الملتقى العماني الأول لصُناع الإعلام يطرح دور التقنية الحديثة ووسائل التطوير

عمان – عامر الأنصاري – بشاير السليمية
بمشاركة عدد من الإعلاميين العرب

انطلقت اليوم الأربعاء فعاليات الملتقى العماني لصُنَّاع الإعلام في دورته الأولى، والذي نظمته جمعية الصحفيين العمانية بالتعاون مع مؤسسة الرؤية للإعلام، وحمل الملتقى هذا العام عنوان “الإعلام الرقمي وفرص التطوير”.

وانطلق الملتقى -الذي أقيم على المسرح ملحق بمبنى جمعية الصحفيين العمانية- برعاية المكرم الشيخ عبدالله بن شوين الحوسني عضو مجلس الدولة رئيس اللجنة العمانية لحقوق الانسان، الذي قال في تصريح لوسائل الإعلام: “ساحة الإعلام الرقمي يمكن القول إنها ساحة جديدة ومهمة ومتجددة ومتطورة، مما يعني أنه على عاتقنا جميعا هذه المسؤولية في تطوير وسائل الإعلام، وكما قيل إن الإعلام التقليدي يبقى كذلك مهما ومطلوبا، ولكن الظرف الحالي يتطلب منا أن نُهَيئ المزيد من المناخ المناسب التي تُمكن صناع الإعلام من أداء مهمتهم، لا شك أن تطور الإعلام الرقمي متلاحقٌ ومتواصل وعلى مدار الساعة، ولذلك نحن بحاجة دائما إلى مثل هذه الملتقيات والمؤتمرات لكي نسلط الضوء على هذا المجال”.

نمط إعلامي جديد

وفي بداية الانطلاق قدم الدكتور محمد بن مبارك العريمي رئيس جمعية الصحفيين الكلمة الترحيبية، وجاء فيها: “لقد أفرزت ثورة تكنولوجيا الاتصالات نمطاً إعلامياً جديداً يختلف في مفهومه وسماته وخصائصه و وسائله عن الأنماط الإعلامية التقليدية، إذ أوجد ظهور وسائل التواصل الاجتماعي قنوات للبث المباشر من جمهورها في تطور يغير من جوهر نظريات الاتصال المعروفة، ويوقف احتكار صناعة الرسالة الإعلامية لينقلها إلى مدىً أوسع وأكثر شمولية، وبقدرة تأثيرية وتفاعلية لم يتصوّرها خبراء الاتصال.. ويُعرّف المختصون وخبراء الاتصال الإعلام الرقمي بأنه الإعلام الذي يستخدم كافة الوسائل الاتصالية المتاحة للوصول إلى الجمهور أينما كان وكيفما يريد.. لقد حقق الإعلام الرقمي اكتساحاً كبيراً، وفرض سيادة قوية من حيث الانتشار، واختراق كافة الحواجز.. ومع ما حققه الإعلام الجديد أو الإعلام الرقمي من نجاحات عظيمة وقفزات هائلة إلا أنه بلا شك يواجه العديد من التحديات والمعوقات التي تقف أمامه منها ما يتعلق بالدعم والتمويل، ومنها ما يخص القوانين والتشريعات التي تنظم عمله وأداءه، ومنها ما يرتبط بالقدرة على توفير الوسائل والأجهزة التي تساعد على تنفيذ رسائله ومحتواه، ناهيك عن قلة الكفاءات والخبرات الاحترافية القادرة على التعامل مع هذا الإعلام الجديد و الإبداع فيه”.

فصل الإنترنت الأول

بعدها قدم المكرم حاتم بن حمد الطائي بيان الملتقى الترحيبي، فقال في البيان الارتجالي: “أروي لكم قصة حمدان، هذا الشاب الذي قابلني في عام 2017 مشيدا بجريدة الرؤية وتوجهها في الطرح، إلا أنه كان يضطر للمشي لمسافة كيلو ونصف للذهاب إلى المحطة التي توفر الجريدة، لأن المحطة القريبة منه لم تعد توفرها، اليوم لا حمدان ولا أنا ولا الكثير منا يذهب لشراء الجريدة لأنها تصله عبر شاشته”.

وتابع المكرم: “هنا نتحدث عن نتيجة ثورة الإنترنت التي لا زلنا في فصلها الأول، علينا أن نواكب هذا الفضاء، ونحن مقبلون على تقنيات أكثر تطورا مع وصول الـ 5G وعلينا أن نواكبها بكل ما فيها، فنحن جزء من هذا العالم، وأن نكون مدركين لإيجابياته وسلبياتهم، وفي مجال الإعلام الذي وجد طريقا نحو ثورة الإنترنت، فشكل إعلامًا بصورة حديثة خلال السنوات العشرين الماضية، سمي بالإعلام الحديث، أو التقني، أو السيبراني، أو غيرها من الأسماء، وأتاح هذه الثورة مساحة للجمهور والمجتمع أن يقدم نفسه للعالم، لم يعد البث المباشر حكرا على الإعلام التقليدي، إلا أن هناك من السلبيات الكثير والإيجابيات كذلك، من سلبياته انتشار الأخبار الكاذبة، وذلك ما لا يوجد في الإعلام التقليدي الذي تميز بالمصداقية”.

وتطرق المكرم حاتم الطائي إلى موضوع تأثر الإعلام التقليدي بالإعلام الحديث، ضاربا عددا من الأمثلة، منها صحيفة “نيويورك تايمز” التي اقتربت من الخسارة والإفلاس لولا تداركها وخوضها في المجال التقني، بداية بشكل مجاني، ثم باشتراك رمزي، فحققت اليوم من إيرادات الاشتراكات حوالي441 مليون دولار بالسنة، وهذا مبلغ يغطي بشكل مضاعف الاشتراكات القديمة الورقية وتراجع الإعلانات، كما ضرب مثالا آخر بصحيفة “الجارديان” والتي فتحت نافذة للتبرع لها من قبل المتابعين، ووضعت شرط التبرع بأي مبلغ كان لمواصلة التصفح، وتسائل المكرم حاتم الطائي: “ماذا لو وضعت الصحف العمانية شرط الاشتراك بخدماتها الإلكترونية مقابل ريال واحد عن كل مشترك بالسنة؟!” في إشارة منه أن ذلك قد يُحدث نقلة نوعية.

واختتم حديثه قائلا: “فكرتي أن نخرج من فكرة الصراع بين الإعلام التقليدي والإعلام الحديث، ويجب علينا أن نكون جزءا من المستقبل، وهنا في هذا الملتقى نحاول التركيز على مواطن القوة والضعف والتجارب في توظيف الثورة التقنية لخدمة الإعلام والمهنية الإعلامية ذات القيم والمبادئ في المقام الأول، والرسالة الهادفة، ثم بعد ذلك تأتي أولوية الربحية”.

وبعد البيان الترحيبي قدم الصحفي البحريني غسان الشهابي الكلمة الرئيسية، مؤكدا خلالها أن المحتوى الإعلامي يجب أن يكون نصب عين المؤسسات الإعلامية والإعلاميين أنفسهم، وعلى الجميع الاهتمام بصناعة محتوى يهم المتلقي بدلا من التقليد، كما تطرق لموضوع النظرة الدونية لبعض أفراد المجتمع ناحية الإعلام التقليدي، فيكرر البعض عبارة “كلام جرائد” كنوع من التهكم والسخرية، في إشارة إلى أن هذه نتيجة تقديم المحتوى الهزلي والمتكرر، مؤكدا أن المحتوى الجيد هو ما يصنع الوعي المجتمعي.

كما أشار في حديثه أن القوالب الإعلامية اليوم تعددت مع تعدد الوسائل، فما كان سابقا يصاغ على ثلاثة قوالب تقليدية “التلفزيون، الإذاعة، الصحافة” أصبح اليوم يصاغ على قوالب أخرى متعددة، فكل وسيلة تواصل اجتماعية لها قالب يختلف عن الآخر.

المحور الأول

وضم الملتقى محورين رئيسيين، المحور الأول احتوى على ورقتي عمل، الأولى “معايير ضبط بوصلة الأداء الإعلامي الرقمي” قدمها الدكتور عبيد بن سعيد الشقصي، والورقة الثانية بعنوان “تجربة وزارة الإعلام في المنصات الإلكترونية الإعلامية (منصة عين)” قدمتها منى بنت سليمان الكندية من المديرية العامة للإعلام الإلكتروني بوزارة الإعلام، وبعد الورقتين عقد جلسة حوارية شارك فيها كل من الدكتور عبيد الشقصي، والإعلامي موسى الفرعي، ومنى الكندية، الصحفي البحريني غسان الشهابي أدارها الإعلامي الدكتور المعتصم المعمري.

وأشار الدكتور عبيد الشقصي في ورقته إلى أن معايير الإعلام الرقمي تختلف عن معايير الإعلام التقليدي، فمعايير الإعلام التقليدي يمكن قياسها من خلال أرقام التوزيع أو أعداد المتعرضين للوسيلة الإعلامية، ونسبة الاستحواذ على السوق الإعلاني، وأعداد المشتركين في الوسيلة الإعلامية.

الأمر الذي يعتبر مختلفا على الإعلام الرقمي الذي يقاس من خلال عوامل عديدة أبرزها التفاعل المباشر.

كما أشار إلى التحولات الرقمية والتطورات الإعلامية التي عدة أمور، منها دخول الإعلام الرقمي كمنافس قوي لمؤسسات الإعلام التقليدي، وتوفر مواد إعلامية نصية وسمعية ومرئية عبر المنصات المفتوحة، وتنامي دور المواطن كوسيط إعلامي غير مؤسسي، وتعدد الخيارات المتاحة من حيث نوع الوسائل الإعلامية، والسرعة في إنتاج المحتوى الإعلامي، إلى جانب العديد من المحاور التي تطرق لها الدكتور عبيد الشقصي.

من ناحيتها قدمت منى الكندية ورقتها، وأشارت إلى جهود إنشاء منصة عين، أبرز ما تحويه المنصة وأهداف إنشائها المتمثلة بتعزيز حضور الإعلام الرقمي العماني من خلال مواكبة المستجدات في عالم المنصات الإلكترونية، وتجذير الهوية والثقافة الرقمية العمانية من خلال تقديم محتوى عماني رصين، ودعم صناع المحتوى العمانيين عبر استضافة محتواهم الإلكتروني، كما تأتي المنصة تماشيا مع رؤية عمان 2040 والتحول الرقمي ودعم صناعة الفنون الابداعية والارتقاء بصناعة المحتوى الإلكتروني. وإلى جانب ذلك تحدثت الكندية عن العديد من مميزات منصة عين.

مواجهة الخلل المعلوماتي

أكد الأستاذ أحمد عصمت استشاري تكنولوجيا الإعلام والأستاذ المحاضر في الجامعة الأمريكية بالقاهرة ومؤسس منتدى الإسكندرية للإعلام على ضرورة الاهتمام بالتربية الإعلامية في مراحل التعليم المختلفة، وذلك في ورقة العمل التي قدمها ضمن المحور الثاني من الملتقى والتي حملت عنوان “شبكات التواصل الاجتماعي ومواجهة الخلل المعلوماتي”، مشيرا إلى أن على الحكومات تقنين وضع العمل التكنولوجي بشكل حاسم يتوافق مع التسارع التكنولوجي، وأن عليها إلى جانب الجامعات ومنظمات المجتمع المدني التقارب من أجل بناء سياسات واضحة للتعامل مع القضايا التكنولوجية الراهنة ومنها تقنيات الذكاء الاصطناعي، إضافة إلى ضرورة استغلال الوسائل التعليمية الحديثة مثل الـ gamification وضرورة سن قوانين تتيح حرية تداول المعلومات والبيانات بما يتلاءم مع العصر الحديث، وتدريب وتأهيل العاملين في حقل الصحافة والإعلام للتعامل مع الخلل المعلوماتي، والحاجة الملحة لأدوات التحقق من المعلومات والفيديوهات والصور تدعم اللغة العربية.

وأشار عصمت إلى أن الخلل المعلوماتي أصبح على اختلاف أشكاله وأنواعه مصدر قلق رئيسي للعالم كله. ورغم أن العديد من الأبحاث تنقب وبعمق حول أساليب الانتشار إلا أنه هناك فجوة في البحث العلمي المرتبط بكيفية مواجهة منصات التواصل الاجتماعي نفسها للخلل المعلوماتي وكذلك الاتجاهات المتطورة في أنواع الخلل المعلوماتي المرتبطة بالتطور التكنولوجي وتطور عملية الاستخدام من قبل الجمهور.

وفي حديثه حول أنواع الخلل المعلوماتي عدد ثلاثة هي: المعلومات المضللة والمعلومات الخاطئة والمعلومات الضارة. وأشار عصمت إلى أن الخلل المعلوماتي ليس بجديد ولكنه قديم قدم الأزل وظهوره بشدة في العقد الأخير مرتبط بتأثيراته السلبية المباشرة على حياة الأشخاص والمجتمع. وأضاف إلى أنه يصاحب كل تطور تكنولوجي إيجابي ظواهر سلبية من شأنها زعزعة أمن وأمان المستخدمين؛ وعليه فإن التوجهات الجديدة في الخلل المعلوماتي (الهندسة الاجتماعية– الميمز– الفقاعات الاجتماعية- التزييف العميق) هي ظواهر يجب التعامل معها بسرعة وبحزم للتقليل من أضرارها. وقال إن سيطرة الخوارزميات على عمل منصات التواصل الاجتماعي يجب أن يدرس بشكل أعمق ومن مختلف وجهات النظر. وأضاف إلى ذلك أن منصات التواصل الاجتماعي يجب أن تصل لصيغة حقيقية توفر لها الأرباح الكافية لاستمراريتها بالتوازي مع توفير حماية حقيقية للمجتمع.

تحديات الإعلام الرقمي عربيا

وقدم الصحفي والمحلل الإعلامي المصري محمد عبد الرحمن محمود ورقة حملت عنوان “تحديات الإعلام الرقمي عربيا”، وناقش فيها التحديات التي تمثلت في اتساع الفجوة بين واقع الإعلام العربي والحالة الإعلامية العالمية، إضافة إلى تفاوت مستويات الموهبة الصحفية لدى الدارسين والجيل الجديد من الصحفيين وغياب التكوين الثقافي، إلى جانب غياب القوانين المناسبة للإعلام الرقمي، حيث أشار إلى أن بعض القوانين تصدر كرد فعل وأن متغيرات الأدوات الرقمي أسرع من القوانين مثل خاصية اللايف.

وأضاف إليها تحديات مثل الاستسلام لسياسة الأمر الواقع التي فرضتها منصات التواصل الاجتماعي، والمتمثلة في عدم البحث عن حلول للاستقلال عن تلك المنصات والتضحية بالمصداقية والجدية من أجل مكاسب مؤقتة والتداخل بين وظيفة الصحفي ووظيفة المؤثر وغياب الانتماء للمؤسسة الصحفية وغيرها.

وأشار عبد الرحمن إلى أن عدم وجود حلول لهذه التحديات يؤدي إلى انهيار معيار القيمة عند صانع المحتوى -تطور نظرية الرجل الذي عض كلبا- ويؤدي كذلك إلى التركيز على الأخبار السلبية وغياب التوازن مع المحتوى الإيجابي. وتراجع فعالية الصحافة وغياب دورها، وانتشار محتوى اللاشيء وغياب الاستقرار المالي، وانهيار المصداقية.

وتناولت الجلسة النقاشية الثانية رقمنة الإعلام وصناعة الوعي والعلاقة بينهما وقدرة الإعلام التقليدي على التأثير ونمط استهلاكه وغياب دور الصحافة التنويرية وصحافة المواطن، واستضاف فيها قصي منصور إلى جانب أحمد عصمت ومحمد عبد الرحمن الدكتور محمد المشيخي وبثينة البلوشية.

وتلا سالم الجهوري البيان الختامي للملتقى والذي أكد على ضرورة إيلاء التحول الرقمي في المؤسسات الإعلامية الأولوية القصوى، بما يضمن تحول مختلف المؤسسات الإعلامية نحو الرقمنة، ومواكبة المستجدات، وضرورة التعجيل بإصدار قانون جديد للإعلام، يتضمن تنظيم الإعلام الرقمي ورفع سقف حرية التعبير وفق ضوابط مسؤولة تتماشى مع مواثيق الشرف الإعلامية. مؤكدا على أن التحديات التي تواجه مختلف المؤسسات الإعلامية تتمثل في ضعف التمويل و العائدات الإعلانية، مما يزيد من الضغوط على أداء هذه المؤسسات، ومن ثم ضرورة العمل على مواجهة التحديات والعراقيل.

داعيا إلى بناء منظومة متكاملة من العمل الصحفي والإعلامي القائم على المنتجات الرقمية؛ سواء من حيث التصوير وأدوات الكتابة والمونتاج والتصميم والبث المرئي والإذاعي. ولافتا إلى أهمية السعي نحو التحول الرقمي في قطاع الإعلام من خلال اتخاذ خطوات جريئة وطرح أفكار غير تقليدية، بما يضمن استمرارية هذا القطاع الحيوي.
https://www.omandaily.om/ثقافة/na/الملتقى-العماني-الأول-لصناع-الإعلام-يطرح-دور-التقنية-الحديثة-ووسائل-التطوير