارة جلية في البيوت والأسواق العمانية. ■ ■

وحول تأثير الإرث والثقافة العمانية على العمارة يقول الدكتور هيثم بن نجيب العبري باحث معماري أول بالمكتب العربي للشؤون الهندسية: إن علاقة الإنسان العماني بالمكان الذي يختاره للتعمير والاستقرار كانت ولا تزال تتميز برابطة خاصة تتلخص هذه العلاقة في احترامه لطبيعة الموارد المتوفرة لتأسيس حياة تكفل له الاستقرار والعيش الكريم. ويقترب العبري إلى المدى الذي حققته الأنماط المعمارية الحالية ويقول: العمارة الحالية تعد وليدة النهضة المباركة بقيادة السلطان قابوس بن سعيد ـ طيب الله ثراه ـ والذي سعى منذ بداية النهضة المباركة إلى التدرج في البناء والتعمير مع الحفاظ على استمرار العمارة العمانية بطابع معاصر يتناسب في توظيفه مع نوع ومكان المشروع.

والزائر للسلطنة حتى يومنا هذا يثني دائما على حفاظ السلطنة على هويتها المعمارية التي أصبحت تعكس الإرث والثقافة العمانية. تقول الدكتورة نعيمة بنت أحمد بن قاري أستاذ مساعد في قسم الهندسة المدنية والمعمارية في كلية الهندسة بجامعة السلطان قابوس: عندما نتأمل ما تبقى بين المستوطنات العُمانية من العصور القديمة نلاحظ وجود خطوط وصفات متواصلة عبر الزمن تجري بين هذه المنشآت وإن كانت متباعدة تاريخيا وحضاريا وتُعد العمارة العُمانية التقليدية نتاجًا لتطور تلك المباني القديمة التي شكلتها مؤثرات اجتماعية ثقافية اقتصادية وطبيعية.

وأضافت الدكتورة نعيمة: تمتد عمارة عُمان المحلية إلى الألف الثالث قبل الميلاد حيث كشفت الحفريات في رأس الحد إلى مستوطنات تذهب عمارتها وتقسيمتها إلى حد بعيد لمباني الحارات العمانية التي نجدها اليوم.
وأوضحت أن المقابر مخروطية الشكل التي تعد من أقدم الآثار العمانية المسجلة على قائمة اليونيسكو للتراث العالمي، وتعد أحد أنماط العمارة العمانية القديمة أيضًا.

وفيما يتعلق بارتباط الموروث الديني بالعمارة العمانية قالت الدكتورة نعيمة: يُعتقد أن المؤثر الديني كان من أكبر المؤثرات على العمارة العُمانية التي ما زلنا نشهدها اليوم، فعمارة عُمان المحلية نجدها متشبعة بمقومات العمارة الإسلامية التي تم تحويرها حسب الاحتياجات المحلية، فنتج عن ذلك طابع إسلامي محلي عُماني بذاته يتميز ببساطة مفرداته ووضوح لغته الفنية، والاقتصاد في المواد، والمساحات المخصصة للأنشطة واستعمال المواد المحلية من الطين والحجر والصاروج والخشب وسعف النخيل وغيرها من المواد التي ساهمت في نحت شكل العمارة العمانية.

وأكدت: أن الاحتكاك بالشعوب والثقافات المجاورة القريبة منها مثل اليمن والفرس والعراق والبعيدة مثل الهند والصين وإفريقيا الشرقية عن طريق التجارة ساهم في دخول بعض الممارسات وأشكال المفردات المعمارية والنقوش التي أضافت بعدًا آخر للعمارة العُمانية المحلية ولعل أهم شكل وأكثره شيوعًا هو الشكل الدفاعي من حصون وقلاع وأبراج وقصور وبيوت محصنة ويرجع ظهور هذا النوع من العمارة إلى موقع عمان الاستراتيجي الذي جعل من المنطقة الساحلية والمنطقة الداخلية ساحة صراعات داخلية وخارجية كان الناتج المنطقي منها تطور العمارة الدفاعية بأشكالها ومكوناتها ومفرداتها المعمارية العمانية المختلفة بل وأثر هذا النمط المعماري على العمارة المدنية مثل البيوت والمنازل والمساجد وغيرها.
من جانبها قالت ليلى بنت محمد الناصرية اختصاصية عمارة عن مميزات العمارة العمانية:الموروث العماني غني ومتنوع بسبب تنوع الخلفيات الثقافية والاجتماعية لمن سكنوا عمان في الماضي والحاضر، بالإضافة للانفتاح التجاري قديما مما أسهم في تشكيل موروث لا مثيل له في المنطقة.