أقيمت اليوم ندوة علمية بعنوان “النقد الثقافي من النظرية إلى الممارسة العربية” نظمتها وزارة الثقافة والرياضة والشباب ممثلة في المنتدى الأدبي اليوم في جامعة الشرقية بولاية إبراء.
تحدث في الندوة الدكتور محمد الشحات أستاذ النقد ونظرية الأدب، بجامعة الشرقية حيث قدم ورقة علمية عنوانها ” تحديات الناقد الثقافي العربي وأسئلة المستقبل ” و تناول ما يواجه الناقد الأدبي اليوم بصفة عامة، والناقد الثقافي على وجه الخصوص، من التحديات التي تحول بينه وبين بروز صوته في خطاب النقد العالمي الذي تهيمن عليه أكاديميات غربية منذ سنوات ليست بالقليلة.
و قال إنه يمكن تقسيم هذه التحديات إلى صنفين كبيرين: الأول يواجه المثقَّف العام، مثل مشكلة العولمة وتنميط الثقافة الإنسانية وغياب الحريّات وأزمة التعليم ومشكلات البيئة. والثاني يواجه الناقد المتخصِّص مثل تحدّي المنهجية، وتحدّي المرجعية، وتحدّي الهوية.
وأوضح أنه لا مفرّ أمام أي ناقد يريد أن يلحق بمستقبل النقد الأدبي والعلوم الإنسانية من دخول هذه المواجهة عاجلًا أم آجلًا، بل بات ضروريًّا التغلّب على تحديّاتها أو تطويعها نظريًّا وتطبيقيًّا، وهي ضرورة لا مناص منها حتى ينتقل الخطاب النقدي الذي هو خطاب فكري من مستوى تحليل النصوص (أي تحليل الجزئيات تحليلًا مجهريًّا دقيقًا)، سواء في تمظهراتها البنيوية أو الأسلوبية أو الثيماتية، إلى تأويل الخطابات والأنساق (أي تركيب الكُلّيّات تركيبًا رؤيويًّا وفلسفيًّا)، ومن تحليل جماليات الأبنيّة وبلاغتها وشعريّتها إلى تحليل الأنساق وتفكيكها أو نقضها وتعرية مضمراتها التي هي مضمرات الثقافة المؤثِّرة في تشكّل النصوص التي تُصدِّر لمُتلقّيها جملةً من مصالح سياسية أو توجّهات أو تحيّزات أيديولوجية أو انتماءات عِرقية أو غير ذلك.
من جانبه قدم الدكتور مبارك الجابري ورقة بعنوان ” التحولات في المجتمع الخليجي: مدونة أولية ” أشار فيها إلى أن مسارات التحول في المجتمعات تتخذ اتجاهين: يبدأ أحدهما من التنظير إلى الفعل، في حين يتجه الآخر اتجاهًا معاكسًا، في حين أنه يغلب على الأول منهما أن يكون بفعل افتتاح أفق جديد للوعي المجتمعي عبر جهد إبداعي فكري؛ فإن الثاني منهما أقرب إلى التحولات التي تتجه من الخارج إلى الداخل، سواء أكان هذا الخارج هو محض حدث يضطر المجتمع إلى تغيير مسار وعيه، أو كان تغيرات مادية متراكمة تطرأ على المجتمع فتعمل فيه تحولات مادية ابتداء، وصولًا إلى ما تستلزمه من تحول في الوعي.
أما الدكتور علي بن حمد الفارسي أستاذ اللغة العربية المشارك-جامعة الشرقية فقد أوضح في ورقته التي كانت بعنوان ” نظرية النقد الثقافي عند عبدالله الغذامي ” أن البنيوية بعد ظهورها في العلوم الإنسانية واللغوية على وجه الخصوص مهدت لجملة من النظريات النقدية الجديدة، التي استفادت منها واستوعبتها ثم انطلقت إلى ممارسة مستقلة تتجاوز مستوى النص لتأخذ في اعتبارها تجربة القارئ.
و قال إنه من أبرز هذه النظريات: نقد استجابة القارئ، والدراسات النسوية، والنقد الثقافي، ودراسات الآخر، كما إنَّ هذه الدراسات أو النظريات كان لها حضور بارز وأصداء واسعة في الثقافة العربية، ولا سيما في السنوات الأخيرة اللاحقة، ولعل الفضل يعود في نقلها عن الثقافة الغربية وصقلها وإشعال جذوتها في ثقافتنا إلى نقاد رواد درسوا في أوروبا أو أمريكا، فعادوا إلى بلدانهم وأثروا معارفنا العربية بهذه التجارب الغربية الرائدة، مشيرًا إلى أن أبرز هؤلاء النقاد العرب المعاصرين، الناقد السعودي عبدالله الغذامي الذي تميز بتجربة خاصة لم تقف عند نقل هذه المعارف بل أسهمت في صقلها وإثرائها وتقويم مناهجها.
من جانبه استعرض الباحث و المترجم الدكتور خالد البلوشي العلاقة المعقدة بين “النقد الثقافي” و”الدراسات الثقافية”. وتناول مسألة جوهرية وهي: هل يمثل النقد الثقافي حقلًا معرفيًا قائمًا بذاته أم أنه فرع من فروع الدراسات الثقافية الأوسع نطاقًا؟ ومن خلال تقديم تحليل تاريخي شامل لكلا المصطلحين، يستكشف الدكتور البلوشي جذور النقد الثقافي في انتقادات النقاد الإنجليز للمفهوم التقليدي للثقافة، ثم تتبع تطور الدراسات الثقافية وتأثرها بالتيارات الفكرية السائدة مثل الماركسية وما بعد الحداثة. واستعراض الخلفيات الاجتماعية والفكرية لمؤسسي الدراسات الثقافية، سعيًا إلى فهم أعمق للعلاقة بين الحقلين.
واستنتج البلوشي أن النقد الثقافي، على الرغم من كونه امتدادًا للدراسات الثقافية، إلا أنه قد تطور ليصبح حقلًا معرفيًا مستقلًا يتميز بخصائصه المميزة ومناهجه الخاصة.