ترك بصمات واضحة في مسيرة الأدب.. وعطاءه امتد لأثلاثة عقود
د.محمود السليمي: هلال العامري كان ينهج نهجا خاصا به ولديه حمولة ثقافية وفكرية كونت شخصيته التي لا تتماهى مع الآخر
م.سعيد الصقلاوي: كان يحمل في داخله أبا للمبدعين العمانيين الشباب والذين أصبحوا فيما بعد أعلاما في الساحتين الثقافية والادبية
عبدالرزاق الربيعي: كشف الراحل عن الكثير من المواهب الأدبية الشابة وأخذه بأيديها من خلال إشرافه على “الملتقى الأدبي”
“عمان”: غيب الموت، يوم السبت الخامس من فبراير ، الشاعر والأديب العماني الكبير هلال بن محمد العامري، عن عمر ناهز 69 عاما بعد معاناة مع المرض أبقته طريح الفراش لأيام قبل رحيله، وقبل ذلك بين ذهاب وإياب من وإلى مستشفى.
وقد نعت الراحل جموع من المثقفين في سلطنة عمان والوطن العربي، إذ يعد الراحل أحد أعمدتها محليا وعربيا، إذ ساهم باثراء الحركة الثقافية بالسلطنة والوطن العربي كما ساهم في رفد المكتبات العربية بإصدارات أدبية متنوعة خاصة في الشعر العربي، فله من المؤلفات “رياح للمسافر بعد القصيدة”، و “هودج الغربة” الذي صدر في عام 1983، و “قطرة في زمن العطش” الذي صدر عام 1985، و “الكتابة على جدار الصمت” الصادر عام 1987، و “استراحة في زمن القلق” الصادر عام 1989، و “الألق الوافد” الصادر عام 1991.
كما له من النتاج الشعري ما يتجاوز عناوين الكتب السابقة، ليقوم البرنامج الوطني لدعم الكتاب في سلطنة عمان بجمع أعماله في كتاب “الأعمال الكاملة للشاعر هلال العامري” والذي نشر عام 2013، بهدف توثيق انتاجه الشعري وحفظه من النسيان والشتات.
وقد نعى النادي الثقافي الراحل في رسالة جاء فيها: “ينعى مجلس إدارة النادي الثقافي المغفور له بإذن الله تعالى الشاعر الشيخ هلال بن محمد العامري الذي وافاه الأجل المحتوم اليوم السبت ٥ فبراير ٢٠٢٢م سائلين الله تعالى أن يتغمد الفقيد بواسع رحمته ويسكنه فسيح جناته، ويلهم أهله الصبر والسلوان إنا لله وإنا إليه راجعون”، كما نعته الجمعية العمانية للكتاب والأدباء.
أهم شعراء التجديد
قال الدكتور محمود بن مبارك السليمي رئيس مجلس إدارة النادي الثقافي في حديث لـ “عمان”: “يعد الشاعر هلال العامري أحد أهم شعراء التجديد و أحد اعمدة الثقافة لما كان له من دور منذ أن تخرج من الولايات المتحدة الأمريكية إلى أن استقر في سلطنة عمان، فهو قامة أدبية وشعرية وثقافية عمانية نهل من معين الأدب والتراث من سمائل على يد عدد كبير من الشعراء منهم موسى بن عيسى البكري وعلي بن منصور الشامسي وابوسرور قبل السبعينيات فهو من جلساء شعراء سمائل ورافق الجلسات الثقافية والفكرية مع الشاعر الشيخ عبدالله بن علي الخليلي ونهل من خلال هؤلاء الاعلام وتتلمذ على ايديهم ودرس منهم اللغة والنحو ومبادئ الفقه”.
وأضاف السليمي: “شاءت للشاعر الراحل الظروف للدراسة العليا في الولايات المتحدة وبحكم شاعريته تعرف على الكثيرين حيث وسّع آفاقه ومداركه وحينما عادر إلى أرض عمان أسهم بدور كبير في الإعلام وأكاديميا في جامعة السلطان قابوس حيث كان نائبا لرئيسها في فترة من الفترات، ثم دوره الثقافي البارز والكبير حيث كان الأب الروحي للكثير من المثقفين من جيل الشباب لما له من دور في تفعيل المسابقات والملتقيات الأدبية المختلفة”.
وأكد الدكتور محمود السليمي رئيس مجلس إدارة النادي الثقافي ان الشاعر الراحل هلال العامري كان ينهج نهجا خاصا به ولديه حمولة ثقافية وفكرية كونت شخصيته التي لا تتماهى مع الآخر وله فرادة خاصة به حتى أصبح قامة يشار لها بالبنان في سلطنة عمان وتم تكريمه في اليوم العالمي للشعر من قبل المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم الألكسو حيث احتضن النادي الثقافي هذه الامسية والقى الراحل عدد من قصائده التي كان لها دورا في ابراز نتاجاته الشعرية في مراحل مختلفة من حياته وقد أصدر الراحل عدد من الدواووين وله قصائده التي تحمل منهجه الخاص حيث يبقى احد القامات الادبية على المستوى الثقافي”.
أبٌ للمبدعين
وبدوره قال الشاعر المهندس سعيد الصقلاوي رئيس مجلس إدارة الجمعية العمانية للكتاب والأدباء: “رحم الله الشيخ هلال بن محمد العامري، الشيخ الشاعر الكبير الذي تبنى الشعراء والمشهد الثقافي بعمومه في السلطنة من خلال الملتقى الأدبي، ومن خلال كتاباته في جريدة الوطن، حيث حمل عموده عنوان (استراحة في زمن القلق)، فقد كان متابعا حثيثا لكل المناشط الثقافية وداعما لها من خلال هذا العمود ومن خلال تبوئه للعديد من المناصب، رحم الله هذا الفارسي الشعري العماني الذي ترجل اليوم عن صهوة الحياة مقابلا ربه سبحانه وتعالى، لقد كان هذا الإنسان الذي يحمل في داخله أبا كبيرا للمبدعين العمانيين الشباب والذين أصبحوا فيما بعد أعلاما في الساحتين الثقافية والادبية، هلال العامري شخصية لها العديد من الاسهامات على الصعيدين المحلي والدولي، من الاسهامات الإدارية إلى الاسهامات الإعلامية من خلال وجوده كمدير عام للتلفزيون العماني ثم الاسهامات الثقافة والأدبية من خلال وجوده كمدير عام للآداب في وزارة التراث والثقافة وقبلها كان في الهيئة العامة للشباب، إننا جميعا نحمل في نفوسنا حبا كبيرا له ونقول لهذا الشاعر الكبير، صحيح أنك ودعتنا وترجلت عن صهوة الحياة إلا أنك ستبقى معنا رفيقا في كل لحظة، شققنا عباب الثقافة في عمان معا، وسيشقها من بعدنا الأجيال القادمة، رحمك الله يا أبا ليث”.
الملتقى الأدبي
في حين قال نائب رئيس مجلس إدارة النادي الثقافي الشاعر عبدالرزاق الربيعي: “رحيل الشاعر هلال العامري، وعودته الأبدية إلى سمائل، التي لم تفارق قصائده وكيانه، ليدفن فيها، بالنسبة لي على المستوى الشخصي خسارة، وصدمة موجعة، رغم معرفتي بتدهور حالته الصحية، ومواجهته المرض بشجاعة على مدى أكثر من ١٥ سنة، لقد اعادني الخبر لسنوات خلت، فقد ارتبطنا بعلاقة إنسانية وثقافية دامت اكثر من عقدين، وكنت أتردد عليه باستمرار، في منزله إلى ما قبل اصابته بكورونا ودخوله المستشفى، وكان مفعما بالحياة، لقد عرفته انسانا ودودا، ومحبّا، وداعما، وهو من الشخصيّات الفاعلة في المجال الثقافي العماني، الذي قدّم له الكثير خلال عمله لسنوات طويلة في الإدارة الثقافيّة، والمواقع التي تبوّأها، وقد كشف عن الكثير من المواهب الأدبية الشابة، وأخذه بأيديها من خلال إشرافه على “الملتقى الأدبي” السنوي ومشاركاته في الانشطة الثقافية، وبقي يواصل تلك المشاركات وكانت آخر مشاركة له الجلسة التي أقامها النادي الثقافي بالتعاون مع وزارة الثقافة والرياضة والشباب بمناسبة يوم الشعر العالمي، حين اختارته المنظّمة العربيّة للتربية، والثقافة، والعلوم (الألكسو) للاحتفال به في الدورة السابعة لليوم العربي للشعر، واليوم وانا أتلقى خبر رحيله، أكرر ماقاله مخاطبا الشعر:
(يا منتهى صوتنا
تمثل وأوقف زمان التشابه
لك الله يا أيها الشعر
حين تصوغ برمزك أحلامنا
وتعبر..
تعبر
كل الدروب التي أصبحت شائكة)”.
مسيرة الراحل
ويعد الشاعر هلال بن محمد العامري من مواليد ولاية “سمائل” بمحافظة الداخلية بسلطنة عمان، وهي المدينة التي تعني له الكثير الكثير وهو الذي قال: “تمثل الكثير .. الكثير, (سمائل) مدينة جميلة ورائعة وشبهت بالفيحاء دمشق لتشابه موقعها مع موقع دمشق ثم نشأة العلم في هذه المدينة، هناك رموز كتبوا في الفقه والشعر والنظم كالخليلي وسيف الرحبي ومحمد بن سيف الرحبي واسحاق الخنجري أثر جمال هذه المدينة بساكنيها فخلقت جيلا من الكتاب، إنها مثل الحوزة العلمية بقم، فالمجالس شكلت مراكز علمية كان الكثير يقصدها فأثرت في الشباب فحاولوا أن ينقلوا هذا للكتابة شعرا أم نثرا وحين تتحدث عن جمال مدينة فانت تتحدث عن سمائل تطفو على ذهنك في كل مكان، سمائل شكلت لي مرجعية، فطفولتي كانت فيها وخروجي من سمائل لا يعني شيئا كنت متعلقا بأمي وكنت أكن كل الشوق لهذه المدينة التي تحتوي أمي”.
تلقى الشاعر هلال العامري تعليمه قبل الجامعي في دولة الإمارات العربية المتحدة، والمرحلة الجامعية ما بين بيروت وبريطانيا والولايات المتحدة، متخرجا من جامعة دينفر الأميركية عام 1978 في تخصص الإدارة والاقتصاد، كما حصل على دبلوم إدارة جامعات من جامعة دمك – كارولينا الشمالية، ودبلوم إدارة تلفزيونات من جامعة مانشستر ببريطانيا.
كتب العامري القصيدة التقليدية، وانتقل إلى شعر التفعيلة، فالشعر الحر ثم قصيدة النثر، وكان يهتم بالقضايا الوطنية المحلية، وبالقضايا القومية وأبرزها القضية الفلسطينية. وفي دواوينه الشعرية الأخيرة تحول إلى قصيدة الومضة أو اللقطة، بقصائد قصُر وكُثّف وأوجزَ محتواها.
من أبرز دواوينه الشعرية (هودج الغربة) و(قطرة في زمن العطش)، و(الكتابة على جدار الصمت) و(استراحة في زمن القلق) و(الألق الوافد) و(للشمس أسبابها لكي تغيب) و(قطرة حب دم للعذراء)، و(رياح للمسافر بعد القصيدة). وطبع النادي الثقافي أعماله الشعرية بمجلد واحد صدر عن دار الانتشار العربي ببيروت عام 2013.
حصل الراحل على جوائز وأوسمة كان من بينها وسام السلطان قابوس عام 2006. كما اختارته المنظّمة العربيّة للتربية والثقافة والعلوم (الألكسو) للاحتفال به في الدورة السابعة لليوم العربي للشعر للجهد والعطاء الذي قدمه العامري على مدى تلك السنين. وفي عام 2013 حصل على وسام المشاركات الأدبية والثقافية من الأمانة العامة لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربي، كما اختارته الجمعية العمانية للكتاب والأدباء شخصية العام في احتفالية لها أقيمت عام 2018.
عمل العامري في المجال الإعلامي مديرا عاما للتلفزيون العماني عام 1985، ثم انتقل إلى سلك التعليم العالي نائبا لأمين عام جامعة السلطان قابوس (1985-1990)، ثم مشرفا عاما على المركز الثقافي العماني والمنتدى الأدبي أيضا، كما عمل مديرا عاما للثقافة بوزارة التراث والثقافة بعمان (1995-2000).
الكاتب محمود الرحبي في مقال له قال عن العامري: “تميز هلال العامري أكثر بمواقفه الثقافية، وخصوصا في جانبها التنشيطي. كل من عرفه وتعامل معه شعر أنه إزاء مثقف أب، يقف إلى جانب الكتّاب، ويمهد لهم مختلف احتياجاتهم، خصوصا أنه كان وراء تفعيل مجموعة مهمة من المناشط الثقافية، من ضمنها طباعة الإصدارات الحديثة على نفقة وزارة التراث والثقافة، حين عمل فيها مديرا عاما للآداب. وفي هذا الجانب، يصعب حصر إسهاماته التي استمرت أكثر من ثلاثة عقود في قطاع الثقافة والآداب. وكان وراء إقامة ندواتٍ ظلت في الذاكرة، مثل الندوة الموسّعة تأبينا لنجيب محفوظ في عام وفاته 2006. من دون أن تُنسى تلك المناشط التي تأخذ طابع الديمومة والاستمرار، مثل الملتقى الأدبي السنوي الذي بدأ في 1995، واستمر قرابة عقدين، إذ كان كل سنة يتم اختيار ولاية من ولايات عُمان. وفي أيام هذا “الملتقى” التي تستمر أسبوعا، تعيش الولاية المختارة حدثا متنوعا للمسابقات الإبداعية واستعراض الفنون الفولكلورية التي تتميز بها كل جهة من جهات عُمان”.
وعن وقوفه إلى جانب الكتاب هنا ما قال سليمان المعمري في استطلاع حول العامري وما يدينه له: “هلال العامري أحد الذين سهروا على تشكل بطاقتي المعنوية كقاص، منذ أول مشاركة لي في الملتقى الأدبي الثالث في صحار عام 1997. هذا الملتقى الذي زرع هو بذرته وظل يسقيها بحب، فأنتجت كثيرا من الثمار، أينع بعضها وحان قطافه، ويبس البعض الآخر في شجرته”.
أما محسن بن حمود الكندي في دراسة له حول “الشعر المعاصر في سلطنة عمان”، وقال: “تمثل تجربة محمد هلال العامري تياراً ينتمي إلى بعد المشاكلة بين ما هو تقليدي وما هو حديث، وتعتبر قصائد دواوينه أولى علامات الانتقال الحقيقي من مراحل الشعر التقليدي الواقعي إلى مرحلة الشعر الجديد الذي جاء بعده”.
ونحن نختم هذا التطواف نستذكر ما سأله إياه الشاعر عبدالرزاق الربيعي في حوار لهما عما إذا كان الموت يشكل له هاجسا مقلقا.. فأجاب: “الموت مفروض على كل انسان، شيء متوقع، لذلك لا يشكل الكثير من القلق إذا كنت مؤمنا تذهب إلى فراشك وأنت لاتعرف إنك ستموت وقبل ذلك تعمل أنك تعيش أبدا لا يشكل لي قلقا لأنه لحظة آتية لا يوجد بها معانٍ سوى نهاية الانسان، قد يكون القلق من أمور تشغل تفكيرك، كل ما يشغل يومك الى آفاق تفكيرك، لكن قضية الموت كيف تقلق؟ هو آت آت، القلق هو تشكيل لتفكير كل الناس لكن تختلف معاييره وادراكاته وكمية القلق لا يوجد شخص في الكون لا يقلق”.
وها نحن إذ نودعه، ونحمل في نفوسنا ألم رحيله وفقده، فمكانه الكبير لن يشغله أحد، وروحه الزكية سنتوق إليها، ونرفع أكفَّ الضراعة والدعاء بأن يتقبله المولى بواسع رحمته، ونسأله تعالى أن يجمعنا به في دار الخلود، جنة عرضها كعرض السماوات والأرض، ومن باب التيمن باللقاء والأمل بالجنة نستذكر ما قاله الراحل ذات يوم:
“وقد نلتقي
وفي قطرة من دمي
سأفرش كلّ الدواوين حين تجيء
وألبس كلّ القصائد عطرا
وأرسم بالضوء شكل الحصار”.
https://www.omandaily.om/ثقافة/na/الشاعر-هلال-العامري-يترجل-عن-صهوتي-الشعر-والدنيا-معا-بهدوءه-المعهود