العمانية: الراصد لأعمال الفنانة التشكيلية العُمانية طاهرة فداء يجد تلك الذات المخضبة بالتواصل مع الآخر؛ فهي تقترب من الإنسان بكل تجلياته وينطلق ذلك من كونها باحثة مجال اللغات؛ فالرموز في أعمالها مثيرة وغامضة، لهذا تُعيد تقديمها بشكل مرئي وملموس لإيجاد لغة جمالية منفردة.
لطاهرة فداء تجربة تفرّدت بتصاعد تطوّرها حتى المستويين المحلي والدولي وجوائز متعددة من بينها تلك التي حصلت عليها في معرض الأعمال الصغيرة لعمل تركيبي في الفراغ 2005م وجائزة المرأة للإجادة عام 2018م وجائزة مينا لأفضل “ماركة تجارية” في مجال الإبداع لعام 2019.
مراحل التجربة الفنية
هنا تتحدّث عن تلك التجربة بعد مرور حوالي عقدين ونصف العقد من الزمن، مع الخصوصية الفنية الخاصة بها وتوضح: تجربتي غنية بمعطيات كثيرة وقد مرّت بمراحل عديدة منها مرحلة التجريب ومرحلة الاختيار ومرحلة الإتقان ومرحلة الاحتراف، ولكل مرحلة جمالها وأثرها في العمل الفني الذي تراه في الوقت الراهن؛ فمرحلة التجريب كنتُ أتناول فيها أي مادة تقع في يدي أو تلفت انتباهي في المحيط والبيئة التي تحيط بنا، فرمل البحر يستهويني كثيرًا لهذا كانت لي أعمال متعددة استخدمت فيها رمل البحر والأصداف البحرية، وعرضت هذه الأعمال ما بين 1997-2007م، وساعدتني هذه التجربة في اختيار ما أريد إتقانه، ودومًا أجتهد كي أُتقن أساليب متعددة في الرسم وأتمكن من أدواتي التعبيرية مما سهّل عليّ الانتقال لمرحلة الاحتراف.
وتشير فداء: أعتقد أن الخصوصية تكمن في ذاتي كفنانة، فما هو معروض يمثل ويعكس انفعالاتي وتفاعلي مع كل ما هو ملهم ومثير، والجمهور المتذوق أيضًا يؤكد خصوصية عملي الفني بإشارة إلى عدة معطيات منها تاريخ التجربة وطريقة تعاملي مع تقنيات العمل وطريقة تنفيذها على سطح الكنفس أو اللوحة، وأخيرًا طريقة إخراجي للعمل الفني.
وحيث المدارس الفنية تفنّد علاقة الفنانة “فداء” بتلك المدارس التي دائمًا ما تكون قريبة منها في تجربتها الفنية، وتفسيرها لبروز ألوان محددة في لوحاتها الفنية وهنا تقول: دراسة هذه المدارس بالتفصيل ومعرفة تاريخها مفيد في معرفة ما الذي نود الانتماء إليه، فأنا من عشاق أعمال الفنان الروسي فاسيلي كاندنيسكي، وهو من رواد المدرسة التجريدية في القرن العشرين، فقد كنتُ أتأمل لوحاته الأصلية لساعات في متاحف أوروبا وفي كل مرة أنظر إلى اللوحة أرى شيئًا جديدًا، وقد كانت لي محاولات عديدة للاقتراب من هذه المدرسة من حيث الشكل والموضوع، لهذا تجد تأثيرات الأشكال الهندسية في أعمالي الفنية وبالأخص الدوائر والمثلثات والخطوط المحددة وبعض تأثيرات المدرسة التكعيبية أيضًا، وهي محاولات مني لإسقاط الجانب المادي للموضوع والتركيز على الروحية في العمل الفني، لكنني لم أكن أود أن أصبح النسخة العربية من كاندنيسكي لهذا كنتُ أبحث عن هويتي وبصمتي العُمانية كي أجعلها طاغية على العمل الفني، لهذا قد أنتمي إلى المدرسة التعبيرية في التركيز على ذاتي ومشاعري وانفعالاتي وأحاول أن أغيّر معالم الواقع ومقاييسه وأقوم بتطويع كل شيء حولي لإيصال الأحاسيس عبر اللوحة الفنية، وما هو جميل في هذا أنك تختار ما يستهويك لأن هذه المدارس ظهرت في حقبة زمنية معيّنة وتحت ظروف اجتماعية واقتصادية مختلفة وأصبحت إرثًا يمكن الاستفادة منه.
الفن يعالج القضايا
وتقترب الفنانة طاهرة فداء لتوضح كيف يمكن للفن التشكيلي أن يكون معالجًا لبعض القضايا الإنسانية والاجتماعية، وتؤكد: التجارب الفنية حول العالم أثبتت أنها قادرة على تناول القضايا الاجتماعية والإنسانية بشكل واضح أو مجرد، وربما الفن المفاهيمي كان الأقدر على ذلك وإن لم يعالجها بالمفهوم الحرفي يستطيع تسليط الضوء عليها، وبشكل شخصي أرى أن للأفلام القصيرة تأثيرا أسرع على الملتقي لمعالجة قضية اجتماعية معيّنة مثل انتشار الباحثين عن عمل وانتظار الوظيفة الممتازة للالتحاق بالعمل. وقد لفت انتباهي فيلم عُماني قصير لقدرته على إيصال الفكرة للشباب الخريج ومحاولته الناجعة لحل القضية، ومن هذا اللقاء أشجّع الشباب ليكون مبدعًا مبتكرًا وألا يدع العوائق أمام طريقه للوصول إلى هدفه؛ فالإبداع والابتكار مصدران مهمان لأي عمل سواء كان فنيًّا أو روتينيًّا.
الدراسة تصقل الموهبة
وحول تأثير الدراسة الأكاديمية في صقل الموهبة الفنية التشكيلية لدى الفنان، حيث تجربة فداء في هذا الجانب، تقول: الدراسة الأكاديمية تمدك بالمعلومات اللازمة التي تسهم في تقصير المسافات للوصول إلى هدف معيّن؛ فالفنان المتعلم يستطيع أن يميّز بين ما هو فعّال ومثير وما دون غيره، وأن يوظف هذا لصالحه. لا يمكن إنكار دور الثراء المعرفي والبصري في صقل الموهبة، وما كان يميز تجربتي الأكاديمية هو وجود طلبة فنانين من مختلف دول العالم مثل لبنان واليونان والصين وبريطانيا، وهذا التلاقي كان يثري التجربة بحد ذاته ناهيك عن الجلسات النقاشية التي كانت تتسم بالحوار المنطقي البنّاء لمناقشة قضايا فنية وتكنيكية، وأذكر في أحد اللقاءات أننا تناقشنا عن موضوع تناول اللباس الإسلامي في العمل الفني وقام الطلبة بعرض أعمال فنية تناولت موضوع اللباس الإسلامي لفنانين مخضرمين قد عرضوها في محافل دولية، وقد تعلّمت الكثير من هذا النقاش وتعرّفت على أعمال فنانين لم أكن قد سمعت عنهم من قبل مما شجّعني على البحث والتقصي والاستفادة من هذا البحث في عرض مشروعي الفني للتخرج، وهذه الأجواء الفنية هي التي نفتقدها حاليًّا، فوجود الفنان في بيئة غنية مثقفة ومحفزة مهم جدًا لإثراء تجربته وتميزها. ولا أنكر أني أحب لحظات الوحدة في الاستوديو الخاص بي فهي تسهم في تركيزي لإنتاج أعمالي الفنية لكن للأسف أفتقد بيئة الحوار البنّاء، وحاليًّا أجد بعض الفنانين العُمانيين يتّجهون لأخذ الدورات والحلقات التعليمية داخل سلطنة عُمان أو خارجها وأتمنى أن تكون تجربتهم مفيدة ومثمرة.
عودة المعارض
الساحة الفنية التشكيلية بعد كورونا تراها طاهرة فداء بشكل مختلف نوعًا ما وتتحدّث عن المؤمل منها مستقبلًا، وتشير بقولها: أجد في الساحة محاولة للرجوع بقوة؛ فالمعارض أصبحت تعج بالزوار والفنانون لديهم تعطش لعرض المزيد، وأنا حاليًّا أستعد للمعارض القادمة وكلي أمل بأن أقترب من الجمهور في عدة محافل فنية وأن أحظى بلقاء الأحبة من كل بقاع العالم.
أخيرا تتحدث “فداء” عن المهارات الحرفية التي يمكن الاستفادة منها بجانب الفن التشكيلي ولها رؤية خاصة في ذلك مع الكيفية التي يمكن للفنان أن يكون مسوّقًا ناجحًا لأعماله، وهنا تقول: الفنان متعدد المواهب يستطيع أن يوظّف إمكاناته في العمل الفني، وإتقاني لفن صناعة الزهور من السيراميك في بداية شبابي وبالتحديد في المدرسة ساعدني في اختيار المواد الملائمة لعمل الفن البارز والغائر، فلديّ القدرة على مزج المواد المختلفة لإنتاج أعمال ثلاثية الأبعاد، وفيما يتعلّق بالتسويق للأعمال الفنية أرى أنه يجب أن يكون من مهمات صالات العرض وليس الفنان نفسه، فعلى الفنان الإنتاج ويجب أن يكون التسويق مهمة التاجر أو موظف في قسم التسويق، وحاليًّا ما يحدث في الساحة هو البيع عن طريق العلاقات الشخصية بغض النظر عن جودة العمل الفني وتجربة الفنان نفسه، لهذا أتمنى أن تكون لدينا صالات عرض متخصصة تسهم في تنشيط هذا الجانب.
https://www.omandaily.om/ثقافة/na/التشكيلية-طاهرة-فداء-التجارب-الفنية-أثبتت-قدرتها-على-تناول-القضايا-الإنسانية