حقوق الملكية الفكرية بين الدور المؤسسي والانتهاكات المتكررة « 2 ـ 2 »

تحقيق: فيصل بن سعيد العلوي
الادعاء العام يؤكد أهمية تحفيز المؤلفين والمبدعين
في الجزء الأول من التحقيق الصحفي «حقوق الملكية الفكرية بين الدور المؤسسي والانتهاكات المتكررة» الذي نشرت «عمان» الحلقة الأولى منه في عدد أمس عرّفت الجمعية العمانية للملكية الفكرية بالتفصيل بالحقوق والواجبات والجهات المرتبطة بموضوع «الملكية الفكرية» ما لها وما عليها، كما استقرأ التحقيق دور المؤسسات المرتبطة في موضوعنا المطروح، حيث تحدث ممثل وزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار عن دور الوزارة أين يبدأ وأين ينتهي، كما عرجنا إلى دور وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار في معادلة المؤهلات الدراسية والإجراءات المتبعة في حال كشف السرقات العلمية، وخلص الجزء الأول إلى أن وعي المجتمع بالقواعد والحقوق هو الركيزة الأساسية في مقاومة انتهاكات الملكية الفكرية، وأن ردع أي انتهاك مهما بلغ فهو لا يحيد عن القواعد التي ينبغي أن يعيها الجميع، كما أشار التحقيق إلى دور وزارة الإعلام ممثلا بالمطبوعات والنشر ودور المؤسسات التعليمية المصدرة للشهادات العلمية، ومع هذا الدور نبدأ في تحقيقنا في هذه (الحلقة الثانية والأخيرة) بالتعريف بدور وزارة الإعلام، ودور جامعة السلطان قابوس بصفتها مؤسسة تعليمية حكومية، وجامعة ظفار بصفتها مؤسسة تعليمية خاصة، في حماية الملكية الفكرية المتمثلة في الرسائل العلمية ونختتم بالدور الرئيسي لـ «الادعاء العام» الذي أجمعت على أهميته الأطراف المشاركة في التحقيق..

بداية يفصّل سالم بن علي العبري مدير دائرة المطبوعات والنشر بالمديرية العامة للمطبوعات والمصنفات الفنية بوزارة الإعلام «الدور» الذي أشير إليه في سياق التحقيق (الذي وردنا في اليوم نفسه) : إن علاقة «الوزارة» ممثلة بدائرة المطبوعات والنشر ترتبط بالكتاب وكل ما يتعلق بشؤون النشر الورقي تحديدا وبالطبع فضمن اختصاصات الدائرة الترخيص بطباعة الكتب من خلال الحصول على رقم إيداع (رقم إيداع محلي) ويمثل إذن الطباعة، بالإضافة إلى «الرقم المعياري الدولي للكتاب isbn» ويمنح ضمن الترخيص للتعريف بالكتاب عالميًا ومنحه الهوية الدولية، كما تندرج ضمن اختصاصات الدائرة الصحافة المحلية والصحافة الخارجية التي توزع في سلطنة عمان من خلال إصدار التراخيص اللازمة لتوزيع الصحف الخارجية بالسوق المحلية بعد التأكد من موافقتها لقانون المطبوعات والنشر.

ويشير «العبري» إلى أن دور الوزارة يبدأ بصرف رقم الإيداع تطبيقا للقانون وأن أي تجاوز لهذا القانون حتى بعد منح ترخيص طباعة الكتاب فوزارة الإعلام معنية به في المقام الأول أما ما يتعلق بالتجاوزات التي تقع ضمن حقوق الملكية الفكرية فهي ترتبط بـ (قانون حقوق المؤلف والحقوق المجاورة) وهو شأن وزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار فهي المعنية بمتابعة ما يقع من تجاوزات في هذا الشأن من خلال رصد التجاوزات، والتحقق منها تمهيدا لعرضها على المحكمة المختصة، وهنا يمكن الإشارة إلى أن هناك دورًا تنسيقيًا بين وزارة الإعلام والجهة المختصة بوزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار إذا ما ارتأت الجهة المعنية طلب الإفادة في إطار اختصاصات الوزارة.

ويضيف مدير دائرة المطبوعات والنشر أن المادة المقدمة للطباعة تقيَّم بناء على ضوابط النشر وما يفرضه القانون مثله مثل النشر في أي وسيلة إعلامية محلية بعد استلام الطلب، ونحن نعدّ مقدم الطلب هو صاحب العلاقة، سواء كان المؤلف أو الناشر، فمن الممكن أن يتقدم مؤلف بطلب طباعة كتاب ومراجعة محتواه بناء على ضوابط القانون ومنحه رقم الإيداع، ويتقدم مؤلف آخر بطلب طباعة كتاب مماثل له في المحتوى أو ربما يحتوي على جزء كبير من محتويات كتاب آخر دون الإشارة من قبل مقدم الطلب إلى الأصل الذي استمد منه مادة الكتاب، أو دون الإشارة إلى المصدر ضمن قائمة المراجع وهذا يعد نوع من التجاوزات التي قد تحدث في حقوق الملكية الفكرية بشأن الكتب، ويقدم هذا الكتاب للدائرة للحصول على الترخيص بالطباعة بحيث يراجع وفق قانون المطبوعات والنشر، وعليه فإن ظهر هناك خلاف حول حقوق الملكية الفكرية فإن مقدم الطلب ومن لهم علاقة بتأليف ونشر الكتاب تقع عليهم تداعيات المخالفة وتبعياتها وفق قانون حقوق الملكية الفكرية والحقوق المجاورة.

ويذكر سالم بن علي العبري مدير دائرة المطبوعات والنشر بالمديرية العامة للمطبوعات والمصنفات الفنية بوزارة الإعلام أنه ضمن الأمثلة التي وردت في التجاوزات ذات العلاقة بحقوق الملكية الفكرية على سبيل المثال ـ ما يحدث في سلاسل الكتب التعليمية التربوية التي تشرح منهاج وزارة التربية والتعليم، حيث سبق أن حصلت فيها ادعاءات وخلافات ما بين المؤلفين، وتلك الكتب قد تحمل رقم إيداع بمعنى حصولها على الترخيص اللازم من دائرة المطبوعات والنشر، وعندما يقع خلاف في مسألة حقوق الملكية الفكرية هنا يتجه المؤلف إلى وزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار ثم إلى المحكمة المختصة، ويكون هناك تنسيق بين الدائرة المختصة بوزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار والدائرة المختصة بوزارة الإعلام، كل حسب اختصاصه للتأكد من حصول هذا الكتاب على رقم الإيداع أولًا، ومعرفة اسم مقدم طلب طباعة الكتاب (المؤلف أو الناشر) وكيف تمت عملية الحصول على رقم الإيداع، ويأتي الرد حسب البيانات المسجلة بالدائرة، وبأي حال من الأحوال ليس لوزارة الإعلام دور مباشر فيما يقع من خلافات أو تجاوزات لقانون حقوق الملكية الفكرية والحقوق المجاورة، فالوزارة معنية بتطبيق قانون المطبوعات والنشر ولا يوجد بهذا القانون ما ينص وما يعنى بحقوق الملكية الفكرية، إذ هناك قانون آخر ينظم هذا الشأن وهو قانون حقوق المؤلف والحقوق المجاورة.

جامعة السلطان قابوس

في رد جامعة السلطان قابوس الذي تلقيناه بتاريخ (9/5/2022) يوضح الدكتور محمد بن ناصر الصقري عميد الدراسات العليا بجامعة السلطان قابوس اللوائح والسياسات والإجراءات الخاصة بالسلوك الأكاديمي للدراسات العليا بالجامعة حيث يقول : « أولت الجامعة جُل اهتمامها بتعزيز ثقافة البحث العلمي فجعلت له من الممكنات ما يضمن تجويده ويُسهّل على الباحثين طرقه واكتساب مهاراته. وهي ومع حرصها المتزايد على إيلاء الباحثين والبيئة البحثية المزيد من الاهتمام والتمكين لم تغفل في المقابل عن حفظ حقوق الباحثين والملكية الفكرية لأبحاثهم ومخرجاتهم العلمية؛ فوضعت من الإجراءات واللوائح ما يضمن حقوقهم وما يحفظ مكانة البحث العلمي وأصوله، وفي الصدد ذاته فإن حرص الجامعة على تجويد البحث العلمي والرقي به يبدأ بإكساب الطلبة مهارات البحث العلمي وطرقه وأساليبه ومناهجه، فوضعت الجامعة مجموعة من الأدوات التي تعين الطالبة على فهم فلسفة البحث العلمي، كما وضعت العديد من الإجراءات والضوابط التي تضمن التزام الباحثين والطلبة وتقيدهم بالأسس العلمية للبحث العلمي وأخلاقياته.

وحول الالتزام بأسلوب التوثيق العلمي وأسس الاقتباس يقول «الصقري» : توجد في الخطط الدراسية لبرامج الدراسات العليا وخاصة الماجستير مقررات خاصة بمناهج البحث العلمي يدرس فيها الطالب كل ما من شأنه اكتساب المهارات المختلفة بالبحث العلمي وأخلاقياته، ومنها على سبيل المثال الالتزام بأسلوب التوثيق العلمي وأسس الاقتباس وطرقه وقواعده.

أما حول حفظ الحقوق وكشف أي عملية انتحال وسرقة علمية فيقول عميد الدراسات العليا في جامعة السلطان قابوس إن الجامعة تشترك في قاعدة بيانات دار المنظومة للرسائل الجامعية والدوريات العلمية والمخصصة لرسائل (الماجستير والدكتوراه)، والدوريات العلمية تعد أول قاعدة بيانات عربية لإتاحة النتاج العلمي باللغة العربية، وتهدف الجامعة من الاشتراك في هذه القاعدة خصوصًا إلى إتاحة الرسائل الجامعية لطلبتها وإشاعتها لزيادة فرص الاستشهاد العلمي بها وكذلك حفظ حقوق طلبتها مما يقلل من فرص انتحال الرسائل ونسب جهود الباحثين لغيرهم؛ إذ تتاح جميع رسائل الطلبة على قاعدة بيانات دار المنظومة مما يساعد في حفظ حقوقهم ويُسهّل من كشف أي عملية انتحال وسرقة علمية. وتسعى الجامعة خلال الفترة القادمة إلى تضمين النتاج العلمي لباحثيها وطلبتها في قواعد بيانات أخرى، حيث بدأت بالتفاوض مع بعض الناشرين العالميين مثل سبرينجر Springer.

أما عن اللوائح والسياسات والإجراءات التي أقرتها الجامعة التي تضمن التزام الباحثين والطلبة وتقيدهم بالأسس العلمية للبحث العلمي وأخلاقياته، فيقول عنها «الصقري “: نصت المادة (99) من اللائحة التنفيذية للجامعة على معاقبة أي مخالفة متعلقة بالغش العلمي أو السرقة إذ تنص المادة على الآتي: «يصدر المجلس بناء على توصية المجلس الأكاديمي قرار بحرمان الطالب من الشهادة أو الدرجة العلمية وسحبها منه إذا ثبت يقينًا أنه حصل عليها بناء على غش».

أما سياسة الإخلال بالسلوك الأكاديمي للطالب فتؤكد ضرورة التزام طالب الدراسات العليا بمعايير الأمانة العلمية، وفي حالة مخالفة الطالب لهذه المعايير سيتعرض للعقوبة، إذ تشير المادة (7.2.5.2) من السياسة إلى أنه «في حالة التأكد من أن طالب الدراسات العليا قد أخل بالسلوك الأكاديمي، ستصدر لجنة التحقيق في سوء السلوك الأكاديمي للرسالة إحدى العقوبات التالية وبموافقة عميد الدراسات العليا وهي تحذير كتابي وإعادة تقديم الرسالة، وعدم منح الدرجة العلمية، وسحب الدرجة العلمية التي منحت للطالب.»

ويشير الدكتور محمد بن ناصر الصقري عميد الدراسات العليا في جامعة السلطان قابوس إلى أن سياسة أخلاقيات البحث العلمي التي اعتمدت من المجلس الأكاديمي للجامعة أكدت أهمية الالتزام بحقوق الملكية الفكرية للباحثين، حيث تضمنت على مجموعة من الإجراءات التي تنظم عملية البحث العلمي في الجامعة للباحثين والطلبة على حد سواء، كما أكد النظام الأكاديمي للدراسات العليا 2018 على مسألة الانتحال وجزاءاتها، حيث أشار البند (13) والخاص بالفصل من الجامعة، إلى أن الطالب يفصل من الجامعة ولا ينظر في إعادة قيده في حالات ومن بينها الإخلال بقواعد الانضباط الأكاديمي. كما أن البند (14) والخاص بقواعد الانضباط الأكاديمي ينص« أن على الطالب أن يكون على دراية بمعايير الأمانة العلمية المقبولة والعواقب التي تترتب على مخالفتها»، حيث أشارت المواد (أ) و (و) و (ز) إلى ذلك على النحو الآتي: الالتزام بالنظام الأكاديمي والأنظمة الأخرى والوثائق والمستندات والقرارات الصادرة من الجهات المختصة بالجامعة والامتناع عن التحريض ضدها، والالتزام بعدم تخريب عمل أي طالب، أو القيام بأي من أفعال الغش أو التزوير أو الانتحال والسرقة العلمية والأدبية بجميع أشكالها، ومنها التقدم بعمل يكون نصه وأفكاره وحججه خاصة بالغير دون ذكر الإسناد الصحيح عن طريق ذكر المصدر أو إدراجه في الحواشي، والالتزام بقوانين الجامعة المتعلقة بالمعايير الأخلاقية للأنشطة البحثية على الإنسان أو الحيوان، أو فيما يتعلق بالتعامل مع سرية البيانات.

ويمكّن برنامج اكتشاف الانتحال أو التشابه Turnitin من اكتشاف السرقات العلمية أو درجة التشابه مع الأعمال العلمية المختلفة في موضوع من الموضوعات، كما أن تطبيق هذا البرنامج يعلم الباحثين في الجامعة عمومًا وطلبتها، وطلبة الدراسات العليا خصوصًا أهمية الأصالة العلمية والابتكار عند كتابة الدراسات والأبحاث. وتعد جامعة السلطان قابوس من أوائل الجامعات في المنطقة في الاشتراك في هذا البرنامج، حيث بدأ الاشتراك فيه منذ عام 2014، كما طُبق على طلبة الدراسات العليا أيضًا، وأُدخلت جميع الرسائل التي أجيزت إلى البرنامج وضُمنت في قاعدة بيانات الرسائل الجامعية لدار المنظومة. وبدءًا من العام القادم لن تُعتمد أية مناقشة لرسالة ماجستير أو دكتوراه من قبل عمادة الدراسات العليا إلا بعد رفع تقرير الانتحال أو التشابه من قبل المشرف الرئيس للطالب.

وأما فيما يخص حقوق الملكية لمنتسبي الجامعة من باحثين وطلبة، فيؤكد الدكتور محمد بن ناصر الصقري أن قانون حقوق المؤلف والحقوق المجاورة الصادر بالمرسوم السلطاني رقم (65 /2008) يوضح حقوق المؤلف والإجراءات القانونية التي يقوم بها المؤلف في حالة أن عمله العلمي تعرض للسرقة العلمية.

جامعة ظفار

وتواصلا للشق الماضي حول «دور مؤسسات التعليم بالقطاع الخاص» تقدمنا بطلب الرد على أسئلتنا إلى جامعة ظفار بتاريخ 14 مارس 2022، تلاه رسالة أخرى بتاريخ 31 مايو 2022 ، حيث وردنا ردها (مشكورة) بتاريخ 3 /7 /2022 ( يوم أمس) يعرّف بداية بآلية التحقق من صحة الرسائل العلمية، حيث أشار الرد إلى أن جامعة ظفار اتخذت إجراءات صارمة للحيلولة دون حدوث المشكلة من الأصل من خلال متابعة المشـرف على الرسـالة للطالب أولًا بأول، والتأكد من أن ما كتبه الباحث قد التزم فيه بالتوثيق العلمي السليم بنسبة كل فكرة إلى قائلها، وعدم قبول أي فكرة في البحث مجهولة النسب العلمي، أو ينسبها الباحث لنفسه على غير الحقيقة، كما أن هناك لائحة للنزاهة الأكاديمية في جامعة ظفار، تفرض عرض جميع البحوث العلمية للطلاب بل وكتب الأساتذة على برنامج تحديد نسبة الاقتباس، يلي ذلك أن الرسالة تُقرأ وتُفحص من لجنة ثلاثية أحد أطرافها محكم خارجي، ويختار عادة من بين ذوي الدرجات العلمية العليا، وإذا اكتشفت اللجنة الثلاثية للحكم على الرسالة عدم صلاحيتها للمناقشـة لعدم الأمانة العلمية أو لضعفها العلمي كتبت تقريرًا بذلك ورفضـت المناقشـة، ويحال الطالب للتحقيق في حال عدم التزامه بالأمانة العلمية، والاعتداء على حقوق الملكية الفكرية للآخرين، وإذا اكتشفت السرقة العلمية بعد منح الدرجة العلمية للباحث، وهذا الافتراض (ولو أنه نادر الحدوث) في ظل الإجراءات الحازمة السابقة الإشارة إليها ، لكن على كل حال إذا تم اكتشاف ذلك فإن الموضوع يحال للتحقيق للتأكد بما لا يدع مجالًا للشـك أن الرسـالة – فيها سـرقات علمية، وتتخذ الجامعة في هذه الحالة الإجراءات القانونية اللازمة.

الادعاء العام

وفي رده على التحقيق الصحفي الذي وردنا بتاريخ 3 /7 /2022 ( يوم أمس) يؤكد الادعاء العام أن حقوق المؤلف تندرج في التقسيمات القانونية ضمن حقوق الملكية الفكرية، وقد استأثرت مسألة حماية حقوق المؤلف اهتمامًا بالغًا من قبل الدول وهيئاتها التشريعية، إذ إن المؤلف قد بذل جهدًا وتجلَّد صبرًا في سبيل إخراج فكرٍ وإبداعٍ يمثل إرثًا حضاريًا لموطنه، ويعود عليه بالنفع المادي والمعنوي؛ لذا كانت هذه الحماية مسألة حتمية لضمان الحقوق واستمرار الفكر والإبداع، وهذا ما يسمى بالمعادلة الطردية؛ إذ إنه باستمرار الحماية يستمر الفكر والإبداع، وهذا كله مؤداه حصيلة ثمينة تُسهم في تنمية البلاد. في هذا الشأن عمدت الكثير من الدول إلى إبرام اتفاقيات وسن تشريعات تضمن للمؤلف حقوقه ووسائل حماية إنتاجه، ويُدرك المعتدي بواسطتها خطورة الاعتداء على هذه الحقوق.

ويضيف الادعاء العام في رده أن المشرع العماني تناول الدعائم الأساسية ترسيخًا لهذه الحقوق، فقد كفل حق المؤلف بموجب النظام الأساسي للدولة الصادر بالمرسوم السلطاني رقم (6 /2021) حيث نصت المادة (38) منه على« تلتزم الدولة بحماية الملكية الفكرية بشتى أنواعها فـي كافة المجالات، وذلك وفقا للقانون». وأسبغ المشرع العماني الحماية القانونية على تلك الحقوق بإصدار قانون حقوق المؤلف والحقوق المجاورة بالمرسوم السلطاني رقم (65 /2008) الناسخ للمرسوم السلطاني رقم (37 /2000)، وأورد فيه جملة من العقوبات على من تسول له نفسه مخالفة ما جاء في نصوصه وتوسع المشرع في وسائل الحماية القانونية لحقوق المؤلف فنظم حقه في المطالبات المدنية وآلية المطالبة بها.

وحول دوره المركزي الذي أشارت إليه أطراف التحقيق الذي نجريه وننشره في حلقتين، يحمل رد الادعاء العام: من منطلق كون الادعاء العام ممثلًا للدعوى العمومية ومتوليًا لها وفق نص المادة (86) من النظام الأساسي للدولة التي نصت على «الادعاء العام جزء من السلطة القضائية، يتولى الدعوى العمومية باسم المجتمع، ويشرف على شؤون الضبط القضائي، ويسهـر على تطبيق القوانين الجزائية وملاحقة المذنبين وتنفـيذ الأحكام، وذلك على النحو الذي يبينه القانون « فإن الادعاء العام يملك الحق في تحريك الدعوى العمومية إزاء كل من يتجنى عبر المساس بحقوق المؤلف التي تناولتها النصوص القانونية ما لم يرد قيد على ذلك في الجرائم التي يشترط القانون فيها تقديم شكوى من المجني عليه أو من وكليه الخاص وفق ما نصت عليه المادة (5) من قانون الإجراءات الجزائية.

وبما أن الجرائم التي أشار إليها قانون حقوق المؤلف والحقوق المجاورة من الجرائم التي لم يرد عليها قيد، فإن الادعاء العام يباشر تحريك الدعوى العمومية إزاء الجاني ولو لم يتقدم المجني عليه أو من يمثله بشكوى، وقد أورد المشرع نصًا خاصًا في ذلك حيث نصت المادة (49) من قانون حقوق المؤلف والحقوق المجاورة على أنه «يباشــر الادعاء الـعــام التحقـيق الجنائي فيما يصل إلى علمه من جرائـم تقع بالمخالفة لأحكام هذا القـــانون دون حــاجــة إلى شكــوى مــن صاحب الحق أو من يمثله أو طلب من الجهات الحكومية المعنية، وتأكيد المشرع في هذه المادة على سلطة الادعاء العام بالتحقيق دون حاجة إلى شكوى هو دليل حرصه الشديد على كبح كل من تسول له نفسه التعدي على حقوق المؤلف.

ويضيف رد الادعاء العام: تأكيدًا لدور الحماية التي أولاها المشرع لهذه الحقوق فقد منح صفة الضبطية القضائية لبعض موظفي وزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار حيث نصت المادة (58) من قانون حقوق المؤلف والحقوق المجاورة على أنه: «يخول الموظفون الذين يصدر بتحديدهم قرار مـن وزير العـدل بالاتفاق مع الوزير صفة الضبطية القضائية فيما يقع بالمخالفة لأحكام هذا القانون ولائحته التنفيذية، وعليه فإنّ تلقي مأموري الضبط القضائي لأي بلاغ أو ضبطهم لأي مخالفة لهذا القانون يخولهم مباشرة إجراءات جمع الاستدلالات ومن ثم إحالة المخالفة ومرتكبها إلى الادعاء العام، لاستكمال إجراءات التحقيق والتصرف في الدعوى، وصولًا إلى تنفيذ الأحكام وتطبيق العقوبات الصادرة بحق المخالف سواءً كانت من العقوبات الأصلية أو التكميلية بما فيها المصادرة للأصول والسلع الناتجة عن فعل التعدي على الحق المحمي، إذ أوجبت المادة (52) من قانون حقوق المؤلف والحقوق المجاورة عقوبة السجن مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر ولا تزيد على سنتين، وبغرامة لا تقل عن ألفي ريال ولا تزيد على عشرة آلاف ريال أو بإحدى هاتين العقوبتين لكل مخالف حسب ما حددته المادة، ومنها عقوبة انتهاك حقوق المؤلف عمدًا بموجب أحكام القانون.

وعن الخدمات التي يقدمها الادعاء العام في هذا الشأن جاء في الرد: إنه في سبيل إنفاذ الرسالة التي يحملها الادعاء العام فقد قدم خدمة لتسهيل عملية التقاضي عن طريق فتح نافذة عبر البوابة الإلكترونية بموقع الادعاء العام إذ يحق فيها للمجني عليه أو من يمثله بتقديم شكواه عبر البوابة الإلكترونية وبإمكانه إرفاق ما يرغب من مستندات تدعيمًا لها وعلى الفور يتلقى الادعاء العام الشكوى، ويباشر التحقيق فيها بعد فحصها وتمحيصها باستدعاء الأطراف واتخاذ القرارات الوقتية بتحريز وضبط الأصول المستخدمة في التعدي على حقوق المؤلف أيًا كان تصنيفها، إضافة إلى ذلك فلا ضير من تقديم الشكوى أمام مأموري الضبط القضائي في مجال اختصاصهم، وهم بدورهم يحيلون تلك الشكاوى إلى الادعاء العام.

وقد تعامل الادعاء العام مع بعض من القضايا المتعلقة بمخالفة حقوق المؤلف والحقوق المجاورة التي انتهت إلى الحكم بالإدانة ومصادرة المواد المستخدمة في الجريمة وآثارها، ويؤكد الادعاء العام على أهمية تحفيز المؤلفين والمبدعين عبر توسيع وسائل الحماية وضمان الحقوق، إضافة إلى تسهيل الحصول على إثبات الملكية بصورها كلها.

انطلق التحقيق في حيثياته من قضايا عدة رُصِد بعضها في الجانب الأدبي والآخر في الجانب العلمي بينما لم يسعَ التحقيق في البحث عن الحق الفكري للجانب التجاري إلا أن هذا الأخير يعد جانبا مهما ضمن اختصاصات الحقوق في الملكية الفكرية عموما، ويتشابه في مآلاته القانونية.. فبعد حالات سطو في الكتابة الأدبية والمقالات المختلفة التي اتخذت تجاهها قرارات حاسمة من قبل الوسائل الإعلامية أو المؤسسات الثقافية في شكل إيقاف تداولها وعدم التجاوب مع ممارسيها في الصحافة مثلا وفرض شروط استباقية في الطباعة والنشر اختص بحمايتها في انتهاك حقوق الملكية الفكرية في المؤسسات الثقافية مثالا آخر.. وبعد رسائل جامعية منتحل بعضها ومسروق بعضها الآخر نال على إثرها صاحبها درجة علمية وربما استفادة معنوية ومادية في منصبه.

خلاصة التحقيق

وإذ نتقدم بالشكر الجزيل لكل الجهات المشاركة على كرم الرد ـ ولو بعد حين ـ فقد خلص التحقيق إلى أن الأطراف تسعى جاهدة لوضع قوانين استباقية صارمة لمنع انتهاك الحق الفكري، وكلٍ بحسب اختصاصه يضع الأطر القانونية في حدود مسؤولياته، لكنهم بأي حال من الأحول ينطلقون جميعا من ـ شكوى المتضرر ـ ما لم تكن المخالفة ظاهرة، ويتولى الادعاء العام تحريك الدعوى في الحالة الأخيرة ويحق له فيما ما قبلها مباشرة التحقـيق الجنائي فيما يصل إلى علمه من جرائـم تقع بالمخالفة لأحكام هذا القانون دون حتى الحاجة إلى شكوى من صاحب الحق تأكيدا على حرص الادعاء العام على كبح كل من تسول له نفسه التعدي على حقوق المؤلف.

كما خلص التحقيق إلى أن كل الأدوار التي تمارسها الجهات المختصة ما هي إلا أدوار توعوية وتوجيهية بدرجة أولى وتنسيقية بدرجة أخرى تستهدف جمع الخصوم والتوفيق والمصالحة قبل التوجه للقنوات الرسمية القانونية، ويقع «العبء الرئيسي» على المتضرر الذي كما يبدو (رغم أنه صاحب الحق) فهو الحلقة الأضعف التي تتوه بنفسها وسط تلك الدوامة، وأن الدور الرئيسي لحمايته يقع على الادعاء العام الذي وضح أدواره ومساهماته وخدماته واللاعب الرئيسي في تحقيق الحماية التي أولاها المشرع لهذه الحقوق باتجاه القضاء لتحقيق العدالة والتي حكمت بحكم الاختصاص ما فرضه القانون كلٍ بحسب حالته.. ورغم كل ذلك فالتجاوزات في كل المجالات مستمرة والبحث عن الحق مستمر.. والأمل في بتر أساس المشكلة حلم متاح ومشروع.
https://www.omandaily.om/ثقافة/na/حقوق-الملكية-الفكرية-بين-الدور-المؤسسي-والانتهاكات-المتكررة-2-2