استعراض التجربة السياسية لأهل العقد والحل في تاريخ عمان

كتبت – خلود الفزارية .. تصوير: خلفان الرزيقي
في ندوة نوعية أقامها النادي الثقافي

أقام النادي الثقافي ندوة “أهل الحل والعقد في تاريخ عمان السياسي.. قراءة تاريخية تحليلية” قدمها نخبة من المختصين في التاريخ العماني، وأدار الجلسة الدكتور سليمان المحذوري بحضور عدد من المهتمين.

واستهلت الندوة بورقة عمل للدكتور علي الريامي أستاذ التاريخ الإسلامي المساعد بجامعة السلطان قابوس الذي قدم إطارا نظريا مفاهيميا عاما عن “أهل العقد والحل” تناول فيها المفهوم اللغوي والاصطلاحي لأهل الحل والعقد، والتطور التاريخي لظهور واستخدام المصطلح، ومناقشة من يمثل أهل الحل والعقد، وآلية عملهم وأدوارهم وعلاقتهم بالسلطة.

وأوضح الريامي أن استخدام مفهوم أهل الحل والعقد اقترن بمعناه الاصطلاحي والدلالي بالتجربة السياسية في الدولة الإسلامية، مشيرا إلى أنه يأتي في سياق نشأة وتطور التجربة السياسي في الدول الإسلامية، فضلا عن ارتباطه بشكل مباشر بتجربة الشورى النخبوية لاختيار الحكام في الدولة الإسلامية.

وأضاف الريامي أن حضور أهل الحل والعقد في منظومة الفكر السياسي عند المسلمين مرتبط ببناء إطار وعقد تشاركي لنظام الحكم من منطلق محاولة فصل السلطات بالمفهوم الحديث والمعاصر “التنفيذية، والتشريعية، والقضائية”.

مستشهدا بحضور أهل الحل والعقد في المشهد السياسي بدءا من اجتماع السقيفة، وفي بيعة الخلفاء، ولكن دون أن يأخذ شكلا مؤسسيا، أو حتى ملزما، خاصة بعد تحول نظام الحكم في الدولة الإسلامية من الشورى إلى نظام حكم وراثي منذ الخليفة الأموي معاوية بن أبي سفيان، حين أراده نظاما وراثيا، وأخذ البيعة لابنه يزيد بالإكراه.

ويبين الريامي أن مفهوم أهل الحل والعقد بقي ملتبسا ومعقدا باختلاف الظرف التاريخي، كما أنه لم يثبت على صيغة موحدة كمفهوم على مستوى التنظير أو التطبيق والممارسة، معللا بأنه لا يوجد نص يثبته في القرآن ولا في السنة، وإنما ظهر في فترة متأخرة في كتب فقه السياسة الشرعية.

كما تطرق إلى المصنفات التي عرفت بفقه السياسة الشرعية وكتب الأحكام السلطانية، والتعريف بمن يمثل أهل الحل والعقد، وآلية تمثيلهم وأدوارهم، وعلاقتهم بالسلطة التنفيذية.

وقدمت الدكتورة خلود الخاطرية باحثة في التاريخ الإسلامي ورقة تطرقت فيها إلى إسهامات هيئة أهل الحل والعقد في الحياة العامة في عُمان حتى أواخر القرن الثالث الهجري وقدمت للقاضي محمد بن محبوب الرحيلي أنموذجا في ورقتها، وأشارت إلى أنها تتبعت إسهامات هيئة أهل الحل والعقد في الحياة العامة في عُمان حتى أواخر القرن الثالث الهجري الموافق التاسع الميلادي.

وعرفت الخاطرية بمصطلح هيئة أهل الحل والعقد، ودلالات المصطلح تاريخيا منذ ما يقارب قرنا وأربعة عقود من الزمن. كما ذكرت إسهامات أهل الحل والعقد في الحياة العامة خلال الإمامتين الأولى والثانية.

بعدها انتقلت الخاطرية للحديث عن القاضي محمد بن محبوب الرحيلي وتحدثت عن نسبه، وحياته، كما توقفت عند إسهاماته في الحياة العامة “السياسية، والاجتماعية، والإدارية، والثقافية”، وركزت على فترة إمامة كل من: المهنا بن جيفر، والصلت الخروصي.

وتناول الدكتور ناصر السابعي أستاذ في كلية العلوم الشرعية في ورقته أهل الحل والعقد في فقه المدرسة الإباضية وأوضح أن علماء المدرسة الإباضية يستخدمون كلمة المسلمين ويركزون على السلسلة الجماعية عبر الأجيال، ويأتي موضوع أهل الحل والعقد كأحد مكونات منظومة يمكن من خلالها حل مسائل كثيرة.

وتطرق إلى مسائل أهل الحل والعقد التي يبحث في الفقه وهناك من ألحقه بجانب العقائد برغم صعوبة ذلك لمسألة الإمامة وهي مسألة سياسية ليس لتفاصيلها نص في مسائلها، ولكنها تنبثق من روح التشريع في نصوص القرآن والسنة، موضحا أنه لا يوجد لفظ خاص بأهل الحل والعقد وآليات واضحة له طوال العهود التاريخية.

وتطرق السابعي إلى مجموعة من الأحكام كحكم إقامة حاكم المسلمين، والتأهل لرئاسة الدولة، وأحقية المتأهل لذلك، ووظيفة الحاكم أو الإمام، وحكم الشورى، وإلزامية الشورى، وأهلية وعدد المستشارين، ووجوب الصفقة أو البيعة، ودور المستشارين، كلها مسائل متعلقة بالإمامة، وما يخص أهل الحل والعقد فإنه يبدأ من عملية الشورى.

وانتقل بعدها الحوار إلى التاريخ الحديث حيث قدم الدكتور ناصر السعدي باحث تاريخي، ورقة تناول فيها أهل الحل والعقد في حالتي الكتمان والظهور منتصف القرن السابع عشر حتى منتصف القرن العشرين، أشار فيها إلى أن “مؤسسة” أهل الحل والعقد هي أحد أهم ركائز التنظيم السياسي في تاريخ عمان، وجزء لا يتجزأ من بنية الحكم والسلطة، سواء في حالة الظهور، بمعنى وجود دولة مركزية قائمة تحظى بإجماع نسبي، أو في حالة الكتمان، وحالة الفراغ السياسي، الذي ينتج عادة إما عن غياب شرعية السلطة القائمة، أو غياب السلطة كليا.

كما تطرق السعدي إلى الواقع التاريخي لمؤسسة أهل الحل والعقد، والأدوار السياسية والاجتماعية التي اضطلعت بها هذه المؤسسة خلال تاريخ عمان الحديث منذ الثلث الأول من القرن السابع عشر الميلادي وحتى منتصف القرن العشرين.

واختتمت الندوة بورقة لخالد الوهيبي باحث قانوني وتاريخي قدم عن أعلام المسلمين ودورهم في تنصيب وعزل الأئمة في تقاليد الحكم والسياسة في عمان. وناقش الوهيبي تطور بعض أسس “سيرة المسلمين” وهو المصطلح الذي عبرت به الأدبيات السياسية والفقهية العمانية في القرون الأولى عن تقاليد الحكم والسياسة، من خلال تتبع تطور “أعلام المسلمين” ودورهم في تعيين الحاكم وعزله.

مبينا أن أعلام المسلمين إبان نشأتها الأولى هي المجموعة التي تؤسس الشرعية للإمام بانتخابه وعزله، وتقوم هذه الهيئة أيضا بمؤازرة الإمام، وتعد مجلس شورى الحكم، ويترأس الإمام هذه الهيئة، وتصدر قراراتها بعد التشاور باسم الإمام، ويمثل الفقهاء الكبار ذوو النفوذ الاجتماعي والعلمي كل أعضاء هذه الهيئة، فهم الذين يتولون نصب الإمام وعزله، ويمثلون في الوقت ذاته معظم أركان النظام القضائي؛ الوثائق والنقول عن الأئمة والفقهاء إلى القرن الخامس الهجري كانت تستعمل مصطلحات “أعلام المسلمين” أو “أهل العدل” أو “أهل العلم” للدلالة على المجموعة التي تتولى تأسيس الشرعية للإمام وانتخابه وعزله، منوها أنه لم يعثر على استعمال مصطلح “أهل الحل والعقد” للدلالة على هذه المجموعة خلال هذه المرحلة. مضيفا أنه بمرور الزمن وما طرأ من تغيرات في البنية الاجتماعية والعلمية، لم يعد الفقهاء وحدهم يشكلون مركز الثقل الاجتماعي، وبرزت قوى أخرى في الساحة كالزعامات القبلية والقادة العسكريين، وهذا التراجع الذي دب في أوصال مجموعة أعلام المسلمين منذ القرون الوسيطة لم تتعاف منه في المراحل اللاحقة، رغم محاولات الترميم التي جرت من بعد، فظلت تتراجع شيئا فشيئا إلى أن صار دورها مقتصراً على التأثير في الأوساط الشعبية عبر الأحكام والفتاوى التي تصدرها.

مؤكدا أن الفقيه في الدول الملكية بعُمان لم يكن يشكل عنصرا في اختيار الحاكم وعزله، بل اقتصر الأمر على أفراد البيت الحاكم، الذي يتشاورون فيما بينهم من يخلف الحاكم المتوفى، كما هو الحاصل في معظم فترات الدول الملكية كدولة النبهانة وأكثر فترات دولة البوسعيد.