«نظري ضعيف.. وعندي نظارة».. تأملات في القراءة والكتب والمكتبة

عمّان – العُمانية: صدر للكاتب سليمان المعمري كتاب بعنوان «نظري ضعيف.. وعندي نظارة» ضمن منشورات الجمعية العُمانية للكُتّاب والأدباء بالتعاون مع «الآن ناشرون وموزعون» بالأردن.

يستهل المعمري كتابه الذي يقع في 120 صفحة من القطع المتوسط، بمقولة للأديب الراحل يحيى حقي جاء فيها: «يُقال فلان نظره ضعيف لأنه يقـرأ كثيرًا، كلا، العكـس هو الصحيح، فهـو يقرأ كثيرًا لأن نظره ضعيف…. وحين تتناول كتابًا وتنفض عنه التراب، فلست أنت من ينفض عنه ذاك التراب، وإنما هو من ينفض عنك التراب».

ويتضمن الكتاب وقفات ومراجعات واشتباكات مع مجموعة من الكتب من بينها: «الأدب والارتياب» لعبد الفتاح كيليطو، «فرجار الراعي» لصالح العامري، «الطيور الزجاجية» ليحيى سلام المنذري، «الجنتلمان يفضّل القضايا الخاسرة» لأحمد مجدي همام، «مذكرات سال» لسلامة العوفي، «من الفرضاني» لمحمد المحروقي، «ترويض الفِيَلة» لفيصل الحضرمي، و«سماء خضـراء» لغنية الشبيبي.

ويبدأ المعمري كتابه بمقدمة اختار لها عنوان: «ليست مقدمة.. وإنما مجرد سرد من (اللا قارئ) الأصغر»، وينهيه بخاتمة عنونها بـ«ليست خاتمة.. وإنما سـرد ليومية من يوميات قارئ المخطوطات». وفيهما يتحدث بأسلوب أدبي شيق عن علاقته بالكتب وإعارتها واستعارتها، والتعامل مع الكتاب بوصفه صديقًا، وطقوس القراءة، مستعينًا بذاكرة تحتشد بالأحداث والقراءات والمواقف المتعلقة بالكتب وبالقراءة عمومًا، كاشفًا في كل ذلك عن ثقافة عالية ومرجعية معرفية عميقة.

نقرأ في مقدمة الكتاب: «عندما كنتُ أسمع أحدًا من الأصدقاء يتحدث عن كتاب لم أقرأه كنتُ أشعر بالخجل الشديد من نفسي، ذلك الخجل الممتزج بإحباط عرمرم، فأنى لي أن ألحق بهذه القائمة الطويلة من الكتب التي لم أقرأها في ظل هذه السيول الجارفة من الكتب التي صدرت والتي ستصدر؟! ثمة من يعطيك أكبر من حجمك لمجرد أنك كاتب».

ويتابع المعمري: «أحزن كثيرًا عندما أسمع كِتابًا يُعَدُّ من أمهات الكتب ولم أقرأه بعدُ، كيف أزعم أنني أديب وأنا لم أقرأ (مدام بوفاري)، ولا (الحرب والسلام)، ولا (دون كيشوت)، ولا (البحث عن الزمن المفقود)؟!… كيف أتشدق أنني كاتب وأنا لم أقرأ (إمتاع) التوحيدي، ولا (لزوميات) المعرّي، ولا (شيفرة) دان براون».

ويواصل المعمري حديثه: «ذات يوم من شتاء 2007 جاءني طوق النجاة عن طريق رجل فرنسي لم يخطر لي على بال. إنه عزاءٌ كنتُ في أمسِّ الحاجة إليه، مفاده ألّا تحزنَنْ ولا تُحْبَطن، فالكتب أصلًا يُفترض بها ألا تُقرأ! لعل الصديق أحمد شافعي لم يكن يتوقع وهو يترجم حوارًا قصيرًا لهذا الرجل لملحق (قراءات) بجريدة عُمان مع مقتطف من الفصل الأول من كتابه، لعله لم يكن ليتوقع أن هذا الفرنسي سيؤثر كثيرًا في (لا قارئ) عُماني ممتاز.

الرجل اسمه (بيير بيارد)، يعمل أستاذًا للأدب الفرنسي في جامعة باريس، ومناسبة الحوار الذي نشرته صحيفة (نيويورك تايمز) الأمريكية صدور الترجمة الإنجليزية لكتابه (كيف تتكلم جيدًا عن كتب لم تقرأها؟)».

ويوضح المعمري أثر ذلك الكتاب فيه بقوله: «المفارقة أن كتابًا كهذا ينصح في العمق قرّاءه بعدم القراءة، صار من أكثر الكتب المقروءة في أوروبا بشكل عام، وألمانيا على وجه الخصوص، أو على الأقل هذا ما تشي به نسبة المبيعات. يعلق بيارد على ذلك متهكمًا: (هناك الكثير من اللاقراء، وقد أرادوا أن يروا شخصًا يدافع عن حقوقهم)». ويتابع بقوله: «بيارد يدافع عني وعن كثيرين من أمثالي من خلال استدعاء (اللاقارئ الأكبر) الذي لا يفتح كتابًا، وبرغم ذلك يعرف الكتب ويتكلم عنها بدون أدنى تردد».

ويشير المعمري إلى أن بيارد يرى أن معظم ما يقال عن الكتاب لا يكون عن الكتاب نفسه، وإن بدا غير ذلك، وإنما عن مجموعة أكبر من الكتب التي تقوم عليها ثقافتنا في لحظة الحديث، وعليه فإنه ليس مهمًّا معرفة محتوى الكتاب، بل موضعه، ومكانه بين الكتب الأخرى. وبحسب المعمري هذا التمييز بين محتوى الكتاب وموضعه يشكل أمرًا أساسيًّا، لأن ذلك هو ما يتيح لغير الخائفين من الثقافة أن يتكلموا دونما مشكلات في أي موضوع.

ويطبق المعمري هذا الأمر على حالته، موضحًا أنه لم يقرأ «الشراع الكبير» مثلًا، لذا فإنه لا يعرف محتوى هذا الكتاب، لكنه يعرف موضعه في الأدب العُماني، فهو «رواية تاريخية تتحدث عن كفاح العُمانيين ضد المستعمر البرتغالي في القرن السادس عشر، مستلهمة أهداف الوحدة والتكاتف والثورة ضد الاستعمار».

ويتحدث المعمري في المقدمة عن سيارته التي تشبه المكتبة، فصندوق السيارة والمقاعد الخلفية للسائق ملأى بعشرات الكتب «الضرورية»، التي يحتاج إليها في عمله الإذاعي، أو أنها سيُحتفى بها قريبًا في مؤسسة ثقافية. ويضيف: إن أهم كتب السيارة هي تلك التي يعتبرها بمرتبة «أعز الأصدقاء» الذين لا بد من مرافقتهم لك في أي مكان تذهب إليه. فـ«ثمة كتب لا يليق بها أن تظل حبيسة أرفف المكتبات، بل ينبغي أن ترى الدنيا وتتنفسَ هواء الحرية المنعش الذي لا بد أنها ستمنحه لك عند قراءتها للمرة الأولى أو الثانية أو العاشرة».

ويكتب المعمري على الغلاف الأخير للكتاب: «تقع مكتبتي في غرفة نومي. وهي عبارة عن عددٍ من الأرفُف الطّويلة العريضة التي تشغل الجانب الأيسر من الغرفة. ومع مرور الأيام امتلأت الأرفُف فزحفَت الكتب إلى الأرضيّة المجاورة لها، ثمّ أخذت تحبو كالجعلان إلى أن تسلّقت السّرير. ولا أرى هذا بالأمر السيّئ إذا ما استذكرنا تشبيه أحلام مستغانمي للكتب الجيّدة بالنّساء الجميلات، هذه نقطة. والنّقطة الأخرى أنّ العشرات يقتحمون مكتبات أصدقائهم ويستعيرون -وأحيانًا كثيرة يسرقون- ما تطاله أيديهم، لكن، مَن ذا الذي يجرؤ على اقتحام غرفة نوم المرء إلّا خاصّة الخاصّة!».

ويضيف واصفًا علاقة تلك الكتب به: «مئات الكتب تنظر إليَّ ليلًا وأنا نائم، خاصّة أنّني ممّن ينامون عادةً والمصباح مضاء (ولا دخل لـ «الفوبيا» بهذا الأمر، بل للكسل). تنظر إليّ. تتأمّلني، تتصفّحني، تقرأني من الغلاف إلى الغلاف، تستمع إلى سيمفونية شخيري من دون تأفُّف، ولا أشكّ مطلقًا أنّها تتعاون فيما بينها في الليالي الباردة لتلحفني بالملاءة».

يذكر أن المعمري أصدر سابقًا كتبًا عدة، من بينها في القصة القصيرة: «ربما لأنه رجل مهزوم»، «الأشياء أقرب مما تبدو في المرآة، قصص»، «عبد الفتاح المنغلق لا يحب التفاصيل»، وفي المقالات والنصوص: «يا عزيزي كلنا ضفادع»، وفي الرواية: «الذي لا يحب جمال عبد الناصـر»، وفي السيرة الذاتية: «كائنات الردة».
https://www.omandaily.om/ثقافة/na/نظري-ضعيف-وعندي-نظارة-تأملات-في-القراءة-والكتب-والمكتبة