ندوة تتناول تتبع سيرة الشيخ سيف الفارسي وحياته وأعماله الأدبية اللغوية والتاريخية

كتب – فيصل بن سعيد العلوي
10 أوراق بحثية قدمها مجموعة من الباحثين في برنامج “من أعلامنا”

بعشرة أوراق بحثية قدّم النادي الثقافي ضمن برنامجه “من أعلامنا” ندوة حول سيرة الشيخ سيف بن محمد الفارسي قدمتها الدكتورة خلود الخاطرية، تناولت الجلسة الأولى ورقة أولى حول نشأة الشيخ الفارسي ومسيرته قدمها سند بن حمد المحرزي تحدث فيها عن اسمه ونسبه وتاريخ ولادته وموطن آبائه قبل نزولهم فنجاء ثم طلبه العلم والمشايخ الذين درس على يدهم إلى أن صار عالما، ثم ذكر الباحث جزءا من هجرته وتنقّله بين البلدان الخليجية ناقش خلالها مرحلته العملية إماما لمسجد الجماعة في فنجاء ثم قاضيا والولايات التي عمل بها، كما انتقل الباحث بعدها لحصر خزانته من كتب مخطوطة ووثائق ومراسلات ذاكرا مؤلفات الشيخ الراحل البالغ عددها اثنا عشر مؤلفا، وفي ختام البحث جاء ذكر أقوال العلماء فيه ثم تاريخ وفاته.

وفي الورقة الثانية (الموروث الثقافي وتجلياته في ديوان “خلاصة الفكر وسلافة الشعر”) تناولت الدكتورة بشرى الجبورية (الأستاذ المساعد بجامعة بغداد) دراسة الإرث الثقافي للشيخ ورصد تجلياته الموضوعية والفنية، وكان البدء بمدخل وتمهيد متضمنا إضاءة في مفهوم كل من الإرث والثقافة، ومن ثم قسم البحث إلى محورين أولهما عُـني برصد تجليات الموروث الثقافي بروافده الدينية والتاريخية والأدبية في نصوصه الشعرية وإبرازها مع تحليل ونقد لآلية توظيفها وانعكاساتها الفنية ومضامينها، أما المحور الثاني فقد رصدت الباحثة خلاله دراسة توظيف الشاعر للمورث الثقافي في البناء الفني لقصائده الذي تمثل في بناء القصيدة والأساليب اللغوية التي تميز بها.

وقد أظهرت الدكتورة بشرى الجبورية في بحثها شدة عناية الشيخ سيف بن محمد الفارسي بموروثه الثقافي ولا سيما الديني والتاريخي وحرصه على توظيف ذلك الإرث في الإرشاد والتوجيه، فضلا عن الإفادة منه في رفد قصائده الطويلة بأسلوب الحجاج والمناظرة والإقناع لتحقيق غايته السامية في الحفاظ على دعائم مجتمعه وتقديس مذهبه للأجيال الواعدة، ليكون شعره وثيقة تاريخية وإنسانية صيغت بإبداع شعري، كما برز توجه الشاعر نحو التزام النهج الموروث في بناء القصيدة العربية في وحدة الغرض والمقدمة وحسن التخلص والختام، فضلا عن اعتماده أساليب لغوية تميز بها شعره كأسلوب التكرار والاستفهام والحوار.

وفي ورقة أخرى بعنوان “الشيخ سيف الفارسي قاضيا” للشيخ عبدالله السيابي وقرأها بالنيابة عنه بدر الجلنداني حيث جاء في الورقة: تعد مؤسسة القضاء من أهمّ المؤسسات في الدولة، وحيث إنّ المشايخ من القُضاة العدول الثّقاة فهم محط أنظار الدراسات، ومَرجِعُ الخَلَف فيما أُثر عنهم من أحكام ومواقف في القضاء ومحطات، ومن بين هؤلاء الشيخ الفقيه القاضي الأديب سيف بن محمد بن سليمان الفارسي. كما تناولت الورقة نماذج من أحكام الشيخ مقدما دراسته واستخلاصه عنها وبيان مفرداتها والتعليق على الحكم.

كما قدم أيمن الفارسي قراءة في النتاج الفقهي للشيخ سيف الفارسي، وقدم حبيب الهادي قراءة تاريخية في مؤلفات الشيخ سيف الفارسي قال فيها: “من بين العلماء الذين برزوا في عمان في المائة سنة الأخيرة الشيخ سيف بن محمد الفارسي الفنجوي، الذي عُدّ أحد طلاب مدرسة الإمام محمد بن عبدالله الخليلي بنزوى، فقد ترك آثارا علمية في الشريعة واللغة والتاريخ وغيرها.

وعرّف “الفارسي” المؤلفات التاريخية عند الشيخ سيف الفارسي والمنهجية التي اتّبعها في تلك المؤلفات، وعرّج على المنهجية العلمية التي اتّبعها الشيخ الفارسي في الكتابة التاريخية، والإسهامات العلمية للشيخ الفارسي في مجال التأليف التاريخي. وفي ختام الجلسة الأولى قدم الشيخ الشاعر ناصر بن منصور الفارسي قصيدة بهذه المناسبة.

وفي الجلسة الثانية تناولت الورقة الأولى ملامح أسلوبية وأنظارا نقدية في ديوان “خلاصة الفكر وسلافة الشعر: رحلة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم – أنموذجا” قدمها الدكتور مهدي عرار، كما تناول الدكتور علي شافي الشرجي في ورقته “أنسنة الجمادات في قصيدة الجبل الأخضر للشاعر الشيخ سيف بن محمد الفارسي” تطرق فيها الباحث إلى أهمية جمالية المكان في النص الأدبي، ورمزية الجبل الأخضر في الأدب العماني وتوظيف الأدباء له، وما يثيره من مشاعر وإيحاءات في الذاكرة العمانية الشعبية والأدبية، كما ركّز الباحث على موضوع الأنسنة في القصيدة، ومظاهرها وبعض القضايا النقدية التي تتضمنه.

وحول “المنهج التربوي عند الشيخ سيف الفارسي” قدم بدر الجلنداني في ورقته تعريفا حول المنهج التربوي لغة واصطلاحا، والمنهج التربوي التعليمي والتعاملي والتنظيمي، أما الباحث نبيل السيابي فقد تناول “الشيخ سيف الفارسي نحويا” عرّف فيه بالشيخ ونشأته النحوية ومصادر تعلمه ونتاجه، النحوي، ومنهج الشيخ سيف الفارسي في التعامل مع النحو تدريسا وتأليفا، وفي “النشأة النحوية للشيخ سيف الفارسي ومصادر تعلمه ونتاجه” قال “السيابي”: الغالب على طابع العلوم الشرعية كونها مترابطة مع بعضها يكمل بعضها بعضا للوصول إلى نتيجة واحدة، وعلى هذا فإن مصادر الشيخ سيف بن محمد الفارسي -رحمه الله- في تلقي علم النحو تتقاطع مع مصادره الأخرى في تلقي العلوم الشرعية مثل الفقه والعقيدة والتفسير وغيرها. ويمكن أن نجمل مرحلة طلب علم النحو إلى مرحلتين: الأولى مرحلة التلقين والقراءة من الكتب على المعلمين والمناقشة الشفوية. الثانية: مرحلة القراءة الذاتية. المرحلة الأولى مرحلة التلقين والقراءة من الكتب على المعلمين والمناقشة الشفوية: لا تسعفنا المصادر المكتوبة بسرد مفصل لأسلوب الدراسة النحوية، وإنما هي مجرد إشارات عابرة من هنا وهناك عن هذه المرحلة التي تعلم فيها الشيخ سيف الفارسي والذي يظهر أن أسلوب التعليم النحوي كان متقاربا جدا بين جميع الطلبة على اختلاف مناطقهم في عمان حيث تبدأ دراسة العلوم العربية بتعلم الحروف والكتابة والإملاء، ثم يبدأ من بعدها التلقين الشفوي لبعض مبادئ العلوم اللغوية ومنها النحو. وكانت البداية بالقرآن الكريم حيث حفظه الشيخ سيف الفارسي في حدود السابعة من عمره على يد معلمي القرآن في قريته الجانب الغربي، وقد عبّر الشيخ عن هذه المرحلة بعبارة “قرأت القرآن” ولم يذكر باقي التفاصيل الأخرى لهذه المرحلة. وحيث إن الشيخ منصور بن ناصر الفارسي كان معلما للعلوم الشرعية في فنجاء من سنة 1339هـ – في مسجد الجماعة القريب من منزل الشيخ سيف، ويذكره الشيخ سيف بأنه انتقل إلى نزوى لطلب العلم سنة 1362هـ أي بعد سنة واحد من تعيين الشيخ منصور قاضيا في نزوى وانتقاله إليها، فهو -على المرجح- أنه كان من جملة الطلبة في هذه المدرسة ومن الذين أخذوا جملة من مبادئ النحو على الشيخ منصور الفارسي، لأن الشيخ سيف قرأ ملحة الإعراب على الشيخ حامد بن ناصر الشكيلي حيث إن هذا الكتاب يعد من الكتب التي تفوق المستوى المبتدئ وتقترب من المستوى المتوسط. وفي السنة الثانية من الدراسة في نزوى قرأ جانبا من ألفية ابن مالك على مشايخ لم يسمهم، وواصل دراستها على يد الشيخ سعيد بن سالم المعروف بولد الطيبة في سمائل في السنة الثالثة، والظاهر أنه قرأ شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك لأن هذا الشرح هو المشهور عند العمانيين، كما أن الشيخ يحفظ ألفية ابن مالك وغيرها من المنظومات النحوية والصرفية عن ظهر قلب بطريقة متقنة تداخلت كلمات هذه المنظومة مع نفسه فهو يرد على من أخطأ في قراءتها من طلابه ولو أخذته غفوة والطالب يقرأ، ومن بعد هذا الحد فإن المصادر لا تسعفنا بالكتب التي قرأها الشيخ على علماء عصره في علم النحو. وأما المصادر الشفوية فإن جامع نزوى كان جامعة علمية حافلة بالكثير المناقشات والمطارحات مع ما لعلم النحو من طبيعة تنمو بكثرة المدارسة والتدريب والإعراب؛ لأن القراءة النظرية وحدها لا تكفي في هذا الباب، ويظهر من هذا أن المطارحات الشفوية من إعراب وغيره كانت رائجة بشكل كبير بين المعلمين والطلبة ومنها حصل الطلبة على قدر كبير من الممارسة العملية لعلم النحو.

كما عرج الباحث إلى مرحلة القراءة الذاتية وقال: لا بد لطالب العلم من أن يكمل مسيرة العلم بنفسه بعد أن يأخذ الخطوات الأولى من العلم على يد شيخ يفيد منه، وكان للشيخ سيف الفارسي حظ وافر من القراءات العلمية النحوية ومن المصادر التي تتيح لنا معرفة الكتب التي استفاد منها الشيخ سيف نحويا: الكتب التي ألفها وكذلك مشاهدات طلابه ومن الكتب التي اطلع عليها الشيخ سيف في النحو من غير الكتب التي درسها على مشايخه كتاب همع الهوامع في شرح جمع الجوامع لجلال الدين السيوطي، وأفاد نحويا من مطالعة تيسير التفسير الدين للعلامة قطب الأئمة المحمد بن يوسف أطفيش، كما نقل في كتبه النحوية فوائد من كتاب شرح ديوان المتنبي لمؤلفه عبدالرحمن البرقوقي مع ما يكلف به طلابه من الإعراب ثم يحيلهم عليه إن لم يتمكنوا من الإعراب وغيرها من المؤلفات.

وقد اختتمت الجلسات بورقة لسعود الفارسي تناولت قراءة في القصائد التاريخية للشيخ الراحل كما ألقى الشاعر موسى بن قسور العامري في ختام الجلسة ورقة بهذه المناسبة.