الشاعر قصي النبهاني: “الخيال” و”اللغة” أهم العوامل في دعم تكوين النص الشعري المتماسك الساحر

حوار – عزماء بنت محمد الحضرمية
إقحام عوالم السياسة في القصيدة يفسدها
• أتبع السهل الممتنع في قصائدي ولا ألجأ للغموض الذي ينفر القراء

• تتعبني الحروف التي لا تخرج… تتعذب بسببها الشاعرية

• الحزن تطهير للروح، والليل موطن للذكريات، والكتابة ترجمة للأحاسيس

شاعر أسمع قصيدته جبال سمائل الشامخة فتناقلتها سواقي أفلاجها لتنغرس معانيها بين بساتين النخيل الباسقة، وجد طريقه للشعر ووجد في القصيدة وسيلة للبقاء والعطاء والإنسانية، الشاعر قصي بن سالم النبهاني، انتشرت له العديد من القصائد الوجودية الصوفية والفلسفية؛ لتحيط قراءها بدفء كلماتها، وعذوبة موسيقاها، قادتني القراءة المتواضعة لنتاجه الأدبي لإجراء هذا الحوار..

يرى الشاعر قصي بن سالم النبهاني الشعر من منظوره أداة تعبيرية مثلها مثل أي أداة، لها جانب ممتع ويجد فيها متعة لم يجدها في النثر، إذ إنها أصعب أداة تعبير من النثر. وعن تجربته الشعرية يقول: تجربتي في كتابة الشعر كانت بسيطة، لم تكن بالمدة الطويلة، إذ بدأت الكتابة الفعلية له في عام 2017، وكانت بداياتي في كتابة الخواطر والنصوص النثرية، لأجد نفسي بعدها في الشعر، وكأي مبتدئ كانت أبياتي غير موزونة ولكن قصائدي المكسورة هي طريق أوصلني لمسار القصائد الموزونة واليوم أمارس عالمي الخاص في الشعر. ويضيف: إن الشعر في القدم كانت وظيفته تأثيرية بشكل كبير، فمثلما نعلم أنه استخدم للتقرب من الملوك وفي استفزاز الخصوم والهجاء والرثاء، بينما نجده اليوم يتلبس وظيفة أعمق وهي الوظيفة التعبيرية والتي يجد فيها المتعة الحقيقية والتسلية.

تشكيل النص الشعري
وعن النص الشعري وعوامل تشكيله يقول النبهاني: هناك العديد من العوامل التي تسهم في ابتكار القصيدة ودعم تكوينها المتماسك، أهمها الخيال وهو العامل الطاغي الذي يسهم بشكل كبير في تشكيل نص شعري ساحر؛ إذ إن الخيال الخصب يفتح للشاعر آفاق الكتابة فيثري قصيدته بالصور الشعرية العذبة، وهذا الخيال قد يجعل من الشاعر مخالفا لفكرة قصيدته وأقصد بالخلاف هنا أن يكتب الشاعر قصيدة لا تعبِّر عن حالته الشعورية في تلك اللحظة، فنجده معايشا لحالة رخاء ويكتب شعرا حزينا، بينما نجد آخرا يعيش حالة حزن ولكنه يعبِّر عن حالة شعورية أخرى. والعامل الآخر هو الثقافة والمخزون الذي جمعه خلال قراءاته المتعمقة، كما أن للبيئة المحيطة واللغة التي نشأ عليها دورا في تعزيز نصوصه وتوظيف المفردات بالمعنى والسياق الصحيح وإظهارها بطريقة غير متكلفة، كما يشير النبهاني إلى أمر مهم وهو أن اللغة لا تعني كل شيء في الكتابة فالشاعر بحاجة للخيال والثقافة والمخزون اللغوي الوفير حتى ينتج نصا شعريا خالصا.

ويضيف النبهاني: إن ما يعكّر الجو الشعري في المنطقة هي السياسة أولا وأخيرا؛ فإذا أدخلت السياسة أفسد المدخول عليه وهذا ما يفسد القصائد ويفقدها جماليتها وعذوبتها فتسقط وظيفتها التعبيرية التي يلتمسها القارئ من قائلها، لتثير الفتنة بين جمهور القراء.

وعن طقوس العزلة التي يلجأ لها عدد من الكتاب، يقول النبهاني: ألجأ للعزلة المصغرة بمفهومي، كأن أعتزل مواقع التواصل الاجتماعي، وأقرأ خلال هذه الفترة مختلف الكتب لتحسين إنتاجي، أما بالنسبة للطقوس فلا يوجد هناك طقوس خاصة، فقط مجرد أن أعتزل العالم الافتراضي.

التشابه الأسلوبي في الكتابة
ويشير “النبهاني” إلى دور القصيدة في تعرية الإنسان وكشف مكنوناته، فمن ناحية يسكب فيها الشاعر مشاعره وأفكاره فتعريه ثقافيا واجتماعيا وفكريا، إذ تعكس روحه من الداخل فتتبين كلها في قصيدته. وإذا كانت القصائد تعري مواقف الشاعر كذلك النثر يظهر توجهات الكاتب إذ يعالج الكاتب به قضية أو يفصح عن أمر يؤرق مجتمعه وهذا ما وجده على سبيل المثال في رواية “سيدات القمر” التي عكست بعض قضايا المجتمع.

من جانب آخر، يتحدث النبهاني عن علاقة التأثر والتأثير القائمة بين الكتاب والشعراء بحكم قراءاته المختلفة واطلاعه على جديدهم، إضافة إلى التشابه الأسلوبي في الكتابة فيقول: أجد أن هناك علاقة تأثر وتأثير واضحة، وبحكم قراءاتي لابن زيدون والخنساء، ولمختلف الكتاب -وبما أن المتنبي هو شاعري المفضل- أواجه بعض التعليقات التي تنصب حول قراءاتي مثل، هل تقرأ لابن زيدون/ المتنبي؟ ومن وجهة نظري أجد أن القراءة مهمة جدا لأن الشاعر يتملص من أسلوب الشاعر القديم، فيأخذ منه الأسلوب ويتفرد بالفكرة ولكن يوازن في ذلك فلا يطبق ذات النسق الذي اعتمد عليه الكاتب بحيث لا يتأثر به كليا وإنما يصنع قالبه الخاص.

هموم الكتابة
ويقول “النبهاني” عن هموم كتابة القصيدة: تتعبني الحروف التي لا تخرج، أشعر وكأنني أدخل في متاهة لا مهرب لي منها، إذ إن هذه الحروف التي تستعصي على الخروج هي المتعبة، تتعذب بسببها الشاعرية، أما الكتابة فهي مثل الزاد الذي لا غنى لي عنه. ويواصل حديثه عن الإنتاج الأدبي في الآونة الأخيرة فيقول: يؤسفني الوضع الحالي وما تمر به الإصدارات المختلفة من حالة تشويه وعدم اهتمام بالإنتاج الأدبي. زرت معرض الكتاب في نسخه الماضية أكثر من مرة وكالعادة أذهب بذاك الحماس لأعود بخلافه، حيث لاحظت ظهور الكثير من الكتب الركيكة التي تفاجئني مضامينها وتدخلني في حالة حزن، وأتساءل دائما لماذا لا تعتق فكرة هذه الكتب قبل إصدارها، بخلاف ما نراه من كتب مشوهة، حيث أرى أنه من اللازم أن تكون هنالك آليات وسياسات محددة من قبل دور النشر، يتم من خلالها مراجعة هذه الكتب من قبل المختصين في اللغة لكي تعطى صلاحية الموافقة على النشر.

وعن أسلوبه الشعري وميله للغموض في صناعة قصائده يقول “النبهاني”: أميل للشعر الغامض الذي يجعل القارئ لا يتجاوز الأبيات بسرعة، وأحاول في كل قصيدة أكتبها أن أضع ولو بيتا واحدا بفكرة أو فلسفة معيّنة، إذ إنني أتبع السهل الممتنع في قصائدي، ولا ألجأ للغموض الذي ينفر القراء.

وعن نظرته للأشياء من حوله يقول “النبهاني” إنه يجد في الحزن تطهيرا للروح، وتسكينا للنفس، وإشارة تنبه أن عُد إلى ربك، والجأ إليه، فلا يجلى الحزن إلا به، ومعيته وأنه مشهد آخر، يخبرنا أن الفرح لا يستلذّ إلا بعد الحزن العاصف، الذي يتوق النفس لأن تذوق طعم الفرح الغائب. وأما الليل في نظره كشاعر فهو موطن للذكريات، تهبط فيه المشاعر، وتهدأ النفوس، وتترقرق فيه المآقي بذكر الأحبة بتوق عنق لعناق! والليل، غمزة الشعر للشاعر، وانصياع القلم للإصبع، ففي الليل، شريط يتسنى لنا أن نشاهده، وساعات وأيام وليال خلت، قد تتبدى لنا في ليلة دون سواها. والكتابة في نظره هي نعمة من الله، منّها علينا لترجمة الأحاسيس، وترويضها حتى لا تزاحم صدورنا، هي أسلوب للعيش، وملاذ من الضيق، ورسالة تطيع من يخلص في حملها، هي قلوب تفر وتصعد، وعقول تسال في الأوراق والكتب؛ فتفيض بالإيناس للناس.

آمال وتطلعات
وحول مستقبل الشعر في ظل ظهور طلبات الشعر يقول الشاعر قصي بن سالم النبهاني: طلب مني أكثر من مرة كتابة قصائد لأغراض مختلفة ولكنني رفضت فأنا ضد هذه الفكرة، إذ إن المشاعر لا تصنع لأجل غرض معين، وأنا غير متمكن من صنع شعور لأجل لحظة، وإن كانت ثلاثة أو أربعة أبيات فأنا لديّ انتماء كبير لكل حرف نظمته، ومن الصعب أن أتخلى عن قصيدة لأجل مبلغ مالي ولا أعتقد أنني سأنتهج هذا الطريق في يوم ما.

ويقول “النبهاني” في الختام: ما يهمني في المرحلة القادمة إلى جانب تطوير مهارات الهندسة هو تطوير لغتي ومهاراتي الكتابية، وكذلك التحدث الشفهي، إذ يجب أن يكون لائقا كالكتابة، فالكتابة وحدها لا تكفي لتطوير الذات وبلاغة اللسان، إضافة إلى تطوير مهارات التدقيق الإملائية واللُّغوية، تراودني فكرة إكمال الدراسة في مجال الأدب وأرغب في تحقيقها، وكثيرا ما يُطلب مني ويسألني بعضهم ما إذا كنت سأصدر كتابا وبعد دراسة الفكرة قمت بتجميع قصائدي في ديوان “صعدت أبعد مني” والذي سيصدر في قادم الأيام. كما أنه لديّ هدف بعيد المدى، ولا أستطيع التأكد والجزم فيه، لكنّ الأفكار تراودني بشأنه، وهو كتابة رواية، ربما ألهمني بعض الكتاب، كأيمن العتوم، لأنه كتب المجموعات الشعرية والروايات، ولست متأكدًا حقًا إن كنت سأسير على هذا النهج، أم سأكتفي بالشعر، ولو اكتفيت لاستغنيت أصلا!

“لقيت الله”

لَقَيْتُ اللهَ.. حدّثني.. بَكَيْتُ

وصارَ القلبُ يشرَحُ ما نَوَيْتُ

أتَيْتُ اللهَ،

أَحْمِلُ كُلّ همّي..

وأشكُو الآهَ،

في ذُلّي دَعَوْتُ

أيا ربّاهُ،

هذا الوقتُ يَمضي..

وأَخْشَى أن أموتَ وما ارْتَوَيْتُ

فهَبْني النُّورَ يا أُنْسِي،

وزِدْني..

بِعفوٍ مِنكَ أَمْحُو ما جَنَيْتُ
https://www.omandaily.om/ثقافة/na/الشاعر-قصي-النبهاني-الخيال-واللغة-أهم-العوامل-في-دعم-تكوين-النص-الشعري-المتماسك-الساحر