مشاركة عمانية في مهرجان فاس للموسيقى العالمية

كواحة للحوار الثقافي والديني بين الشعوب
(عمان): اختتمت فرقة الزاوية للسماع العرفاني مشاركة سلطنة عمان في مهرجان فاس للموسيقى الروحية العالمي في دورته السادسة والعشرين الذي ‏يعود بعد انقطاع عامين ومتزامنا مع انعقاد المنتدى الفكري المتمحور حول «الهندسة المعمارية والجانب المقدس» وتشارك فرقة «الزاوية» للمرة الثانية بتجربتها الروحية الثريّة الفريدة في ليالي الموسيقى، كما قدم الدكتور ناصر الطائي ورقةَ عمل عنوانها «الرموز الروحانية و الطراز المعماري في عمان: واحة للحوار الثقافي والديني بين الشعوب» في المنتدى الفكري.

وأحيت فرقة الزاوية للسماع العرفاني بقيادة محمد بن موسى البلوشي رئيس المنشدين ليلَتين هدفت إلى إبراز ثراء التجربة الروحية العُمانية والتي يطلق عليها (السلوك) الغنية بالعرفان الذي أطلقت قيود التعبير عن المكنون الذاتي حتى أنتجت لنا تجلياتٍ شعرية تعكس مدى عمق تجربة السلوك والتصوف عند العمانيين وتفاعلهم مع عموم التجربة الصوفية في العالم. ‏

وقال الدكتور ناصر الطائي: المشاركة العمانية في المهرجانات والمحافل العالمية هي إثراء للفنون العمانية من أجل بناء جسور للعلاقات الإنسانية بين الشعوب، ويشكل إبراز هذا الثراء الروحي، على عمقه عند أصحاب التجربة وبساطته عند عامة الناس، هدفا جوهريا لفرقة الزاوية للسماع العرفاني في مشاركتها في مهرجان فاس للموسيقى الروحية العريقة العالمي من خلال سماعيات تتناول قصائد عرفانية كقصائد الشيخ أبي مسلم البهلاني والشيخ جاعد بن خميس الخروصي. كما أن الفرقة تبرز غِنَى وتنوع التجربة الروحية من خلال طاقة الألحان الشجية الموروثة من الشمال إلى الجنوب، وكذلك الاحتفاء بالمولد النبوي الشريف بإقامة «المالد» والمدائح، مقدمةً روح هذا الفن للحضور الذين قدموا من مختلف أقطار العالم.

من جانبه قال حسام الجابري مدير فرقة الزاوية: «يقول ابن عربي: السماعُ منشأ الوجودِ، فإنَّ كلَّ موجودٍ يهتزّ.. فمن أقوى المؤيدات في طريق السلوك هو السماع الذي لا تنفك عنه كل ذرة وغرة في هذا الكون، أدركنا ذلك أم لم ندرك. التجربة الروحية أصيلة في كل إنسان وكل واحدٍ منا هو بحد ذاتهِ تجربة روحية تستحق البروز حتى تلهم العالم بنورها».

وقدمت الفرقة التجربة الروحية العمانية على ثلاثة مرايا سماعية هي: «مرآة الإنسان البسيط» الذي يلطّف روحَهُ من كثائف العالم بسماعٍ شعبي جماعي متنوع فيه يستسلم جسد الذاكر لحضرة المصطفى صلى الله عليه وسلم ومجدِهِ فينا .. والذي أطلق عليه الناس «المالد»، وكذلك الهوامة، و«مرآة الإنسان الذي سلك طريق العرفان» وأخرج للعالم عرفانهُ من خلال تجربةٍ شعرية مجّدَ في ذاته ما ظهرَ من الله وما بطن مثل العارف بالله أبي مسلم البهلاني والشيخ أبي نبهان جاعد بن خميس الخروصي، «ومرآة تعكسُ عدم انعزالية التجربة الروحية العمانية» ومدى تلاقي وتراقي الإنسان وتجربته الروحية مع التجربة العالمية وتأثّرهُ بها من خلال تقديم قصائد سلطان العاشقين ابن الفارض والعارف بالله أحمد بن مصطفى العلاوي والشيخ الأكبر ابن عربي وغيرهم.

وتحدث الدكتور ناصر بن حمد الطائي في ورقته عن التعددية الجغرافية والفنية العمانية التي تميزها عن دول الجوار بتنوعها الجغرافي والثقافي والتاريخي مما غرس في الشخصية العمانية مبادئ الانفتاح على الآخر وزرع فيها قيم المحبة والسلام والتعاون بين الشعوب. ‏وتحدث الطائي عن الطراز المعماري الديني العماني والذي يتميز ببساطة البناء والتقشف وخلو دور العبادة من الزخارف والرسومات والنقوش في عمارتها، حيث بنيت هذه المساجد من الطين وجذوع النخل والحجارة.

وأضاف «الطائي»: إن هذه الفلسفة في النظام المعماري العماني انعكست على خصائص الموسيقى الشعبية العمانية، حيث جاءت الفنون في عمان مقرونة بالمناسبات وتُقدم من قبل كافة أفراد المجتمع، وهي فنون تعتمد اعتمادا رئيسيا على الصوت الإنساني وخلوها من الآلات الموسيقية باستثناء الآلات الإيقاعية وبعض الآلات الهوائية والوترية. وأضاف الطائي: إن الموسيقى العمانية هي أحادية الصوت لكنها تتميز بتعددية الإيقاع حيث يلعب الإيقاع دورا رئيسيا في الموسيقى العُمانية لمصاحبة الطقوس التي تُقَدم من خلالها، وهي موسيقى مرتبطة بالأداء الحركي والمهني.

وخلص «الطائي» في ورقته بالقول: إن النظام المعماري العماني ينبع من الإيمان الروحاني للإنسان وللتذكير بعظمة الخالق وأن دور الفنون هو الذكر والعبادة حيث شكلت هذه المعالم الإطار العام للشخصية العمانية المبنية على قيم السلام والانفتاح على ثقافات الشعوب دعما لمبادئ التعايش بين الجميع.
https://www.omandaily.om/ثقافة/na/مشاركة-عمانية-في-مهرجان-فاس-للموسيقى-العالمية