من الكتب التي استمتعت بقراءتها في بداية 2022 كتاب «عمان مجد التاريخ وحكاتيه» تأليف نصر بن ناصر بن خلفان البوسعيدي، صدر عن دار«بيت الغشام» بمسقط عام 2018، وما يميز هذا الكتاب هو القطوفات المتفرقة في أزمنتها ولكنها تجتمع في موضوعاتها تحت مناخ عماني واسع، ليجعل من كتابه مختصرًا لمحطات يمر بها القارئ على أزمنة وموضوعات وومضات عمانية مميزة، ليقطف لنا بالتالي من كل زمن ورقة. وبذلك بدأ التنقل في الكتاب حرا مطلقا معتمدا في ذلك على اختيارات ذاتية تدلل على معرفة المؤلف بدقائق التاريخ العماني، كما يضعنا الكتاب أمام فرائد ومحطات عامة وشخصيات ذات طابع خاص.
كانت البداية مع «عمان في العهد النبوي» حيث يقف القارئ أمام تعريف بالعمانيين في حضرة الرسول صلى الله عليه وسلم، حيث استعان في هذا الفصل بكتاب ملامح من تاريخ عمان للشيخ سليمان بن خلف الخروصي، بعنوان «العماني الذي قاد المهاجرين والأنصار في حرب الغساسنة»، يتحدث الكاتب عن لقاء وفد بقيادة الأمير العماني عبد بن الجلندي بالخليفة أبي بكر الصديق، وهنا يقتطف معلومته من كتاب «عمان عبر التاريخ» للمؤرخ سالم بن حمود السيابي.
وهكذا يسير الكتاب في مختلف قطوفاته التي يحيل فيها إلى متون معظمها من التراث العماني، وبعضها من روايات موثقة وثالثة من كتب أخبار جامعة، كما أن الكاتب لا يتبع منهجا محددًا في كتابه، ولا يضيف الكثير من التعليقات أو يستطرد في التحليل البحثي، بقدر ما يعتمد على سجل مفتوح من المصادر والمراجع، حيث ذيّل كل مقال بالمصدر الذي استله منه، وبعض هذه المصادر من مجهود مجموعة من المؤلفين، كما حدث مثلا في المقال الذي حمل عنوان «أهل عمان حماة اللغة العربية وعلومها» الذي خصص الجزء الأوفر منه للحديث عن الخليل بن أحمد الفراهيدي، وتتبع المناطق المضيئة لعبقريته الكبيرة وتنوع اشتغالاته التي أبهرت حتى المستشرقين مثل المستشرق الألماني المعروف كارل بروكلمان، وهذه المعلومات اقتبسها المؤلف -كما هو مثبت في أسفل الصفحة الأخيرة من المقال- من بحث ألفه مجموعة من الكتاب العرب حمل عنوان «الدور العماني في خدمة اللغة العربية» وهو بحث بعنوان «الدور العماني في خدمة اللغة العربية» وهو «الخليل بن أحمد الفراهيدي الأزدي الأسطورة وشعره وجهوده في خدمة العربية بقلم أحمد الدنداوي، من إصدارات «ذاكرة عمان».
ومن الفصول الثرية في هذا الكتاب فصل حمل عنوان «الزمان والمكان يشهدان على عظمة موانئ عمان، وهذه هي أهمها» وهنا نجد استعراضًا مفصلًا لمجموعة كبيرة من الموانئ ومسمياتها القديمة وأهم ما كانت تصدره، مثل ميناء سمهرم الذي كان يصدر اللبان إلى الفراعنة، والإثباتات التي تم الوقوف عليها، مثل بعض النقوش المصرية التي تم اكتشافها التي تشير إلى هذا الميناء. ثم حديثه عن ميناء البليد وميناء قلهات وميناء صور ذو الجذور الفينيقية وأهميته في صناعة السفن التي كان «أهل العفية يبرعون في صناعتها وقيادتها بتسيد المحيط الهندي والقارة الإفريقية، عبر التجارة التي كانوا من خلالها حلقة الوصل الرئيسة بين موانئ الصين والهند والعراق وبلاد فارس والخليج العربي وشرقي إفريقيا وما جاورها، وهم من يملكون أشهر النواخذة والربابنة الذين برعوا كثيرًا في علوم البحار والفلك ومعرفة مسالك البلدان» وفي هذا الفصل نرى الحديث الأوسع عن ميناء مسقط الذي كان البوابة الرئيسة التي تنتعش منها تجارة عمان، وبسببه تتسابق الدول الأوروبية لكسب ود مسقط، حيث يورد الكاتب خبرًا عن رسالة أرسلها نابليون للسيد سعيد بن سلطان حين رأى مشهد السفن العمانية وهو في طريقه لعبور قناة السويس.
الكتاب يزخر بالعديد من قطوفات المراجع والمصادر التاريخية وكتب الذاكرة العمانية الذي لا يخلو من بعض الأخطاء البسيطة التي ربما من المهم تجاوزها في طبعته اللاحقة للكتاب، مع الإشادة بالمجهود الذي تجشمه الباحث من أجل استخراج هذا الكم المهم من المعلومات التاريخية، وسجل الأعلام من العمانيين الذين جابوا الأمصار، وأوجدوا تفاعلًا علميًا وثقافيًا كبيرًا في كل أرض حلوا بها، كحديثه مثلًا عن ابن الذهبي واضع كتاب «الماء» الذي تنقل في أكثر من قطر عربي وأقام كذلك في الأندلس.
__________
*محمود الرحبي – كاتب وروائي عماني
https://www.omandaily.om/ثقافة/na/جرة-قلمعمان-مجد-التاريخ-وحكايته-لنصر-البوسعيدي