النادي الثقافي يعرف بإسهامات عز الدين التنوخي في خدمة التراث العماني

كتبت- خلود الفزارية

نظم النادي الثقافي محاضرة بعنوان “عز الدين التنوخي وإسهاماته في خدمة التراث العماني” مساء أمس بحضور عدد من المهتمين، وأدارها الدكتور محمد الحجري.

وتناولت المحاضرة نبذة عن سيرة العلامة عز الدين التنوخي وعلاقته بالتراث العماني، ومؤلفاته التي بلغت تسعة مؤلفات عمانية.

وقدم الدكتور محسن بن حمود الكندي نبذة عن كتابات المحقق التنوخي للمؤلفات العمانية، حيث أشار بأن كتابات المحقق عز الدين التنوخي ومقدماته وكلماته الافتتاحية للدواوين العمانية تعد من أوائل الكتابات العمانية في مجال الأدب العماني ونقده، فقد أخرج الدواوين من حيز المخطوط وهيأها للنشر، وعرف بها في الأوساط الدمشقية والقاهرية والخليجية في فترة الستينيات من القرن العشرين.

مشيرا إلى أن عز الدين التنوخي كما تعرفه الأدبيات والتراجم الموسوعات التاريخية أديب لغوي ومحقق سوري توطدت علاقته بالتراث العماني بجهود قادها الشيخ “الشيبة” محمد السالمي وابنه الشيخ سليمان السالمي الذي كان يعمل وقتها رئيسا لمكتب إمامة عمان بدمشق، فكان البحث عن شخصية مرموقة لديها الاستعداد لإخراج التراث العماني وتقديمه للوسط الثقافي العربي، وقد أسهم عز الدين التنوخي المولود في دمشق سنة 1889م والمتوفى فيها في تلبية بغية هذه المؤسسة السياسية، وقدم عددا من المؤلفات العمانية قام فيها بمراجعة وتصحيح وتعليق أصولها وأشرف على طباعتها في المطبعة العمومية بدمشق؛ إذ كان له باع طويل فيها، وفي رسم مسار طريق ثقافي ربط فيه مثقفي عمان في تلك الفترة بمثقفي سوريا والوطن العربي؛ فقد كان عضوا في ديوان المعارف العربية، ومن الأعضاء المؤسسين لمجمع اللغة العربية منذ نشأته إلى أن صار نائبا لرئيسه عام 1964م، وهو بجانب ذلك عالم جليل عارف بعلم اللغة وأصولها وآدابها وتاريخها وسير أعلامها، ومترجم ماهر ومعرب ترك حوالي عشرين مؤلفا باسمه، وبذلك كسبت المؤلفات العمانية اسما معروفا، وقامة فكرية من قامات الأدباء العرب الكبار كما تشي بذلك سيرته المبثوثة في ثنايا الموسوعات وكتب الأعلام والتراجم.

ويبين الكندي: من بين ما وقعنا عليه من أعمال محققة ومصححة ما هو فقهي، ومنها ما هو أدبي يتعلق بدواوين الشعراء مثل: “مختارات من ديوان نورالدين السالمي، وديوان النبهاني، وديوان الستالي”.

وفي مقدمة المحقق التنوخي لديوان النبهاني، التي جاءت طويلة؛ إذ قاربت 13 صفحة، واقتربت من الدراسة المفصلة، فقد عنونها بـ”سليمان النبهاني”، وتناول فيها سيرة الشاعر النبهاني بدءا من اسمه الكامل، ونسبه الذي يوصله إلى هود عليه السلام، وتحديد مولده ” بالنصف الأول من القرن التاسع الهجري، ووفاته بسنة 606/1510م إضافة إلى منزلته بين قومه، وقيمته الاجتماعية والثقافية والأدبية في عصره، وتناول مرجعياته السياسية وظروف حكمه، ونهايته، والقصص التي حكيت عنه، وتطرق بإسهاب لظروف تكوينه. وذكر التنوخي في تحقيقه أغراض شعره، وأنها تركز في الغزل، وقد قاله في ريعان الشباب، كما تناول نزعات شعره وبقية أغراضه شأن مدائحه وفخره ورثائه ومعارضاته ووصفه وحكمه، وأسلوبه الشعري والاستشهاد لكل هذه الأغراض والنزعات بمقاطع من عيون شعره بدت عليها الدقة وحسن الاختيار، انتهاء إلى ذكر النهضة العمانية، وما يتصل بها من فكر سياسية “إمامي” متأجج آنذاك وأن طباعة هذا الديوان جاءت وفق خطة تتلوها خطة، وأنها ستشعل النهضة العمانية وتنير العقول العربية بثقافة عمان المغمورة آنذاك؛ فهو يرى “أن نهضة عمان لا تقتصر على الكفاح المسلح وحده ما لم يعضدها جانب ثقافي يعرف بها ويقدمها للآخر العربي، وكما يقول: “نحن في مصر والشام والعراق وسائر الأقطار العربية كنا لا نعرف شيئا عن عمان وجغرافيتها وسياستها ونهضتها لولا الثورة العمانية وقادتها الأحرار الذين حطموا أسوار الاستعمار”.

كما ينتهي إلى ذكر الجهود المبذولة في هذا الإطار التعريفي وما يبذله الشيخ محمد السالمي وأبناؤه من دور كبير في خدمة التراث العماني قاطبة، فقد طبع أعدادا وعناوين كثيرة يعددها التنوخي ويذكرها أسماء مؤكدا أنها كنوز عمانية ثمينة.

أما منهجه في التحقيق فيقوم على ركائز محققة للعناصر العلمية، وقد وفق التنوخي في تطبيقها فخرج الديوان محققا تحقيقا علميا ومجودا تجويدا في غاية الدقة والأناقة حتى أن كل الطبعات التي جاءت بعده لم تستطع تجاوزه فنسخته وأعدت طباعته.

وانتقل الكندي إلى ديوان الستالي الذي طبع وأخرج في المطبعة العمومية بدمشق سنة 1964م على نفقة الشيخ سليمان السالمي وأخيه أحمد، وقدم له التنوخي بمقدمة إضافية تبين خبرة ودراية بعلم التحقيق منهجا وأسلوبا، وطرائق وأداة، وقد سماها “فاتحة الديوان” وفيها أشاد بالجهود التي يبذلها ناشر الديوان “الشيخ سليمان السالمي” في إخراج التراث العماني، وفي ذلك يقول: “وآل السالمي من أنبل الأسر العمانية والشيخ النحرير محمد بن عبدالله السالمي “أبو بشير” ابن شارح المسند مهتم كل الاهتمام بنشر المخطوطات العمانية النوادر، فهو في الواقع رئيس جماعة النشر بعمان.. “. ورسم صورة شاملة للأدب العماني في كافة العصور وهي كافية بمقاييس تلك الفترة؛ إذ يستعرض التنوخي أنماط الأدب العماني قديمه وحديثه متطرقا إلى مبحث الخطابة الذي يعد كاتبا غير مسبوق فيه، فقد اعتمدت عليه بعض الدراسات وجانب بعضها عدم التوثيق، فالتنوخي قدم عرضا -ولو مختصرا- قصد به التعريف، وإن لم يكن في محله، ومع ذلك فهو مفيد، وقد عرض فيه خطباء عمان في الجاهلية وشعرائها ومفكريها وما قيل عنها في الأدبيات والمصادر الأدبية القديمة. مبينا أن السرد المختصر الذي أبان به التنوخي في مقدمته عن أدب عمان القديم المتمثل في الخطب والمؤلفات، والمركز على وصف الأعلام والعلماء وبيان معالم حيواتهم وطرائق تفكيرهم -كان فاتحة لكثير من الدراسات العمانية اللاحقة التي استقصته بشيء من العمق وبنت عليه آراء هي بمثابة اللبنة الأولى للقاعدة البحثية العمانية، فله في ذلك حق الاكتشاف المبكر، وهي تدل على غزارة علمه وسعة اطلاعه، ودقة بحثه وفحصه في المصادر التراثية العربية، ولعل ذلك من الدوافع الهامة التي أكدت قناعاته بالتراث العماني وكانت محفزا له في مشاريع تحقيقه وإخراجه بعد أن أغفلته الكتابات العربية لظروف العزلة الجغرافية، والبعد المكاني، والسياسة المضطربة.

من جانبه أوضح حمزة بن سليمان السالمي أن العلامة عز الدين الأمين الدمشقي المعروف بعز الدين التنوخي، هو عالم لغوي جليل وباحث ومحقق كبير وشاعر وعلم من الأعلام العربية المؤسسين لمجمع اللغة العربية عام 1919 والذي كان يعرف باسم المجمع العلمي العربي، عرف بمؤلفاته الرائقة وجهوده في تحقيق وإخراج التراث العربي عامة وكتب التراث العماني خاصة في آخر سنين حياته.

العلامة التنوخي ألف الكثير من المؤلفات ومقالات عدة تجاوزت المائة مقالة نشرت في مجالات متنوعة في المجلات العلمية المعروفة آنذاك، ومن ضمنها مجمع اللغة العربية، وتحقيقاته في كتب التراث العربي وكتب التراث العماني.

وكان مترجما لامعا، ترجم عددا من الكتب باللغة الفرنسية إلى اللغة العربية، وهو الذي اخترع مصطلح الفيزياء المعروفة باللغة العربية بهذا الاسم.

مبينا أن التنوخي بدأ اهتمامه بالتراث العماني بعلاقته بالشيخ محمد بن سليمان السالمي، الذي شغل رئيس مكتب الإمامة في ذلك الوقت في دمشق من عام 1961م إلى عام 1965م، اهتمام والد السالمي “الشيبة” بطباعة كتب نور الدين السالمي، ونشر التراث العماني انصب في ولديه سليمان وأحمد الذين سخرا الجهد والمال لنشرها وطباعتها، فقد كان التراث الشعري والفكري العماني لا يزال محصورا في خزائن الكتب المخطوطة، وكانت معرفة العالم الإسلامي والعرب بعمان وعلمائها ومؤلفاتهم قليلا جدا ويكاد لا يذكر.

ما يصدر عن هذا التراث المطبوع لم ينل حظا من الإشراف والتصحيح والتحقيق، ورأوا في شخص عز الدين التنوخي الأنسب والأجدر لبدء هذا العمل، وبدأت عملية إخراج التراث العماني من عام 1963م وكانت بداية هذه العلاقة بإخراج كتاب تلقين الصبيان فيما يلزم الإنسان للإمام نور الدين السالمي، وهو أول كتاب، وطبع على نفقة حفيدي المؤلف سليمان وأحمد، وهي الطبعة السادسة في إخراج وتصحيح هذا الكتاب، وبعدها قام بإخراج وتصحيح الجزء الثالث من كتاب شرح الجامع الصحيح لمسند الإمام الربيع للإمام نور الدين السالمي في العام نفسه، على نفقتهما.

بعد ذلك قام بالتصحيح والتعليق والإخراج لكتاب جلاء العمى في أحكام الدمى للشيخ خلفان بن جميل السيابي عام 1964 طبع على نفقة الشيخ عبدالله بن علي الخليلي وتلميذه القاضي أبو سرور، ثم حقق وأخرج ديوان الستالي عام 1964 م وتمت طباعته على يد سليمان وأحمد السالمي، وتلاه تصحيح وإخراج كتاب الحق الجلي من سيرة شيخنا صالح بن علي للإمام نور الدين، وفي الكتاب نفسه تصحيح وإخراج لكتاب عين المصالح في جوابات الشيخ صالح.

تلاه تحقيق ديوان النبهاني عام 1965م، وأخذ منه جهدا وطبع على نفقة الشيخين سليمان وأحمد، وإخراج وإشراف على كتاب الفتح الجليل من أجوبة الإمام أبي خليل للإمام محمد بن عبدالله الخليلي عام 1965م، وآخر كتبه كان تصحيح وإخراج وإشراف على كتاب خلاصة الوسائل في ترتيب المسائل في أجوبة الشيخ عيسى بن صالح الحارثي عام 1966م، وطبع على نفقة نجل الشيخ صالح الحارثي.

وكان إشراف العلامة عز الدين التنوخي إشرافا دقيقا ومتابعتها ف المطابع تصحيحا ومراجعة وإخراجها بحلة جميلة، وعاش التنوخي مع التراث العماني في آخر السنوات من حياته في مدة وجيزة لم تتجاوز أربعة سنوات فقط، أخرج فيها كل هذه الكتب وعمره تجاوز السبعين، توفي وعمره 77 سنة في عام 1966م.