النادي الثقافي يبحر في فضاء “أغاني الجبال في عمان”

كتبت: خلود الفزارية
مسلطا الضوء على فنون محلية عرفت منذ القدم

استضاف النادي الثقافي مساء أمس بمقره في القرم أمسية حملت عنوان “أغاني الجبال في عمان”، شارك فيها كل من الشاعر سما عيسى، والشاعر علي المعشني، برفقة الفنان سالم العمري، والفنان محمد البرعمي، وأدار الجلسة الإعلامي سالم السعدي.

وقدم سالم السعدي الأمسية بقصة دلل فيها على أثر الأغنيات حيث أشار أنه في حقبة في الستينيات حدثت القصة لشخص اسمه محمد من شمال الشرقية أخذ معه بندقيته الصمعاء وذهب ليقنص ولم يكن ممنوعا الصيد في ذلك الوقت، وكان محتاجا لبعض المال للسفر فأراد الصيد ليبيع الوعل ويسافر بذلك المبلغ.

ويقول بأنه عندما كان بين الجبال بعيدا عن القرية بمسافة ثلاث إلى أربع ساعات سمع صوت امرأة تغني في الجبال فنا من فنون “الشرح”، بكلمات تبدأ بـ:

ألا يا طير يا قاصد بلادي سلم لي على ذيك المهية

نزل هالرب حمى في برادي وصبح الحب باثر في يديا

ويقول بأنه يستطيع رؤية الوعل أمامه إلا أنه لم يتمكن من التصويب لأن مشاعره اتجهت إلى صوت الغناء فترك الوعل بسببها.

مبينا أن القصيدة تحدثت عن انتشار مرض الجدري في عمان، وكانت هذه القصيدة لشاب أصيب بالجدري وكان في العزل، وأرسل هذه القصيدة لأمه.

فن “التعويب”

وبدأت الجلسة بورقة عمل للشاعر سما عيسى تطرق فيها إلى فن “التعويب” أو التشويق الجبلي العماني، موضحا أنه فن يهتم بالعزلة، ويعبر عن مآسي الحياة، وهو فن العزلة لأنه لا يحكى لشخص معين وإنما لفضاء الجبال، وإما يؤدى مفردا أو تؤديه امرأتان فترد الثانية على الأولى بنفس عمق الشجن واللوعة.

مضيفا أن القصيدة لا تؤدى وفق استعداد مسبق ولا تصاحبها أدوات موسيقية، فهي فن لا يؤديه الرجال وإنما تؤديه الحطابات أثناء تأدية عملهن في قطع الأغصان اليابسة من الأشجار التي تستخدم لإشعال النار لاستخدامها في التدفئة أو في الطبخ.

مبينا أن النصوص التي احتفظت بها الذاكرة لهذا الفن تركز على الحالة العاطفية للمرأة المشاعر الأكثر كبتا وجرحا.

ويطرح سما عيسى نموذجا في تعبير المرأة عن العتاب والحب تقول فيه:

علوه مريت ع الحبيب مقيل تحت امباه

حاييته وما حياني ورد الغشاه برداه

علوه يا عوب يا عوب

كما تتطرق المرأة في هذا الفن للشكوى حيث تشكو فيه الفتاة إلى أمها كالتحدث عن الأشواق، وهو فن فردي بعيد عن صوت الغناء الجمعي الذي ينتشر في فنون أخرى.

ما يجعل “التعويب” حاملا مشاعر المرأة العاطفية ورغباتها الجسدية، حيث ينعدم صوت الفرح في هذا الفن فتختار المرأة أقصر الطرق إلى البكاء.

ويتابع: فن “التعويب” ينتشر في جبال الداخلية والظاهرة وجنوب الباطنة إلى جانب فن “النانا” الظفار الذي يشترك معه في بث الحزن من خلال الفن، إلا أن “النانا” يتفرع بالأغراض بينما يبقى “التعويب” مركزا على مشاعر المرأة. والتسمية شمالا بـ “التعويب” أو التشويق هي تسمية ترتبط بالأنين و”النانا” مفردة مشتقة من الأنين أيضا. وفي المقابل نجد فن السبحة الجبلية في مسندم القريب من فن “التعويب” إلا أن الرجال يشتركون في فن السبحة مع النساء.

وتم عرض مقطع مرئي لبعض الفنون الجبلية كفن “الحيلو” الذي قدمته امرأة تشدو ببعض الأبيات الشعرية، كما قدمت مجموعة من النسوة في المقطع المرئي من أحد المهرجانات الوطنية فنا مشتركا بينهن بقصيدة مغناة جماعية، ومقطعا لفتاة تؤدي أغنية بصوتها.

فنون الجبال بظفار

من جانبه أشار الشاعر علي المعشني إلى أن فنون الجبال في محافظة ظفار أتت من عالم الصفاء والنقاء والطبيعة ولذلك فهي فنون سجعية لا تصاحبها أية آلة موسيقية، وهذه خصوصيتها، وهي قديمة جدا، ولا تزال تحتفظ بأقدميتها وأصالتها.

وبالنسبة لفن “النانا” فهو فن ريفي يعود لفن الأرياف والجبال في محافظة ظفار وهذا الفن من الفنون الجميلة السجعية التي لا تصاحبها أي آلة موسيقية، مؤكدا على أن تسمية “النانا” مستقاة من الشكوى البينية بين النفس والطبيعة، ويقوم الرعاة بشدو النانا إلى الجبال ويرد عليهم الصدى من أطراف الجبال والأودية، وكان فن “النانا” نسائي إلى ما قبل مائة وخمسين سنة دخل إليه الرجال وغنوا فيه، وأصبح فنا عاما.

ويبين المعشني أن قصيدة “النانا” المغناة تتكون من شطرين، من صدر وعجز ولها بعد كبير جدا يمكن تشبيهه بصورة بانورامية تدور على بعد ثلاثمائة وستين درجة، تعطي المعنى الغزير وهو شعر له ثقله بحيث يصعب على الطرف الآخر فهم معنى الشاعر أحيانا، من غزارة الكلمتين بأن تؤدي معنى بما يقاس عشرة إلى عشرين بيتا في اللغة العربية. مضيفا: أن “النانا” تستخدم التعمية والصورة الشعرية المبهمة.

ويتابع أن أغراض فن “النانا” تتنوع بين الهجاء والغزل والوصف ووصف الطبيعة بالتحدي.

وهناك سبعة فنون رئيسية لجبال ظفار وهي: “النانا”، و”الدبرارت”، و”الوياد”، و”المشعير”، وقصائد العمل و”اللولاي” وقصائد التركيز وهي قصائد الرعي يأخذ قصيدة “البوبا” وهي خاصة بالرعي فتنفرد الحيوانات فتعرف أن هناك أمان ومرعى، وهي من السمات الجميلة بين الراعي والحيوانات.

ويقول الشاعر علي المعشني أنه قام بمحاولة لكتابة قصيدة لفن “النانا” باللغة العربية لتعريف الناس بهذا الفن ولفهم كلماته قال فيها:

ساجعات المغاني شلين بالصوت “نانا”

الصوت “نانا” ظفاري سلوتي واختياري

لحن كم قد شجانا

أما فن “الدبرارت” فهي قصيدة تقريرية تصف موضوع مثل القصيدة العربية حسب التسلسل التفعيلي للقصيدة، وقد تطول القصيدة تصل إلى عشرين أو ثلاثين بيتا.

أما فن “المشعير” فهو فن نسائي، أما فن “الوياد” فهو فن أحادي يمكن أن يغنيه شخص واحد أو شاعران اثنان، وهو فن الأحداث يحمل مسحة من الحزن، والساكن بالجبال أخذ هم يوم الكامل بعد إنهائه واجباته يؤدي هذا الفن. وفن “المشعير” هو فن نسائي تؤديه النساء قديما في المناسبات، ويكون ضمن مجموعة من النساء في صفين متقابلين بعشرة أو ثمانية نساء في كل جانب متماسكات، ويتضمن لوصف المرأة الجميلة، ووزنه قريب جدا من فن “النانا”.

وهناك فنون العمل وهي قصائد حماسية لأي عمل جماعي كالتحميل على القوافل، واللبان، وبناء البيوت الريفية، وقصائد الزراعة، وحين يزرع الناس الذرة واللوبيا، فيتجمع الناس للزراعة فتقوم مجموعة بالحفر والمجموعة الأخرى تضع البذور وفي هذه الأثناء يقومون بالغناء وإلقاء القصائد الحماسية لتذكي العمل ولا يمكن أن يتهاون أو يتخاذل أي شخص أثناء سماعه لتلك القصائد.

وقام كل من الفنانين محمد البرعمي وسالم العمري بأداء أغان متفرقة أثناء الأمسية للتدليل على هذه الفنون، فقدموا قصائد من فن “النانا”، و”الدربرات”، و”الوياد”، وقصيدة من فنون العمل.
المصدر : جريدة عمان