أضاميم.. عُمان وشعراؤها في كتب اللغة والأدب

محمد بن سليمان الحضرمي
من قراءاتي في كتب الأدب العربي القديمة، بما يقع في يدي من كتب ورقية، أو ما أقوم بتحميله من الشبكة، ألمح أحيانًا اسم عُمان، فأجدني أتتبع سبب ذكرها، وما قيل عنها، وفحوى الخطاب حولها، وكلما ظهر اسم عُمان، أشعر وكأن المؤلف يُرسِل من خلف أستار الخيال، رسالة فيها التحية والحب والسَّلام، لبلد لا يعرفها إلا اسمًا، وهو ذات الإحساس الذي نشعر به من بيت أحمد شوقي، الذي لا يعرف عُمان إلا اسمًا، حيث قرأ في يوم تتويجه أميرًا للشَّعراء قصيدة، منها هذا البيت:

كلما أنَّ في العِرَاق مَريضٌ

لمَسَ الشَّرقُ جَنبَهُ في عُمَانِ، وكذلك حين قرأنا رثائية علي الجارم لأحمد شوقي وحافظ إبراهيم، وسَمَّى في قصيدته مسقط وعُمان، ولماذا مسقط وعمان ظهرتا في رثائية الجارم؟، سؤال لا أجد له إجابة، إلا وكأن الشاعر يرسل من قصيدته الناعمة، عُصفورًا شِعريًا، يطلقه ليغرِّد في بلادنا كما أطلقه شَوقي من قبل، يقول الجارم واصفًا شوقي:

حِكمَةٌ مَشرقِيَّة في خَيالٍ

فارِسِيٍ في مَنطِقٍ عَدْنانِ

يَنثُرُ الدرَّ عَبقريًا عَجيبًا

ليسَ مِن مَسْقَطٍ ولا مِن عُمانِ

في هذه الإضمامة أتناول حديث بعض الأدباء عن عُمان، ووصفهم لها، حتى أصبحت مفردة في مؤلفاتهم، لعلنا نفتح نافذة، يتسلل منها حديث نقيٌ، من خلال أقلامهم:

في قراءة لديباجة «قاموس المحيط»، للفيروز أبادي، الذي يُعَدُّ من بين أشهر قواميس اللغة العربية، واصلت حتى بلغت هذه الجملة: (.. وقد هبَّتْ رياحُ عِنايتهِ، كما اشتهَتْ السُّفنُ رُخَاءً، وبمَ أعتذِرُ من حَمْل الدُّرِّ من أرض الجبال إلى عُمَان، وأرى البَحرَ يذهبُ ماءَ وجههِ، لو حَمَل برَسْم الخِدمة إليه الجُمَان .. الخ)، ولعل القارئ لا يستسيغ بيان هذا الكلام، لأنه مقطوع من مقدمة طويلة، لا تفصح معانيها لقارئها إلا بقراءتها كاملة، بل لا تفصح معانيها من غير شرح، ولذلك شرحها العلامة نصر الهوريني، مطبوع مع القاموس، والشاهد في هذا هو ذكره لعُمان في الديباجة.

ويحرجنا ويجرحنا في آن، الأديب محمد بن سَلَّام الجَمحِي في كتابه «طبقات فحُول الشعراء»، بقوله: (والذي قلَّلَ شعر قريش، أنه لم يكن بينهم نائِرَة، ولم يحارِبوا، وذلك الذي قلل شِعر عُمَان)، و(النائِرَة: الحِقد والعَداوة، تقع بين القوم، فتثير شرورهم) بحسب الشيخ محمود شاكر محقق الطبقات، فهل الشعر احتراق حقد أم روح بيان؟، أم ليس في مكتبة الشارح ديوان شعر من عُمان، ولذلك ليس في عُمان شُعَراء!، نتقبلها منه على مَضَض، فجُلَّ كتب الأدب العربي تجاهلت شعراء عُمان، ولم تَذكُر إلا القليل منهم، حتى الشاعر: «الرَّاجز العُمَاني»، ظهر ليس عُمانيًا، وإنما لقَبٌ اكتسبَه من صُفرة وجهه!.

ولكن من هذا «الرَّاجز العُماني»، الذي ورد ذكره كثيرًا في كتب الأدب العربي، وكنا نحسبه عمانيا؟. خصص أبو الفرج الأصفهاني في كتابه «الأغاني»، فصلًا عن الرَّاجز العُماني، واسمه: (محمد بن ذؤيب بن محجن الحنظلي الفقيمي، وهو بَصْري، وكان شديد صُفرة اللون، وليس هو ولا أبوه من أهل عُمان، وكان شاعِرًا راجزًا متوسطًا، يدخل على هارون الرَّشيد، فينشده، ويجزل صلته)، ويتقصَّى ويتقصَّد ابن قتيبة في «الشِّعر والشُّعراء»، هذا الشاعر، ويصفه بالقول: (قيل له «عُمَاني»، لأن دُكينًا الرَّاجِز نظر إليه، وهو يسقي الإبل ويرتجز، فرآه غُليِّمًا مُصفرَّ الوجه، ضَريرًا مَطحُولًا، فقال من هذا العُمانيُّ؟ فلزمه الاسم)، وأخبار هذا الشاعر العُماني بالوصف والشبه والشكل كثيرة، في كتب الأدب.

أما عن أخبار عُمان، فقد خصص ابن عبدالمنعم الحميري في كتابه: «الرَّوضُ المِعطار في خبر الأقطار»، فصْلًا لعُمان، ذكر فيه: أنَّ (بلاد عُمان مُستقلة في ذاتها، عامِرة بأهلها، وهي كثيرة النخل والفواكه والموز والرمان والتين والعنب، وبلاد حارة، وفي الأمثال: من تعذَّر عليه الرزق فعليه بعُمان)! ومن القصص العجيبة التي ذكرها الحميري في روضِه المِعطار: (حُكيَ أنَّ رَجلًا عُمانيًا ورد مكة بلؤلؤتين، لم يُرَ مثلهما، فباعهما بألفي دينار ذهبًا من رجل سمرقندي، وخرج من مكة في يومه، فلما كان بعد عدة أيام، قَدِمَ من قبل صاحب عُمَان، رسول يطلب الذي باع اللؤلؤتين، ويذكر أنهما سُرقتا من قصره، فطلب المُشتري، فعمِيَ أثره وخفي خبره، ووصل بهما إلى مدينة دمشق، فأهدى إحداهما إلى صاحبها، فأعطاه بها عشرة آلاف دينار، ثم سار إلى سمرقند، فأهدى الثانية إلى صاحبها، فكافأه عليها بخمسة عشر ألف دينار، فهاتان اللؤلؤتان من مَغاص عُمان وما والاها من هذه المواضع).

ولؤلؤ عُمان ذكره أبو منصور الثعالبي في كتابه «ثمَار القلوب في المضَاف والمنسُوب»، بقوله: (وفيرُوزج نيسَابور، يُعدُّ من نفائس الجَواهِر، مع ياقوت سَرنديب، ولؤلؤ عُمان).

ومرة أخرى نعود إلى أغاني الأصفهاني، لنقرأ قليلًا عن شاعر عماني باعتراف الفرزدق، اسمه: (كعب بن معدان الأشقري، من قبيلة من الأزد، شاعر وفارس وخطيب معدود في الشُّجعان، من أصحاب المُهلَّب، والمذكورين في حروبه للأزارقة، وأوفده المُهلَّب إلى الحجاج، وأوفده الحجاج إلى عبد الملك).

وهذا أحدهم يسأل الفرزدق: (يا أبا فِراس، أشعرت أنه نبغ من عُمان شاعر من الأزد، يقال له كعب؟ فقال الفرزدق: إي والذي خَلقَ الشِّعْر)، ولا يَثنِي الفرزدق على شاعِر، إلا أن يَذكر معه اسمه، يقول الفرزدق: (شعراء الإسلام أربعة: أنا، وجَرير، والأخطل، وكعب الأشقري). ولهذا الشاعر خصص الباحث العُماني إسماعيل السالمي كتابًا مُستقلًا، جمع فيه شعره، وأخباره، بعنوان: «ديوان كعب بن معدان الأشقري»، صدر في مسقط عام 1989م.

وأغرب ما قرأت، أن أبا علي القالي ذكر في «الأمالي»، نقلًا عن الفَرَّاء: (إن أهل عُمان يُسَمّون القاضِي «الفَتّاح»)!. ولا تخلو كتب الأدب العربي من قصص حب، تتخفى بين الصفحات، ففي رواية للكلبي، وهو مؤلف قصص بامتياز، منها قصة خروج سامة بن لؤي بن غالب من مكة، حتى نزل عُمان، نقلها الزجاجي في أماليه عن الكلبي، يقول: (فما بَرَحَ يسيرُ حتَّى نزل على رجلٍ من الأزد، فقراه (أكرمه)، وبات عنده، فلمَّا أصبح قعد يَستنّ (يتسوَّك)، فنظرت إليه زوجة الأزدي، فأعجبها (أحبته)، فلما رمى قَضْمَة سواكه، أخذتها فمَصَّتها، فنظر إليها زوجها، فحلب ناقةً وجعل في حَلابِها سُمًا، وقدَّمه إلى سامة، فغمزته المَرأة، فهَراق اللبن (سكبه في الأرض) وخرج). الخ.

وبلا شك أنَّ الكلبي متخصص في تأليف القصص الغَرائبية على أهل عُمان، وها هو في قصة أخرى، يذكرها في كتابه «أنسابُ الخَيل»، يقول الكلبي: (إنَّ قومَا من الأزد من أهل عُمان، قدِموا على سليمان بن داود، بعد تزويجه بلقيس ملكة سَبأ، فسألوه يا نبي الله: إن بلدنا شاسع، وقد أنفضنا من الزاد، مُرْ لنا بزادٍ يبلِغُنا إلى بلادنا، فدفع إليهم سليمان فرَسًا من خيله، من خيل داود، فقال الأزديُّون: ما لفرسنا هذا اسم إلا «زادُ الرَّاكب». فكان ذلك أول فرَس انتشر في العَرب من تلك الخيل).

ويسوق أبو حيان التوحيدي في «البصَائر والذخائر» هذه النكتة اللطيفة، على لسان كلب، ذاكرًا فيها اسم عُمان: (رأى كلبٌ رَغيفًا يتدحرَج فتبعه، قال له: إلى أين، قال – الرَّغيف – إلى النَّهروان، قال الكلب: قل: إلى عُمان، إن تركتك).

وفي «البيان والتبيين»، يذكر أبو عمرو الجاحظ، أن فرقة من عبدالقيس وقعت بعُمان (سَكنَت)، وهم خطباء العَرب، ويذكر أيضًا: (من خطباء عُمان: مُرَّة بن فَهْم التليد، وهو الخطيب الذي أوفده المُهلَّب إلى الحجاج).

ويسوق الجُرَاوِي في «الحَماسَة المَغربية»، بيتًا لمازن بن غَضُوبة، أو (الغَصُوبة):

إليكَ رَسُولَ الله خبَّتْ مَطيَّتي

تَجُوبُ الفيافي مِن عُمَانَ إلى العَرْج

ويذكر الآمدي في «المؤتلف والمختلف»، شاعِران من عُمان، هما: «الأشْتَر الحَمَامِي من بني حَمَامَة من أزد عُمَان»، وهو القائل:

لمَن دار عَفتْ بالسَّارياتِ

وتصريف الأمُور السَّائباتِ

والشاعر: «جوَّاس بن حَسَّان بن عبد الله بن منازل الأزدي» – أزد عُمان- وهو القائل:

ولقد أُقْدِمُ في الرَّوْع وأحمِي المُستضَافا

ثم قد يَحمِدُني الضَّيفُ إذا ذُمَّ الضِّيافا والحديث عن عُمان وشعرائِها في كتب الأدَب، له شُؤون وشُجون كثيرة.

ملحوظة:

الشواهد الواردة في سياق المقالة، مما لديَّ من كتب الأدب، واستفدت من «الموسوعة الشعرية»، الصادرة عن المجمع الثقافي بأبو ظبي، 2003م، الجامعة لأمَّات كتب الأدب، ودواوين الشعر، وقواميس اللغة.
https://www.omandaily.om/ثقافة/na/أضاميم-عمان-وشعراؤها-في-كتب-اللغة-والأدب