المنتدى الثقافي الخليجي يناقش تحولات النص الشعري

كتب: فيصل بن سعيد العلوي
في ختام فعاليات نسخته الأولى بمكتبة نزوى العامة

بعد يومين حافلين بالشعر ونقده اختتمت مساء اليوم فعاليات المنتدى الثقافي الخليجي الأول، دورة «الشعر ونقده خلال العقدين المنصرمين»، الذي تستضيفه سلطنة عمان ممثلة في الجمعية العمانية للكتاب والأدباء، حيث استضافت مكتبة نزوى العامة فعاليات اليوم الختامي والذي شهد ندوة نقدية في الشعر أدارها الدكتور هلال البريدي، وقدم فيها الإستاذ الدكتور عيسى السليماني ورقته بعنوان «بنية الخطاب الشعري.. قراءة أنموذجية في النص العُماني» والتي اعتمدت على مواجهة النص العماني على آليات نقدية حديثة، بعدها يمارس القراءة الاندماجية لبنية النص وما يحققه من تجلية لمعنى المعنى، وقد جاءت الورقة لتقرأ الإيقاع والمعجم والدلالة، وحاولت تركيز البعد التطبيقي على نصوص تنتمي لبعد رؤياوي مستقل ببعده الثقافي واللغوي والتكويني، وذلك متمثل في البنيات المدروسة، مستثنيا البعد الإيقاعي، حيث تداخل التطبيق بين نصوص مختلفة زمنيا، ومتقاربة تكوينيا.

الأنساق في الشعر العماني

في حين قدم الدكتور حافظ أمبوسعيدي ورقته بعنوان «الأنساق الثقافية في الشعر العماني الحديث ـ هذا الليل لي للشاعر هلال الحجري أنموذجا» وانطلقت الورقة من الأنساق الثقافية القارة في عمق المجتمع العماني عبر تجلياتها في النص الشعري في القصيدة العمانية الحديثة والتي أكد فيها الباحث أنها تنطلق في ذلك من محركين مهمين يتجسدان في انفتاح النص على المنجز الذهني والفكري، وتوسيع التمثيل والتخييل في مسارات إنتاج الدلالة، ويأتي ذلك استثمارا لمحفزات الخطاب الشعري كونه مبنيا على شحنة تعبيرية مكثفة وإعلام جمالي ووظيفة انفعالية بين الإنتاج والتلقي، ويعد المشترك الجماعي كأداة انتماء مصدرا يبسط سلطته على سيرورة بناء الخطاب.

وحاول «أمبوسعيدي» في ورقته سبر هذا العمق الخطابي في ديوان «هذا الليل لي» للشاعر الدكتور هلال الحجري عبر مرتكزين تأويلين هما الفضاء النصي، والرمز التاريخي.

الفأل في الشعر السعودي

وفي الجلسة النقدية قدم الأستاذ الدكتور عبدالحكيم الشبرمي من المملكة العربية السعودية ورقته بعنوان «صورة الفأل في الشعر السعودي ـ جائحة كورونا نموذجا» تؤشر الورقة على دوائر الفأل والتفاؤل في أعطاف السبح الشعري السعودي، متزامنا مع الجائحة التي أطافت بنا وبالعالم أجمع، حتى لم تكد تترك دارا إلا ولجتها.. وتقف الورقة مع نتاج الشعر السعودي المصوّر المبين معنى ومبنى، لتكشف الجوى والجراح وتصف الداء والدواء بفأل وتؤدة وسكينة، وتجليها في صورة قشيبة، تكشف فصولها، وتبين مداراتها لأنه تشترك في ذلك ريشة كل مبدع يوصل تصوراته للمتلقين، حين تستقيم له القافية، وتتجاوب معه المعاني، كما نقلت الورقة إبانة هذا النتاج صورة بيانية جميلة، ووهجا لفظيا مسددا، ووظائف للكلمة والموقف الأدبي والمعنوي، وتنسحب صورة الفأل في النتاج المختار كله في ظل الجائحة في تحيز للمشاركة من قبل الشعراء والشواعر على السواء.

تحولات القصيدة الإماراتية

وقدمت الدكتورة مريم الهاشمي من دولة الإمارات العربية المتحدة ورقتها بعنوان «تحولات القصيدة الإماراتية الجديدة» قالت فيها إن الشعر الإماراتي الفصيح شهد قفزات مهمة على صعيدي الشكل والمضمون، وذلك خلال زمن قصير نسبيا من عمر الأدب، ولذلك عاشت الأجيال المتقاربة حياة أدبية زاخرة، امتازت بالغنى والتنوع الشديدين وأصبح المتلقي يجد تيارات مختلفة تتجاوز مكانيا وتتقارب زمنيا، والشعر في الإمارات على اختلاف انتماءاته -من الشكل التقليدي إلى قصيدة التفعيلة ومن ثم قصيدة النثر- عاش مختلف أطيافه في ذات البيئة ما أعطى التجربة نكهة خاصة. وتنبغي الإشارة في البدء إلى أن الأجيال الشعرية في دولة الإمارات هي أجيال متداخلة إلى حد كبير، وهذه الأجيال المتداخلة أنتجت تيارات متداخلة بطبيعة الحال.

وأضافت «الهاشمي»: «أن هذا التداخل بين الأجيال وبين التيارات الشعرية أدى إلى إبداع الجيل الجديد في كتابة قصيدة النثر، لتبرز أسماء كثيرة وبين أصناف الشعر نجد الرأي المتوازن لدى بعض النقاد الذين ذهبوا إلى أخذ موقف وسط، في أنه رافد من روافد الشعر العربي وأن الفيصل في هذا وذاك هو «تلقيه» والفوز بالتأثير على الذائقة، والحضور الذي لا يمكن أن نشيح عنه، فمن يمكنه أن يرفض شعر السيّاب وأدونيس وكيف ننسلخ كذلك من قصائد زهير والجواهري، فالشعر ليس إيقاعات وأوزان ولا هو التزام بعدد التفعيلات الوزنية المنقسمة إلى شطرين والملتزمة بقافية واحدة».

فالشعر الجيد هو الأسلوب الرفيع الذي تكفيه سمة من تلك السمات التي تخص الوجدان والنفس لما تتلمسه من صدق أو توتر أو لوعة أو ألم من شأنه أن يلزم المتلقي التعاطف والتأثر. وهو تحديدا ما وجده الشاعر الإماراتي الذي أخذ موقف العصر من الأدب ومنه الشعر، ليتراوح بين الشعر المحافظ وقصيدة التفعيلة وقصيدة النثر، ومنها نجد مواطن المتغير الإبداعي لنجد فيه المتغير الفكري والديني والإنساني والاجتماعي والتأملي والرومانسي والذاتي.

التجربة النقدية بالبحرين

نيابة عن الشاعر كريم رضي من مملكة البحرين قدم الشاعر صالح يوسف صالح ورقة بعنوان «التجربة النقدية للشعر المعاصر في البحرين» قال فيها: «لعل أقدم أثر نقدي لتجربة الشعر المعاصر في البحرين بل والأدب المعاصر بشكل عام هو بحسب باحث مهم هو الدكتور منصور سرحان كان في نهاية عقد الثلاثينيات من القرن الماضي فقد شهد العام 1938 مراسلات بين كل من الشاعر إبراهيم العريض والأديب علي التاجر والتي بدأت برسالة من علي التاجر معلقا فيها على قصائد إبراهيم العريض وتواصلت المراسلات بينهما، ويلي ذلك الأثر في الأقدمية ما نشرته جريدة البحرين التي استمرت خمس سنوات فقط من 1939-1944 من حوارات نقدية كان من أهمها ما دار حول تجربة الشاعر عبد الرحمن المعاودة».

وأضاف: «كانت البدايات كما هي بدايات تطبيقية تشتغل على نص بعينه أو نصوص بعينها وهي كما نعلم سيرة أي علم حيث يكون الرصد في البداية دائما جزئيا قبل أن يتجه فيما بعد لاحقا إلى التقعيد والتنظير والمعيارية».

وتتبعت ورقة كريم رضي السيرة العملية النقدية للشعر المعاصر في البحرين منذ تلك البدايات التي كانت أقرب إلى الإخوانيات المعهودة بين أدباء ذلك الزمن حتى اللحظة الراهنة وحيث وصلنا إلى دراسات تعتمد نظرية الأثر المفتوح في نقد الشعر والتنظير له ومرورا بالبنيوية وما بعدها.

كما شهدت ختام الفعاليات أمسية شعرية أدارها الشاعر إبراهيم السالمي وشارك فيها من الشعراء هشام الصقري وبدرية البدري وحمزة البوسعيدي وحمد الحراصي برفقة الشاعرة نجاة الظاهري من دولة الإمارات العربية المتحدة والشاعر صالح يوسف من مملكة البحرين والشاعر حمد العمار من المملكة العربية السعودية.

كلمات الحفل

وكانت قد انطلقت فعاليات المنتدى الخليجي في دورته الأولى دورة «الشعر ونقده خلال العقدين المنصرمين» مساء أمس الأول وشهد اليوم الثاني أمس وهو الختامي والذي رعاه سعادة الشيخ هلال بن سعيد الحجري محافظ الداخلية شهد إلقاء كلمة لخلفان بن حمد الزيدي رئيس نادي نزوى قال فيها: «إن نزوى وهي تبسط أمامكم صفحات تاريخها المجيد، وتستعرض شواهدها وآثارها التليدة، وتقف شامخة بعطايا نهضة عمان المجيدة، وإنجازات حديثة عمت جبالها وسهولها وقراها، وحيث صفحة الماء في أفلاجها الخيرة، تعكس صورة الفرح الذي شملنا هذا اليوم، والسعد الذي زين أفئدتنا بالمقدم الكريم لضيوفنا من كل فج في منطقة الخليج، ومن سلطنة عمان العامرة بالحب والوئام.. نتوشح بالفخر أن تكون مدينة نزوى مع محافظة مسقط محطة للمنتدى الخليجي الثقافي وهو يدشن أول دوراته، ونؤكد لكم أننا كمؤسسات أهلية وأفراد في هذه المدينة العريقة نرحب بالتعاون والتواصل في كل ما من شأنه خدمة الفكر والأدب والثقافة».

كما ألقى المكرم المهندس سعيد الصقلاوي رئيس الجمعية العمانية للكتاب والأدباء كلمة قال فيها: «إن زهرة هذا المنتدى ستتحول بتوفيق الله وتفعيل الهمم إيجابيا والعمل المثمر إلى بستان يانع تنعم بثماره الطيبة ثقافة المنطقة عبر تلاقي إبداع أبنائها وتثاقفهم وعبر التواصل البناء بينهم وعبر تشاركهم في إنتاج المعرفة الإنسانية وعبر توظيف الممكنات المتاحة للعمل الكتابي ونشره وعبر تعزيز روابط الأخوة وتوثيق روابط التضامن الجامعة».

وأضاف الصقلاوي: «انبرت الجمعية العمانية للكتاب والأدباء بالتعاون وهيئات الكتاب والأدباء المنتخبة في دول مجلس التعاون إلى جعل فكرة هذا المنتدى متحققة على أرض الواقع كي تنهض بالأهداف المتوخاة والمأمولة منه وتم اعتماد اللائحة التنسيقية المنظمة لعمل المنتدى وسيتم تنظيمه سنويا وتستضيفه في كل مرة إحدى هيئاته العاملة في دول مجلس التعاون وتنتقل رئاسته اليها».

وفي الختام كرّم سعادة الشيخ راعي المناسبة المشاركين في الجلسات النقدية والشعراء المشاركين في الأمسية كما تسلم راعي المناسبة هدية تذكارية من المكرم المهندس سعيد الصقلاوي رئيس الجمعية العمانية للكتاب والأدباء.
https://www.omandaily.om/ثقافة/na/المنتدى-الثقافي-الخليجي-يناقش-تحولات-النص-الشعري