استطلاع: حسن عبد الموجود
يعاني الكِتاب العربي من العزلة المفروضة عليه، لأسباب كثيرة، أهمها جائحة كورونا، فخلالها أُلغيت المعارض، وحينما أعاد المسؤولون عنها افتتاحها لم تكن الأمور مثل السابق، فأعداد زوار تلك المعارض لم يكن كبيراً.
واعتمد الناشرون في الفترة الأخيرة على خدمة توصيل الكتب إلى البيوت، وكذلك تطبيقات القراءة المختلفة، صحيح أنهم لا يبيعون الأعمال بنفس سعرها الورقي لكنها تعوضهم قليلاً عن حالة الركود التي تبدو بلا نهاية.
وفي هذه الأحوال يشكو معظم الكتاب العرب، باستثناء كتاب “البيست سيللر” من قلة مبيعات أعمالهم، ويكيلون الاتهامات بالتقصير للناشرين، بينما يرفع الناشرون أصابع الاتهام إلى الظروف الاقتصادية، وإلى قلة عدد القراء، وكذلك إلى الكتّاب أنفسهم إذ يرونهم مقصرين في الدعاية لكتبهم.
في هذا التحقيق يتحدث مثقفون عرب عن أزمة الكِتاب ويقدمون الحلول لمساعدته على تجاوز الحصار.
قطف نجمة من السماء
مصطفى النفيسي
كاتب مغربي
إن الكتابة في العالم العربي هي أشبه ما تكون بأن تفقأ عين إبليس، أو على الأقل هي شبيهة بقطف نجمة من السماء بيد متعبة وعين حسيرة النظر. لا أريد أن ألون المشهد بلون أسود، ولكن الكاتب العربي يعيش غُبناً لا يضاهى. فالمشاكل التي يعاني منها لا تحصى ولا تعد. وهي مشاكل تنضاف إلى إكراهات إنجاز الكتاب نفسه أو كتابته.
إن أكبر إحباط هو أن يكتشف الكاتب أن كتابه لم يفارق بعد حاسوبه الشخصي. فصحيح أنه اجتهد ونشره، وربما أحياناً على نفقته، لكن بعد أن يخرج الكتاب من المطبعة، يعود ليقبع من جديد على رفوف خزانته، لأنه لا يدري كيف يوزعه.
لا يمكن أن ننكر أن وسائل التواصل الاجتماعي، ومواقع البيع الإلكتروني للكتاب والتطبيقات الإلكترونية تحل نوعاً ما هذه المعضلة، إذ وجدت مجموعتي القصصية الأولى “تطريزات على جسد غيمة” معروضة للبيع في مواقع إلكترونية كثيرة. كما وجدت أن أحد تطبيقات جوجل يقوم ببيعها، ولكن يظل قدر الكتاب أن يبقى مقتصراً في توزيعه على أصدقاء الكاتب ومعارفه، أو المكتبات التي توجد قريبة منه على قلتها وندرتها أحياناً.
لكنني سأكون جاحداً إن لم أعترف بجميل دار نشر عربية قامت بنشر كتابي وتوزيعه بشكل جيد في العالم العربي، بحيث وصل مثلاً للمكتبة الوطنية للمملكة العربية السعودية ولدولة الكويت، ووصل أيضاً لمعارض عربية كثيرة. هذا ما أخبرني به طبعاً محرك البحث جوجل. ويتعلق الأمر بدار أزمنة للنشر والتوزيع، التي كان يشرف عليها قيد حياته المبدع الكبير إلياس فركوح.
لكني في قرارة نفسي أحس بتردد كبير وأنا أفكر في نشر مجموعتي القصصية الثانية “التجول في أزقة الهاوية”، لأن عملية النشر أصبحت غامضة الآفاق. كما أن النشر بشكل عام لم يعد مغرياً. وهذا يعاني منه كل الكتّاب تقريباً في العالم العربي، وإن كانوا في الحقيقة لا يريدون أن يعترفوا بهذا. فهم يمضون على مضض في نفس الطريق مجترين نفس الأحجيات، واضعين أمام أعينهم نفس الأحلام. فهم يحلمون بأن تتصدر كتبهم قوائم المبيعات، أو على الأقل أن تظهر كتبهم في هذا المعرض أو ذاك حاصدين في الختام الخيبات. وهنا أستحضر حدثين فقط أستعين بهما لدفع عربة الحجاج إلى الأمام، بحيث تتساقط أكثر أوراق النشر وتوزيع الكتاب في العالم العربي. الحدث الأول يرتبط برفض الكاتب المغربي الكبير أحمد بوزفور لجائزة المغرب للكتاب سنة 2003، بدعوى أن مجموعته القصصية “قالت نملة” لم توزع بشكل جيد، ولم يبع منها سوى خمسمائة نسخة. والحدث الثاني يرتبط بالقاص المصري سعيد الكفراوي، والذي بقي يتلصص على أحد كتبه المعروض في إحدى مكتبات القاهرة، ولم يكن عدد النسخ يتناقص أبداً، وفي يوم من الأيام وجد أن نسخة من الكتاب قد بيعت، ففرح. وبعد مدة التقى ابن عمه الذي عانقه بحرارة مهنئاً إياه على كتابه، فبادره القاص سعيد الكفراوي ضاحكاً: “هو أنت؟!”. فالنسخة الوحيدة التي بيعت اشتراها ابن عمه، لكن يبقى الأمل كبيراً في أن تتغير ظروف نشر وتوزيع الكتاب قريباً في هذا العالم العربي المتعب والجميل.
.
.
المسافة بين الكاتب والناشر والموزع
نورا رشاد
ناشرة مصرية
يعاني الكِتاب في العالم العربي من ندرة القارئ. مقارنة أرقام المبيعات بأعداد المواطنين العرب توضح الفارق الضخم والمخيف بين الطرفين، وهذه المسألة تحتاج إلى نقاشات موسعة لها علاقة في جوهرها بالتعليم، ونوعية الثقافة التي يتم تقديمها للطفل العربي.
معارض الكتب العربية تُسهم طبعاً في توزيع الكتاب، لكن جميع الناشرين يتشاركون الخسائر بسبب جائحة كورونا في العامين الأخيرين، بعد أن تم إلغاء أو تأجيل كثير من المعارض.
وإذا كانت هناك سلبيات لفترة الجائحة فإنها لفتت أنظارنا إلى تطبيقات القراءة الجديدة، صحيح أننا لا نبيع الكتاب بنفس سعره الورقي إلا أننا اكتشفنا أجيالاً تفضل القراءة على التطبيقات، التي عوضتنا عن ركود المبيعات في الفترة الصعبة، بالإضافة إلى أننا توسعنا في مسألة توصيل الكتب إلى البيوت، في ظل خوف الناس من النزول إلى الشارع.
افتتاح المكتبات الكبرى هو واحد من الحلول الجميلة لأزمة توزيع الكتاب العربي، ولكن بعض المكتبات بعد فترة يُفضل التحول إلى ناشر، وأنا لست ضد هذا الأمر، فمن حق كل جهة أن تفكر كما يحلو لها، لكن بشرط عدم الإخلال بفكرة التوزيع، فإن كنت أمتلك مكتبة ولا أعمل بالنشر فهذا يعني أنني سأكون على مسافة واحدة من كل الناشرين والكتّاب، بمعنى أنه ستكون هناك عدالة في عرض الكتب، والترويج لها، أما لو تحولت إلى النشر فلا بد أن يكون بمقدوري الحفاظ على روح العدالة، وألا أنحاز تلقائياً إلى الأعمال التي أصدرها. الأمر ليس معركة بقدر ما هو محاولة للحفاظ على تلك الصناعة المهمة، ولن نحافظ عليها إلا لو أدرك كل فرد فيها موطئ قدميه، وامتلك رؤية واضحة للنشر والتوزيع.
لقد ظل الكتّاب العرب يعانون على مدار سنوات من ربطهم بكتاب واحد، “الزيني بركات” جمال الغيطاني، “حدث أبو هريرة قال” محمود المسعدي، “البحث عن وليد مسعود” جبرا إبراهيم جبرا، وغيرهم، لكن الآن وبعد كثير من العمل ومع انتشار مواقع التواصل الاجتماعي وتنوع الطرق الجديدة في التسويق أصبح هناك تعريف جيد بالكتّاب والأعمال، وهو ما نفعله مع كتابنا، فلا يمكن لعمل أن يلغي بقية الأعمال الأخرى، فمثلاً فإن “صالة أورفانيللي” لأشرف العشماوي استفادت من نجاح عمله السابق الشهير “سيدة الزمالك” لكن أحدهما لم يلغ الآخر.
.
.
الأعمال المترجمة تكتسح الكتب المحلية
علاء زريفة
شاعر سوري
أزمة توزيع الكتب ترتبط بشكل أساسي بتسويق الكتاب العربي بالدرجة الأولى، على عكس الكتب المترجمة، التي يستطيع أي شخص من رواد المكتبات الحصول عليها بسهولة.
وهذا يتعلق بأصحاب المكتبات، إذ يعطون الكتب المطبوعة محلياً – أياً كان أسماء كتابها باستثناء البعض من الأدباء أو الشعراء المكرسين – أهمية أقل، قياساً بالأدب المترجم لأسماء عالمية. هذه الهالة أو السطوة الثقافية موجودة بقوة، فكل ما يأتينا من الغرب – ترجمةً – هو مهم وخارق، هذا ما ألاحظه شخصياً عند زيارتي لأي مكتبة، حيث أجدها تعرض روايات لأسماء عالمية كباولو كويلو، وإيزابيل إليندي، ودان براون مثلاً، كجزء من النظرة النمطية للكتب التي يمكن أن تثير اهتمام القارئ العربي إضافة لكتب الفقه ودواوين الشعر التقليدية.
وفي المقابل لا تطبع دور النشر العربية في الغالب أكثر من 500 نسخة من الكتاب الواحد من جنس الرواية، و300 نسخة من الشعر بحكم أنه يمثل خسارة مسبقة لكونه “غير بياع” وهذا العدد بالكاد يغطي حصة المؤلف من عدد النسخ، والمشاركة في المعارض المحلية والخارجية، بالإضافة إلى تخصيص نسخ محدودة لا يتجاوز عددها أصابع اليد الواحدة للمكتبات الكبرى الوطنية.
لا نغفل ذكر أن تكاليف الشحن والنقل بين الأقطار العربية باهظة لا تتمتع أغلب دور النشر بالمقدرة المادية لتغطيتها، باستثناء الدور الكبرى، والمدعومة من جهات رسمية ومؤسسات كبيرة، وغياب دور وزارات الثقافة في معظم الدول العربية ما يجعل مهمة التوزيع أكثر تعقيداً.
الجميع، الناشرون والكتّاب وأصحاب المكتبات فقدوا الأمل في وجود قراء فلماذا يجب أن يتجشموا هذا العناء؟ كما أن القارئ العربي صار نادراً، ومع ارتفاع سعر الكتاب، وتوفر معظم الكتب بصيغة إلكترونية مجانية، افتقدت عملية التوزيع قيمتها، وأصبحت طباعة كتاب في العالم العربي حدثاً شخصياً بامتياز، يقتصر الاهتمام به على الكاتب نفسه وبعض المقربين منه والمهتمين بما يبدعه فحسب.
بالنسبة للحل فلا يجب أن يتحمله طرف واحد بعينه، بل يجب تضافر كل الجهود بين القائمين على عملية التوزيع، وأن يُنظر للموضوع كمسألة ثقافية بالدرجة الأولى تأتي أهميتها بنشر الوعي والفائدة المعرفية والمتعة وهذا يتطلب تدخل مؤسسات الدول بالدرجة الأولى.
على المستوى الشخصي أعاني – كغيري من الكتّاب – من ضعف التوزيع فقد اقتصر وجود دواويني في الدول التي تمت الطباعة فيها، فدار “الدراويش” في بلغاريا التي تعاونت معها في طباعة ديوانين هما “المسيح الصغير وشيطان” تعتمد لنفسها عدة مكتبات في ألمانيا وبلغاريا لعرض كتب الدار ولا يتسنى لأغلب هواة القراءة الوصول إليها، ودار “دلمون الجديدة” في دمشق، التي طبعت معها الطبعة الأولى من ديواني الثاني “شوكولا” توزع في مكتبتين داخل سوريا، دون أي توزيع خارجي لضعف الإمكانات، أما دار “أغورا” في طنجة فتوزع أيضاً داخل المغرب فقط بشكل واسع، ولكن دون توزيع خارجي لضعف إمكاناتها، وحداثة عهدها في مجال النشر.
.
.
تطبيقات القراءة الإلكترونية ليست الحل الجذري
حسان أحمد شكاط
كاتب جزائري
أظن أن المشكل هو مشكل مقروئية بالدرجة الأولى، ثم يليه مشكل التوزيع. تطبيقات القراءة كثيرة لكن نلاحظ أن تعلق القراء بالكتاب الورقي أقوى من الإلكتروني وهنا نجد مشكل ندرة بعض العناوين الورقية في المكتبات، فمثلاً وعلى الجانب الشخصي أتلقى اتصالات من قراء وأصدقاء من دول عربية يسألون عن كيفية الحصول على كتبي ورقياً، لكن للأسف في كثير من المناسبات لا تصل إليهم إلا عن طريق المعارض الدولية، وعادة ما يكون ذلك نادراً، ولو حدث لن يكون مع جميع العناوين، وعندما أذكر أنه يمكنهم الحصول على رواياتي عن طريق تطبيقات القراءة أو تحميلهما إلكترونياً، يقولون إنهم لا يمكنهم القراءة بتلك الطريقة، والحل حسب تصوري هو عقد اتفاقيات بين وزارات الثقافة من أجل توزيع واسع للكتب الورقية في جميع الدول العربية، أو الترويج لثقافة القراءة الإلكترونية ومنصات القراءة.
.
.
الوضع تحسن قليلاً
فهد العتيق
كاتب سعودي
في السابق كان الاعتماد على معارض الكتب العربية السنوية فقط. الآن تحسن الوضع بشكل واضح خصوصاً بعد ثورة الإنترنت، وصارت هناك مكتبات ودور نشر فيها إدارات لبيع الكتب وتوصيلها إلى مختلف المدن العربية، وأيضاً ظهور مكتبات مثل معارض دائمة للكتب في بعض العواصم العربية. وتحولت بعض دور النشر إلى نقاط بيع بالتعاون مع دور نشر أخرى. أشعر أن الوضع تحسن قليلاً. على سبيل المثال كتبنا الآن موجودة في مكتبات مثل أمازون ونيل وفرات وجرير وتنمية وغيرها وهذا رائع، ويمكن أيضاً طلب الكتب من دور النشر نفسها لأنه صار لديها إدارات لبيع الكتاب، هذا بالإضافة إلى الوجود التقليدي والمهم للكتاب مع الناشر الذي يشارك في معارض الكتب الدولية العربية.
.
.
لا تهدي كتبك لأنها ستعود إليك ابناً لقيطاً
محيي الدين جرمة
كاتب يمني
على الصعيد الشخصي، قمت في مرة من المرات بتوزيع كتابي الأول “غيمة جرحت ماءها” باليد بعد أن أصدرته في طبعة شعبية، وهو الكتاب الحائز على جائزة الشارقة للإبداع العربي عام 1999، وكانت صدمتي بعد سنة أن وجدت نسخاً من نفس الكتاب، معروضة على مكتبات الرصيف في ميدان، فاضطررت حينها لشراء بعض منها، غير أني شعرت لحظتها بمن أضاع ابناً له، وبصدفة وجده “ضالاً” في الشارع، ومن تلك اللحظة قطعت عهداً، بأن لا أهدي حتى نسخة واحدة من كتاب لي، لكنني فعلتها بعد عشر سنوات وإن كان الأمر مجازياً، إذ خصصت إهداء كتابي “حافلة تعمل بالدخان والأغاني الرديئة”: “إلى أصدقائي، وأعدائهم أيضاً”.
ولعل غياب أي تقليد ثقافي ورافد مؤسس في النشر والتوزيع للكتاب في اليمن، قد يعفيني بعض الشيء من الخوض في تفاصيل ظاهرة كهذه، لأن انعدام دور النشر بمعايير فنية وثقافية رائجة كما هو الحال في عديد من بلدان عربية أخرى هو السائد، فباستثناء طباعة ونشر الفواتير التجارية، والبوشورات، وكتب التأبينات ونعي الموتى، لا توجد دار نشر تطبع كتباً أدبية وثقافية، سوى ما عرف بلافتة “مركز عبادي للنشر والدراسات” وقد اكتسب صاحب الدار خبراته في الطباعة من “الجنوب” وفي عدن خاصة، حيث تأسست دار “الهمداني” قبل حتى أن توجد دار الريس للكتب والنشر في لبنان.
شخصياً لا أعاني من أي مشكلة في المجمل، لأنني تكيفت بالأحرى، بل إننا هنا صرنا منذ عقود نتصالح مع أي مشكلة، فينتفي مع الوقت أي تذمر حيالها، وتغدو حتى كظاهرة، مألوفة وأليفة كحرب، وأجد في الحديث عن أي حل جذري لمشاكلنا أمر مفرط للغاية في المثالية، لكني في المقابل أجد حلولاً سريعة تتصدرها الرقمنة، وثورة التحولات الافتراضية، إذ كسرت مواقع التواصل الاجتماعي والتطبيقات الإلكترونية مركزيات ثقافية في النشر والتوزيع، ومنافذ إعلامية غدت اليوم في حكم الهامش، بعد أن ظلت، على مدى عقود مضت، تكرس شعراء “كباراً في السن”، كنوع من سلطة استبداد ثقافية كبرى.
.
.
غياب الرؤية وغربة المبدع
صالح لبريني
كاتب مغربي
أعتقد أن الكتاب العربي يعاني من غربتين، الأولى غربة الدار أي البلد، فهو لا يوزع بالشكل الجيّد والمطلوب، ففي البلد الواحد نجد مناطق معينة تصلها كل ما تلده المطابع، في حين تظل المناطق الأخرى تواجه صعوبات جمة في توصُّلها بالكتاب، وهذا مرّده، في ظني، إلى غياب رؤية واضحة لتسويق الكتاب والعمل على توزيعه التوزيع العادل من لدن المسؤولين على وزارات الثقافة، بل انعدام إرادة حقيقية لتشجيع الكتاب توزيعاً وقراءة.
الغربة الثانية تكبر وتزداد حدّتها عندما ننتقل إلى الوطن العربي وعلاقته بالكتاب، فيبدو أن ظاهرة سوء التوزيع والسعي إلى جعل الكتاب همّاً جماعياً، وليس هم الفئة المثقفة، فالحديث عن هذه الظاهرة يثير الكثير من الإشكالات العويصة المرتبطة بالتوزيع بين الأقطار العربية، وهو إشكال قديم جديد، غير أنه يُتداول بصيغ مختلفة، ذلك أنّ ثمة قطيعة واضحة وجلية بخصوص توزيع الكتاب العربي بين الدول العربية، والعلّة في ذلك ترجع إلى ما يُفرض على الكتاب من حواجز جمركية وما يتتبع العملية من ارتفاع التكلفة لإدخال الكتاب إلى الأسواق العربية أولاً، وغياب تصور إرادة حقيقية لدى المؤسسات الرسمية لأنها تخاف من وصول الكتاب العربي إلى القارئ العربي، بالرغم من إظهارها الاهتمام بالشأن الثقافي، ولكنها، في العمق، تحارب الممارسة الثقافية إما عن طريق المنع والحظر، أو بإشاعة ثقافة التسطيح والابتعاد عما يمكن أن يكوّن إنساناً عربياً يفكر ويطرح السؤال بدل تلقي الأجوبة، كما أن السياسة الثقافية في غالبية البلدان العربية تفتقد للفاعلية والإسهام في دينامية ثقافية تلعب دور المنقذ من واقع التخلف والتقهقر الحضاري، فالمشكل محصور في ما هو سياسي بالدرجة الأولى والأخيرة، مما يؤدي إلى تكبيل حركية الكتاب بين الأقطار العربية ويشلُّها، ولا غرو في ذلك مادام واقع الحال تعليمياً، سياسياً، اجتماعياً واقتصادياً يكرّس النظرة الدونية لما هو ثقافي، كما أن غياب مشروع مجتمعي في الدول العربية من أبرز العوامل التي تباعد أبناء الأمة العربية ثقافياً ووحدوياً.
وللخروج من هذه المعضلة لابد إعادة الاعتبار للثقافة العربية ومن تمّ للمثقف العربي حتى يؤدي دوره بما هو مأمول منه، على الهيئات الثقافية التابعة لـ “الجامعة العربية” الاجتهاد في وضع سياسة حقيقية لتيسير عبور الكتاب العربي إلى الوطن العربي، حتى يتمّ تبادل الخبرات وإبراز الكفاءات المفكرة والمثقفة التي تعاني من التهميش بفعل التحولات الرهيبة التي نجمت عن أوضاع سياسية تتخبط فيها الأمة العربية، والتي كانت بدايتها الحربان الأولى والثانية على العراق وإثارة الفتن وزرع الإرهاب بشتى تلاوينه في الوطن العربي، من بين العوامل المسهمة في كل الأوضاع المأسوية التي نتكبّد ويلاتها على الصّعُد السياسية والاجتماعية، الاقتصادية والثقافية. بالنسبة لي شخصياً فالمشكلة أعظم فأعمالي الشعرية لم توزع في وطني المغرب، فأحرى أن تعبر إلى القارئ العربي. إنّ معضلة انتشار الكتاب العربي من مصائب الأمة العربية.
مرتبط
https://www.omandaily.om/ثقافة/na/عزلة-الكتاب-في-العالم-العربي