حميد العوفي: الفن التجريدي يجعلك ترى ذاتك وتقرأ مشاعرك بشكل مختلف كل مرة

كتبت ــ رحمة الكلبانية
يعرض 25 عملا في مقهى بسطة مجان لغاية 22 أكتوبر

يد خفية تمسك بطائرة ورقية، ورجل عجوز في آخر اللوحة بينهما مراهق متماهٍ في زرقة البحر، قصة حياة كاملة في لوحة، فهمت أولا أنها تحكي العوائق التي نرسمها لأنفسنا في خضم اتساع شاسع. ولكن الصورة أصبحت أوضح بعد أن شرحها لي الفنان التشكيلي حميد العوفي الذي يعرض أعماله الخاصة بالفن التجريدي منذ 22 أغسطس ولغاية 22 أكتوبر القادم في مقهى بسطة مجان بالعذيبة.

لم يشأ العوفي في البداية أن يكشف لي عن المعنى الذي ود إيصاله من اللوحة، فسِرُ الفن التجريدي -كما أوضح لي- يكمن في قراءتي لمشاعري الخاصة ضمن إطار مليء بالرموز، أفسرها كما أشاء. وأضاف: اللوحة ذاتها قد ترينها بشكل معين، وقد تُشعرك بإحساس يختلف عن المشاهد الذي بجوارك، وعن إحساسك ذاته إذا ما وقفتي أمامها في يوم آخر، وهو ما يدفعني للتمسك بالفن التجريدي وتفضيلي إياه عن الأنواع الأخرى.

وهكذا ظل العوفي يفك رموز كل لوحة من لوحاته السبع المعروضة في أرجاء المقهى والمرسومة خصيصًا لهذا المعرض، الذي يقدم خلاله أيضًا مجموعة من الورش الفنية التعليمية للراغبين بكشف أغوار الفن التجريدي والتعرف عليه عن قرب.

وحين سألته «لماذا الفن التجريدي بالذات؟»، أجاب: لأنه غامض، ويدفع الإنسان للتساؤل والتأمل، والتعمق في الرموز وفي نفسه، على عكس الفن الكلاسيكي والواقعي الذي ينقل الصورة كما هي تمامًا.

تُعبر لوحات العوفي عن الصراعات المشاعرية التي يعيشها الإنسان مع ذاته، وعند سؤاله عن ذلك، قال: تحكي أعمالي قصص الإنسان ومشاعره بالفعل، لأنها أكثر ما أستطيع التعبير عنه بعمق، وأكثر ما يمكن أن يلامس كل مشاهد لها. ولا أرسم عن قضية بعينها ليسطع اسمي على حسابها، لا أقول أن ذلك خاطئ، إنه لا يمثلني فحسب.

هل يعني ذلك، أنك تعبر عن أحاسيسك الخاصة فقط؟ سألته. «لا، غالبًا تبدأ قصة اللوحة بعد أن أمسك بالفرشاة، ويقودني في رحلة الرسم هذه موسيقى خاصة أو قصة فيلم شاهدته، وأظل أتأمل اللوحة لأيام حتى أقرر النهاية التي يجب أن تحملها». قُلت: وكيف تعرف أنك وصلت للنهاية؟ «ذلك شعور لا يمكن تحديده، ولكن عندما تكون اللوحة قد حملت المعنى الكامل الذي أود إيصاله ربما»، أجاب.

هل يرمز هذا اللون للفرح أم الأمل؟ هل وصلنا هنا للهدف، أم لا نزال في الرحلة؟. كان العوفي متفهمًا لفضولي حول لوحاته، وقد اعتاد على وابل الأسئلة هذه من زوار المقهى ضمن فضولهم حول الفن التجريدي الذي لم نعتد رؤيته بكثرة في ساحة الفنون العمانية. وقال: وجود اللوحات في مقهى يرتاده العامة بشكل مكثف ويومي يجعلهم يتساءلون حول هذا الفن، وهو أحد أهدافي من المعرض، كما أود تشجيع الشباب لتجربة الرسم التجريدي كأداة تفتح آفاقا أوسع للتعبير عن أفكارهم وإيصالها بشكل جديد ومثير للاهتمام.

ويطمح حميد العوفي إلى أن يقود البداية الحقيقية لفن الرسوم التجريدية محليًا بالإضافة إلى توسيع مشاركاته الخارجية، فبعد عرض لوحاته في معرض للفنون في فنلندا سيشارك الفنان التجريدي في معارض أخرى في البحرين والقاهرة، كما يخطط لافتتاح معرض خاص لعرض أعماله بشكل دائم ضمن مساحة تحتضن عشاق الفنون في سلطنة عمان بعد عام من الآن.

زيارة واحدة للمعرض المقام حاليًا في مقهى بسطة مجان ليست كافية، ولا يرجع ذلك للمعاني المتجددة التي تحملها اللوحات فقط، وإنما لإصرار الرسام بتغيير اللوحات باستمرار حتى ينتهي المعرض بعرض 25 لوحة مختلفة، تُمثل انعكاسات لا متناهية لمشاعر وأحاسيس الواقفين أمامها.