الموسيقار العالمي عمر خيرت لـ « عمان »: البيانو الصديق المهم في حياتي ويعيش معي طوال عمري

حاوره – عامر بن عبدالله الأنصاري

ساعتان من الموسيقى حملتنا في مركب خيالي جاب بحور الموسيقى، رحلة كان ربانها الموسيقار العالمي عمر خيرت، لم تكن الساعتان كافيتين لإشباع الذوق والآذان المتعطشة لأنغام البيانو أولا، والآلات الموسيقية الأخرى ثانيا، ساعتان قدم خلالها الموسيقار المصري عمر خيرت 20 معزوفة موسيقية، ليعود في الذكريات الفنية قديما، سابحا عبر أصابعه التي تنسال على البيانو في بحر الزمن الجميل الممتد لأكثر من 55 عاما من العطاء الفني الجميل.

وعلى خشبة دار الأوبرا السلطانية، كانت تلك الليلة استثنائية، يوم الخميس الموافق 24 فبراير، ليلة تركت وراءها انطباعا لا زال يغدق بالعطاء الرائع والأنغام العالقة بالذهن والمشاهد التي لا يمكن أن تنسى، بداية بدخول الموسيقيين المصريين ومعهم موسيقيو الأوركسترا السيمفونية السلطانية العمانية، وبعدها دخول الموسيقار الكبير عمر خيرت برفقة قائد الأوركسترا ناير ناجي جميل.

انتهزت «عمان» فرصة وجود الموسيقار عمر خيرت في العاصمة مسقط، فكان معه هذا الحوار الذي جرى عبر الاتصال الهاتفي، وفتح فيه قلبه للحديث معنا بروحه العفوية المرحة التي تكسر حاجز الرهبة من الحديث مع فنان كبير ذي مسيرة فنية تناهز الـ55 عاما، وتكسر حاجز الشك من مستوى الأسئلة المطروحة والتي قد لا ترقى لتاريخ فني زاهر بالأحداث والفعاليات والجوائز والمحطات التي امتدت نحو العالمية، ليخرج فكان هذا الحوار الذي جاء قبيل الإعداد لليوم الثاني من حفلته بدار الأوبرا، فانطلق بقوله عن الاستعدادات ضاحكا «زي إمبارح»، وهكذا توالت الإجابات والأسئلة بروح عفوية، فتابع قائلا:

الأوبرا السلطانية جميلة وجمهورها جميل، والأوركسترا السيمفونية السلطانية العمانية جميلة جدا، وقد شاركتهم منذ زمن طويل جدا، أول ما تكونت أوركسترا، وكان أعضاؤها صغارا حينها وذلك في التسعينيات، حيث قدمت حفلة موسيقية في مسرح فندق قصر البستان، وذلك قبل إنشاء دار الأوبرا السلطانية بفترة طويلة، واليوم تعتبر دار الأوبرا السلطانية من أجمل دور الأوبرا على مستوى العالم، ونحن كفنانين عرب سعداء بأن يكون هذا الصرح الأوبرالي في بلد عربي وفي سلطنة عمان تحديدا، وأعضاء الأوركسترا السمفونية السلطانية يملكون مهارات عالية في الأداء وهم أشخاص محبون للموسيقى ولما يقدمونه من فن، وقد قدموا معنا العمل الخميس الفائت بمنتهى الحب.

أنت من مواليد حي السيدة زينب، هذا الحي الذي يترنم على أوتار الأفئدة وله روحانية خاصة لدى المصريين وغيرهم، كيف أثرت عليك النشأة في السيدة زينب؟

حي السيدة زينب حي مهم جدا ويعتبر حيًا شعبيًا ذا طقوس جميلة مستمدة من جامع السيدة زينب وما يحصل من زيارات للجامع، منذ زمن طويل، وكنا أنا وأمي وجدتي نذهب لقراءة الفاتحة هناك للسيدة زينب التي تعد من آل البيت، وكان منزلنا هناك في شارع يسمى شارع «خيرت» نسبة إلى جدي الأكبر، وكان جدي محمود خيرت رجلا محاميا وفنانا متعدد المواهب والثقافات، فكان أديبا وشاعرا، وكان منزلنا في شارع خيرت بيتًا كبيرًا، ويزوره أئمة الفنون في ذلك العصر، قبل أن أولد، وأنا ولدت في هذا البيت الذي تعد فيه الثقافة مهمة جدا وحاضرة بقوة والفن كذلك، ومما يُذكر أن الفنان الشعبي سيد درويش والفنانة أم كلثوم ومحمد عبدالوهاب كانت لهم زيارات إلى بيت جدي، فكان البيت عبارة عن صالون ثقافي وفني يقام كل أسبوع…

كيف تصف علاقتك مع البيانو؟

البيانو هو صديقي المهم جدا في حياتي، الصديق الذي أرعاه والذي يقف معي أثناء تدريبي، فهو الصديق الذي يرافقني وأرافقه دائما، وأنا أحب هذه الآلة الموسيقية حبا شديدا، فمنذ أن كنت طفلا تعرفت على البيانو، فعاشت معي الآلة طوال عمري إلى الآن.

خلال مسيرتك الفنية، كم آلة بيانو استعملتها؟

البيانو الذي تعلمت عليه كان ملكا لجدي في بداية تعرفي على الآلة، وبعد وفاة عمي «أبوبكر خيرت» آلت ملكية البيانو الخاصة به إليَّ، وهو بيانو من نوع «بلييل» فرنسي الصنع، وعمي «أبوبكر خيرت» هو المؤسس لمعهد الكونسرفاتوار المصري للموسيقى، وقد درس في فرنسا وكان يجمع النقود التي يبعثها له والده لشراء البيانو، وظل هذا البيانو موجودًا معي إلى اليوم في بيتي، ومؤخرا اشتريت بيانو آخر، وهو بيانو فاخر يسمى بـ «فازيوليا».

يقال إن الموسيقى شفاء، كيف تفسر ذلك ؟

شفاء للوجدان والنفوس، الموسيقى علاج لكثير من الأمراض، ليس فقط لدى الإنسان، بل كذلك النباتات والحيوانات، فقد أثبتت التجارب العلمية تأثير الموسيقى على النباتات أثناء النمو، وكذلك على الأبقار حين إدرارها للحليب، حيث تكثر الكمية أثناء سماع الموسيقى إذ تشعر البقرة بالراحة والاسترخاء، ويكفي أن الإنسان يحب الموسيقى، وهناك أشخاص لا يمكنهم العيش بدون موسيقى مثل حالتي، الموسيقى لها تأثير مباشر على وجدان الإنسان ومشاعره وحواسه، حاسة السمع في منتهى الأهمية، وقد ذكر السمع في القرآن قبل البصر، والموسيقى تتعامل مع هذه الحاسة.

ما هي رسالة الموسيقي التي تقولها من غير حديث؟

الأنغام الموسيقية هي لغة لتوصيل رسائل كثيرة، والمؤلفون الموسيقيون بما يملكون من موهبة يحملون للعالم رسالة وهدفًا، ومن أبرز رسائل الموسيقى إسعاد الناس وراحتهم، هذه الرسالة التي تعود على الموسيقي بجائزة كبيرة وهي حب الناس، سواء حب الناس للموسيقي ذاته أو لأعماله الفنية، بالتالي رسالة الموسيقي نشر الحب.

دائما ما ينتقد الفنانون الكبار من الجيل القديم فناني الجيل الحالي، هل ينتقد عمر خيرت فناني الجيل الجديد؟

أي شخص حباه الله موهبة، سواء يغني أو يعزف أو يؤلف موسيقى، لا بد أن يكون على أسس علمية، وذلك بعد وجود الموهبة، لكي يصل إلى آفاق واسعة مثل ما حدث مع فناني الجيل القديم، مع أن الأجيال القديمة يعتبرون رواد الفن الكلاسيكي القديم إلا أنهم يعيشون بأعمالهم إلى اليوم، وسبب ذلك أنه كانت لديهم أصول وفهم وحب للعمل الموسيقي واستخدام الموهبة لخير البشرية، لذلك أعمالهم تعيش، وما ألاحظه في الوقت الحالي أن الأعمال تظهر بقوة، وبعدها بشهر أو شهرين تختفي، وتتكرر بعدها العملية مع آخرين، لذلك أرى أن الاستمرارية في تحقيق نجاح العمل أمر مهم جدا، وأن يعيش العمل لمدة طويلة كذلك أمر مهم جدا، ولا يتأتى ذلك إلا من خلال الإخلاص والأصالة والصدق والأسس الحقيقية، لذلك على الشباب أن ينتبهوا لذلك في تقديم أعمالهم الفنية، الفن ليس شهرة أومجرد طريق للحصول على المال، الموضوع أكبر من ذلك.

شاركت معك في الحفلة الرائعة يوم الخميس 24 فبراير والجمعة 25 الاوركسترا السمفونية السلطانية العمانية، كيف تصف هذه الأوركسترا؟

كما أشرت بداية أن مستوى الأوركسترا رفيع جدا، وحقيقة معجب جدا باهتمام سلطنة عمان بالثقافة والفن والموسيقى بالذات، لأنه كما قلت لك أن دار الأوبرا السلطانية مسقط من أجمل الدور الأوبرالية في العالم بجميع المقاييس، كما أنني معجب باهتمام سلطنة عمان بإنشاء أوركسترا، وهذا شيء يحسب لسلطنة عمان، كل هذا يزيد من محبتي وتقديري لها، والتي أقمت فيها 5 حفلات، فقدمت حفلتين متتاليتين بدار الأوبرا السلطانية في عام 2012 بداية افتتاح الدار، وفي عام 2015 قدمت على خشبة الدار حفلة واحدة، والحفلة الرابعة كانت الخميس الفائت، ونحن الآن على استعداد لتقديم الحفلة الخامسة -أقيمت يوم الجمعة الموافق 25 فبراير- إضافة إلى تقديم حفلة كما ذكرت بداية في عام 1992 قبل افتتاح الأوبرا السلطانية بزمن.

وأنا أحب عمان وأحب الناس الذين يعيشون فيها، فلديهم حس جميل وخلق رفيع وهم شعب جميل.

هناك حديث متكرر وطويل أن الجوائز الفنية إنما هي زيادة في المسؤولية وتحتم على الفنان تقديم المزيد، كيف يُعِّرف الفنان عمر خيرت الجوائز الفنية؟

الجوائز كما قلتَ، تزيد من المسؤولية على الفنان، كما أن الجوائز هي تكريم للفنان، وتزيده رفعة، وإحساسًا بأنه قدم شيئا خلال مسيرته الفنية، وبذلك يزيد من مسؤولية الفنان أمام جمهوره ليكون عند حسن ظنهم دائما، ويبقى في المقام الأول حب الجمهور هو الجائزة الكبرى التي تُسعد الفنان، وهي الجائزة التي يتحصل عليها الفنان بعد كل حفلة مباشرة.

لو لم تكن من أسرة فنية، هل تعتقد أنك ستكون فنانا عالميا اليوم؟

لم أفكر بهذا الموضوع من قبل، أنا اقدم ما عليّ تقديمه بصورة ترضيني لترضي جمهوري، وهكذا، والذي يأتي به الله جميل، وقد قدمت في أوروبا العديد من الحفلات، وفي بلدان كثيرة حول العالم وشاركت معي أوركسترات عالمية، وحقيقة هذه الأشياء تأتي من عمل الإنسان نفسه، فلا يجب أن يسعى الإنسان للعالمية لأجل العالمية فقط، بل يجب أن يسعى الإنسان لتجويد عمله وتقديمه بالصورة الصحيحة، وبذلك يمكنني القول إن العمل إذا وصل للناس فإنه بذلك دخل العالمية، وعن أعمالي التي أقدمها تأتيني انطباعات الاستحسان من الأجانب الذين يحضرون لحفلاتي، أنا شخصيا لا أسعى وراء موضوع العالمية، العالمية تأتي لوحدها من خلال شغلك الحقيقي، لذلك حينما يُطلب مني تقديم حفلة في الخارج أذهب لها، وهناك أمر أشعرني بأنني فنان عالمي، وهو عندما دُعيت لإقامة حفلة في سلوفينيا في عام 2008 وذلك بحفل تسليم جائزة الاتحاد الأوروبي لفرنسا، واعتبر تلك الدعوة تكريما وجائزة لي كفنان عربي، وكانت الحفلة برفقة اثنين من الأوركسترا العالمية، وكان عدد العازفين حوالي 120 عازفا.

أثناء حضورنا للحفل، لاحظ الحضور مغادرتك للمسرح أثناء تقديم إحدى المعزوفات، هل يعتبر ذلك برتوكولا فنيا أم أن الأسباب أخرى؟

صحيح، خرجت من المسرح لأنني لا أعزف في تلك المقطوعة الموسيقية، فبدلا من جلوسي بدون عمل خرجت حتى انتهاء المعزوفة، وهو ليس بروتوكولا فنيا، فأحيانا أخرج وأحيانا أجلس، والمقطوعة لا تزيد عن 3 دقائق، وفي وصلة موسيقية أخرى كما لاحظت في الحفل، وكانت فقرة «صولوا كمان» قدمها العازف العماني سيف الكعبي، أنا لم أعزف بهذه الوصلة، ولكني جلست في مكان الكعبي، وبالمناسبة الفنان سيف الكعبي رجل ممتاز وفنان جميل.

…………………………………..

بهذه العجالة من الأسئلة انتهى الحوار الذي تمنيت لو أنه طال أكثر، وتمنيت لو أنه كان مباشرا لولا الحرص على تطبيق قواعد السلامة في ظل تفشي فيروس كورونا الذي بدأ يخفت.
https://www.omandaily.om/ثقافة/na/الموسيقار-العالمي-عمر-خيرت-ل-عمان-البيانو-الصديق-المهم-في-حياتي-ويعيش-معي-طوال-عمري