كتب – عامر بن عبدالله الأنصاري
عمل في سلطنة عمان منذ منتصف السبعينيات إلى منتصف الثمانينيات
الكثير عاش حياة ذات محطات متعددة وذكريات متنوعة، والقليل من وثّق تلك المحطات وسيرة حياته لتخلد للأجيال القادمة وتكون مصدر إلهام لهم، خاصة أن محطات حياته ذات تأثير كبير على مستواه الشخصي وعلى المستوى المهني والمؤسسي وعلى مستوى البلاد كذلك، البلاد التي عاش فيها، والبلاد التي ينتمي إليها.
هكذا وثّق الراحل المصري «بشير فضل مطاوع» سيرته الذاتية في كتابه الموسوم بـ«همسات» قبل أن يودع الدنيا منتقلًا إلى رحمة الله تعالى عن عمر ناهز الـ88 بعد حوالي أسبوع من رؤية الطبعة الأولى منه، والتي تعد طبعة مبدئية يعتزم ابنه عبدالله أن يصدر الطبعة الثانية لتكون خالية من الكثير من الملاحظات في الطبعة الأولى.
ليقدم الراحل بشير في «همسات» باكورة خبرته في هذا الكتاب الذي اعتبره قبل وفاته صدقة جارية وهدية لكل أهله وأصدقائه، فتابع ابنه عبدالله مسيرة طباعة الكتاب وتوزيعه وتقديمه هدية لكل من عاصر والده وعرفه ذات يوم.
امتدت المسيرة المهنية للراحل بشير فضل طويلا، وكانت سلطنة عمان محطة مهمة من محطات حياته المهنية، إذ عمل في السلطنة مع بدايات حكم السلطان قابوس -طيب الله ثراه- وتحديدا في عام 1975 حتى عام 1984، شاغلا عددا من الوظائف ومكونًا للكثير من العلاقات والصداقات مع الأسرة الحاكمة والعمانيين والعاملين في بلاط الإعلام آنذاك وغيرهم من الشخصيات البارزة ذات المناصب الرفيعة، ومن أهم الوظائف التي تولاها منسقا لسعادة سالم بن سعيد السيابي وكيل وزارة الإعلام -رحمه الله- حينما كان مديرًا عامًا للإذاعة والتلفزيون.
نسخة الكتاب
كان لي فرصة الحصول على كتاب الراحل بشير فضل “همسات” في الأثناء التي يزور فيها ابنه “عبدالله” مسقط أثناء كتابة هذه الأسطر، وفي جلسة ودية فتح “عبدالله” أشرعة الحديث عن والده الراحل ومسيرته المهنية وتحديدا السنوات التي قضاها في السلطنة، وعبدالله هو الآخر عاش في السلطنة وعمل بها حتى بعد عودة والده إلى جمهورية مصر العربية، قبل أن يقرر عبدالله العيش في الولايات المتحدة الأمريكية التي أصبحت الآن مستقرا له ولأبنائه منذ 35 عاما واصبح يحمل جنسيتها.
حدثنا عبدالله عن والده بشير قائلا: “عمل والدي بشير فضل مطاوع في سلطنة عمان عام 1975، حينها كانت الأعمال كثيرة في السلطنة، والحركة نشطة يريد بها السلطان قابوس -رحمه الله- تعزيز كافة الخدمات وتطوير جميع القطاعات، كانت وتيرة العمل متسارعة، وكوَّن الوالد صداقات كثيرة مع الوسط الإعلامي بالسلطنة، وبعد مغادرة والدي للسلطنة في عام 1984، عدنا أنا وهو إلى مسقط للزيارة في عام 2007 بدعوة من معالي وزير الإعلام حينها حمد بن محمد الراشدي، ولمسنا الكثير من التغيير، فقد شاهدنا نهضة حقيقية بناها الراحل السلطان قابوس -طيب الله ثراه- فقد بنى عمان خلال تلك السنوات بناءً حقيقيا، وقررنا أنا ووالدي زيارة عمان مرة أخرى في 2021 حينما كنا سويا في أمريكا، حيث عاش والدي معي هناك، فذهب والدي قبلي إلى القاهرة لأتبعه هناك ومن ثم نأتي سوية إلى عمان، ولكن شاءت إرادة الله أن تذهب روح والدي إلى بارئها راضية مرضية، فجئت الآن إلى عمان وحدي أقدم نسخا من الكتاب لأصدقائي وأصدقاء والدي عله يكون صدقة جارية له كما كان ينوي رحمه الله.
وتابع: “كتاب (همسات) تناول فيه والدي خبراته في الحياة، وتجاربه الشخصية، وما حصده من معلومات مفيدة كما يراها خلال سنوات حياته، إلى جانب مسيرته المهنية بشكل عام، وفي جزئه الأخير خصصه لعمان، ذاكرا فيه أصدقاءه الذين كسبهم في عمان، وليس بغريب أن يترك الوالد مساحة لعمان، فقد ظل طوال السنوات التي عاشها في مصر وفي أمريكا مشتاقا لعمان ويذكرها دائما، حتى أخواتي والوالدة رحمها الله دائما ما يذكرون عمان”.
العمل في السلطنة
وحدثنا عبدالله عن الكيفية التي جاء فيها والده إلى السلطنة قائلا: “بداية والدي المهنية كانت في البنك الأهلي في مصر، ولكن كان يعمل في السلطنة ابن خاله سكرتيرا للدكتور عبدالقادر حاتم، وكانت السلطنة في حاجة لموظفين وكوادر، وفي تلك الأيام كانت لصاحب السمو السيد فهد بن محمود زيارة إلى مصر تضمنت سعيا للبحث عن كوادر ذات كفاءة في مجالات متعددة منها الإذاعة والتلفزيون، وباقتراح من ابن خال الوالد تم إبرام عقد مع والدي والعديد من الكوادر منهم مذيعين ومحرري أخبار ومخرجين وإداريين، فكانت البداية له لمعرفة عمان عن قرب والعيش بها”.
الكتاب
يقع كتاب “همسات” الصادر عن دار “المصرية للنشر والتوزيع” في مصر، في 206 صفحات من القطع المتوسط، وإلى جانب تدوين بشير فضل لمحطات حياته، فإنه كذلك يقدم فيه نصائح من واقع تجربة ومن خبرة حياة، كذلك خصص الكاتب الراحل جزءا كبيرا للصور، صور لأماكن، وصور لشخصيات وصور كثيرة جمعته بأصدقاء وزملاء عمل، لتكون الصور فصلا يغني عن الكتابة، وتوثيقا لذاكرة الزمان والمكان.
يقول الكاتب بشير فضل مطاوع في مقدمة كتابه: “أهدف في هذا الكتاب إلى إلقاء الضوء على أهم الخواطر والقراءات التي أعجبتني، إن أفضل طريق يكفل لك أن تعيش في هذه الدنيا موفور الكرامة، هو أن يكون ما تبطنه في نفسك كالذي يظهر منك للناس، وأيضا لا حياة مع اليأس ولا يأس مع الحياة، يتضمن هذا الكتاب ذكريات جميلة منها الاجتماعية والخاصة بقريتي كشتمنة النوبية بجنوب مصرنا الغالية، وأيضا العملية في وقت التحاقي بالبنك الأهلي المصري، ثم سفري إلى سلطنة عمان الشقيقة للعمل بوزارة الإعلام، وبعد عودتي إلى مصرنا الحبيبة عملت ببنك النيل وبعدها شركة النيل الهندسية، وملحق بالكتاب مجموعة من الصور التذكارية، أرجو عزيزي القارئ أن ينال هذا الكتاب إعجابكم، مع أطيب تمنياتي بالخير وفائق احترامي ومودتي للجميع..بشير فضل مطاوع.. سبتمبر 2021”.
تتجلى سمة الوفاء بالكاتب الراحل بشير فضل، فقد أهدى كتابه الوحيد إلى زوجته الراحلة، ليسطر في الإهداء عبارات تفوح بالوفاء والمحبة والشكر، فقد قال: “إلى رفيقة الطريق، زوجتي العزيزة المخلصة، التي رحلت عنا عام 2015 وتركت لنا ذكراها الطيبة التي ساهمت في بناء أسرتنا المباركة، حيث جمعت شملنا وأكدت ترابطنا وحبنا وادت دورا كبيرا في التضحية وإنكار الذات، وكان الناتج توفيقا ونجاحا للأولاد والأحفاد..”.
وهكذا يواصل عبدالله مسيرة الوفاء لوالده ولأسرته، محاولا أن يقدم باكورة تجربة والده كنوع من رد الجميل والعرفان، وما خفي من حب ومودة من المؤكد أنه أعظم.
https://www.omandaily.om/ثقافة/na/بشير-فضل-مطاوع-يوثق-تجارب-حياته-في-همسات-قبل-أسبوع-من-وفاته