أسئلة عن الوطن والحنين للذكريات تطرحها لوحة

حاورتها – بشاير السليمية
تجلس عذاري في المقهى بصحبة كتابها، ولم أكن قد رأيتها من قبل. صديقتها قالت لي: «فتاة تلبس الأخضر وتجلس وحدها على الطاولة الأخيرة في الصف». التقينا وسرنا معا نحو لوحتها التي جئت للحديث عنها، فتفاجأنا أنها لم تعد معلقة هناك. بدت الفتاة كمن أضاع فجأة الضوء من يده في حضرة الظلام، فدخلتْ باحثة بين الأروقة بشكل لم يمكنني من اللحاق بها، حتى عادت حاملة لوحتها فكان هذا الحديث عن لوحتها التي رسمتها قبل أسبوع من بدء معرض مسقط الدولي للكتاب.

سألتها في البدء عن رحلة اللوحة إلى المعرض. فأشارت أنها لم ترسمها لغرض عرضها فيه، ومعرض مسقط الدولي للكتاب هو المكان الأول لعرضها، حيث لم قط من قبل. وقالت: «سفراء الفن الذين أنتمي إليهم يدعمونني دائمًا من أجل الظهور ويشجعونني على عرض لوحاتي كما شجعوني على عرض هذه اللوحة هذه المرة، فجلبتها إلى هنا قبل المعرض.

وعما تريد قوله من خلال اللوحات قالت: «لوحاتي عبارة عن «عذاري»، فأنا أسقط مشاعري وصراعاتي على اللوحة والأعمال الفنية التي أشتغل عليها، ومن أجل ذلك نادرًا ما أشارك لوحاتي مع الآخرين والعامة، أشعر أنها تمثلني أنا، وعندما يشاهدها الناس قد يقولون لماذا رسمتِ هكذا؟! أو يفهمونها بشكل يختلف عما قصدت.

ونحن نحاول تعليق اللوحة بشكل مستقيم سألتها عن الفكرة التي حاولت إسقاطها عبر هذه اللوحة، فقالت: «الفكرة هي صراعاتي وشعوري تجاه الأشياء التي أصادفها وأتعرض لها في حياتي اليومية، وهي سلسلة مستمرة أشتغل عليها دائما أسميتها «سلسلة وطن»، وتعكس تساؤلاتي حول الوطن، ودائما ما تأتي عبارة عبد اللطيف بن يوسف في ذهني عندما قال: «الوطن صرخة في الضلوع وليس جغرافيا»، فالوطن أبعد وأعمق من ذلك. والوطن قد يكون منزلا، قد يكون شخصا، وقد يكون عائلة، وقد يكون أنت، داخلك الذي هو وطنك».

وتابعت: «هذه اللوحة صراع وحنين وذكريات قديمة جدا، نحن نركض دائما وراء ذكرياتنا، ووراء كل ما نرتبط به ارتباطا وثيقا، وهذا التعلق بهذه الأشياء يسلب منا الإحساس بجمال ومتعة الأشياء التي نملكها الآن، وما أردت قوله إن وطن الأمس ليس وطن اليوم، فكل ما واجهته من صراعات وجودية في حياتي والتي تمثل الحنين للوطن الأول والمكان الأول والشيء الأول الذي أحببت وكبرت معه، هو محل سؤال يتردد في ذهني دائما».

قلت لها: إن هناك من قال عن اللوحة أنها تعبر عن اللاجئين، وهناك من ذكرتهم ببيوتهم التي تركوها عند إنشاء خط الباطنة الساحلي، ما الأقرب بالنسبة لك؟ فقالت: «بالنسبة لي الحنين للوطن والذكريات القديمة» وفي حديثها أشارت إلى لوحة أخرى كانت قد رسمتها ضمن ذات السلسلة ينام فيها الرجل حاضنا بيته الصغير ودموعه نهر جار، وقالت: «كل هذا يحمل الفلسفة نفسها التي أحملها في داخلي».

فانتقلنا للرجل هذه المرة وسألتها: أعطيتي الرجل في اللوحة هوية مع أنه كان يمكن أن يكون مجهولا، هل أردتِ أن ترمزي بذلك لشيء معين؟ فأجابت: «عندما رمزت للعماني شعرت أنه من الممكن أن يكون للوحة تأثير أكبر، لكنني عندما أبدأ بالرسم لا أخطط للأمور، واللوحة تتشكل تدريجيا بناء على مشاعري الداخلية التي أحاول إعطاءها للعمل، فبدأت بالوجه وبعدها عندما عمّنته شعرت أن ذلك أقرب للشيء الذي بداخلي».

وأضافت: «ليس شرطًا أن أعرّف أعمالي بالهوية العمانية، ولكنها كانت الأقرب لمشاعري، ويسألني البعض لماذا الرجل دائما وليس المرأة التي تحضن بيتا، أنا أكتب دائما بصيغة المذكر، لأنها تشعرني بالحياد واللاشيء وكل شيء دون الوقوف عند جنس معين».

وأنا أشير إلى الضوء الفوسفوري المائل إلى الأصفر الذي يغمر اللوحة رغم رماديتها قالت عذاري: «أرمز بالضوء دائما للوقت والمستقبل والأشياء القادمة، الأبيض والأسود يرمز للماضي، لكن الضوء واللون للمستقبل ودلالة الحاضر، والنظر للضوء أمر مهم حتى نخرج من الظلام والانغلاق ومتاهات الصراعات، لكن رؤيتنا للضوء المنتظر في الأيام القادمة وانتباهنا له في هذه اللحظة الراهنة أمر مهم».

وأضافت: «هذه اللوحة رسالة أوجهها لنفسي بألا أرتبط بالماضي والأمور السوداوية وإنما الإمساك بالضوء واللون والارتباط به».

وفي الحديث عن الشعور الآخذ في الأسى والحسرة الذي يمنحنا إياه التبادل في الأحجام، إذ الرجل أكبر من البيت والدمعة أكبر من العين. قالت: «البيت لم يعد يحتويه، وهو كبر على بيته، والبيت لم يعد يتقبل الشخص الذي صاره اليوم، فحزنه أكبر من مجرد أنه فقد البيت والحضن الدافئ والملجأ الوحيد، وعلى الرغم من تمسكه به ما زال يؤذيه». وتابعت: «انحناءة الرأس وميلانه تدل على الانكسار، والحزن وكبر الرأس تشير إلى الثقل الذي سببه الحزن الذي يؤدي إلى هذا الميلان والانكسار».
https://www.omandaily.om/ثقافة/na/أسئلة-عن-الوطن-والحنين-للذكريات-تطرحها-لوحة