كتبت: خلود الفزارية
«قراءة تربوية» في التوجيه السامي لجلالة السلطان
مختصون يؤكدون ضرورة بناء حوار وجسر تواصل بين الآباء والأبناء
نظم النادي الثقافي أمس أمسية تربوية ناقش فيها جانبا من خطاب جلالة السلطان هيثم بن طارق -حفظه الله ورعاه- أمام مشايخ وأعيان محافظتي الداخلية والوسطى بحصن الشموخ. وشارك في الأمسية الدكتور سليمان بن محمد المحروقي، وهلال بن سالم الصوافي وأدارت الحوار الإعلامية جيهان اللمكية.
وقبل الحوار عُرض مقطع مرئي للخطاب السامي الذي جرت مناقشته وتفصيله والوقوف على أبعاده في الأمسية، وقدمت الإعلامية جيهان اللمكية نبذة عن دور التربية في بناء الطفل وتأثير محطات التواصل الاجتماعي عليها والمخاطر التي يجب أن ينتبه إليها الآباء متوجهة بحديثها إلى الضيف هلال الصوافي؛ فأوضح أننا حين نتأمل في التوجيهات السامية نجد تسلسلا في طرح القضية فالخطاب أكثر عمقا عن المنظور السطحي فقد أكد جلالة السلطان -حفظه الله- في البداية على دور الأسرة، ثم العادات والتقاليد، فالمجتمع، وانتهاء بوسائل التواصل الاجتماعي. حيث إن وسائل التواصل الاجتماعي لم تستغل في بداياتها بذلك الشكل السلبي وإنما طريقة استخدام التقنية هو ما جعل استغلال الأمر استغلالا سلبيا، فقضية الأسرة ودورها، واتباع العادات والتقاليد أهم من تلك الوسائل التقنية، بعدها يأتي محور التقنية والتعامل معها كأحد محاور النظام والتعامل معه.
ويشير الصوافي إلى إحصائيات خطِرة عن استخدام التقنية على مستوى العالم بوجود تبعاتٍ أثارت الباحثين في مختلف العلوم، فقد أشارت الدراسات إلى ارتفاع معدلات الاكتئاب، ومع أنه لا يوجد دراسة دقيقة حول ذلك إلا أن للتقنية دورا بارزا في التأثير في الاكتئاب، والتأثير الآخر هو التشتت ومعدل متابعة الأطفال دون سن السادسة يزيد التشتت بنسبة 10 في المائة، كما تكلم علماء الطب عن أثر هذه المواقع في الدماغ، وأثبت الطب البيولوجي أن ارتفاع معدل الارتعاش بسبب الإمساك بالأجهزة الإلكترونية بالإضافة إلى تأثيرها في المهارات الحركية، فكل هذه التأثيرات تحتاج إلى وقفة، حيث تشير الدراسات إلى أن عدد من يستخدم الإنترنت في العالم
تجاوز 3.2 مليار ، وتشير منظمة اليونيسف أن معدل متابعة الطفل من عمر 4-14 سنة 5 ساعات في وقتنا الحالي بالرغم من أن الدراسات شددت على أن الطفل المتزن يجب ألا يتجاوز 3 ساعات في استخدام هذه الأجهزة. ومن جهة أخرى يوضح أنه لا ينكر وجود الفائدة في الانفجار المعرفي الذي أحدثته التقنية، فاستثمار الدول والشركات في التعلم التقني يتنامى، وهناك تركيز على الاستثمار المالي في مجال التعلم الرقمي.
وتطرق الصوافي إلى الحلول حيث قسمها إلى قسمين أساسيين وهما: حلول تربوية بالحوار كالجلسات الحوارية والجلسات الحميمية ويجب أن نرفع معدل الجلسات الحوارية من أجل أن يتحدث الابن عن نفسه، ويكون الأب والأم قدوة وهي رسالة لأولياء الأمور، عليهم إشباع الحاجات النفسية لدى الطفل لأن الطفل يمتلك في مرحلة عمرية معينة حب الاطلاع ويجب أن يحاط بالأمان، والحب، والتقدير، والتفهم، والقبول، وهي خمسة أمور نفسية ضرورية إذا بنيت في الطفل بناء حقيقيا فلا خوف عليه، مبينا ضرورة الإلمام بطريقة الحوار، كما أن دور المجتمع والمؤسسات ضروري، وقد أكد الخطاب السامي دور المؤسسات المجتمعية، حيث يوجد آباء لا يجيدون التربية، وهنا يأتي دور المجتمع، ولا بد أن يكون هناك ممارسة منطلقة من معرفة بالمجتمعات الخيرية والمؤسسية، وكيف تربي ابنك وتتعامل معه؛ فمهما سعت المؤسسات لبناء الأطفال مع تقصير الآباء فنسبة الاستفادة ستكون ضئيلة.
وينصح هلال الصوافي المشاهير والمؤثرين في وسائل التواصل الاجتماعي بالتفكير في مقياس عدد المتابعين لكل شخص، فلو كل مشهور احتسب أمانته أمام الله والمجتمع بعدد المشاهدين لما أراد المزيد من المتابعين لأن مضمون رسالة واحدة يتابعها ألف وستكون المسؤولية ضخمة. والمقاييس في التربية تنطلق من الدراسات والبحوث وأقرب شيء لصيق بالمجتمع العماني العادات والقيم، وهي في متناول الجميع ولو عرفنا أن سلوك الطفل متناف مع القيم وجب علينا تقويمه؛ لذلك على ولي الأمر أن يكون متغيرا في تربيته لابنه مع تغيير الأساليب فمع تقدم الزمن وعمر الطفل تختلف التربية، والمربي المجدد يجب أن ينوع في طرقه وأساليبه وتعامله مع المراحل المختلفة للأبناء. في حين أوضح الدكتور سليمان المحروقي أن البرامج والتقنيات هي واقع نعيشه،
والتحدي يكمن في دور الأسر لـ «فلترة» هذه الوسائل وجعل الأبناء يستخدمونها بالشكل الأمثل، فالإيجابيات موجودة وفي المقابل فإن التحديات أكبر، لذلك يجب علينا التساؤل: كيف يوجه ولي الأمر أبناءه في استخدام هذه الوسائل والتقنيات؟.
وينبه المحروقي إلى ضرورة بناء العلاقات مع الأبناء بجسر متين، ويكون الأب والمربي قريبا من أبنائه لإيجاد حوار فعال حقيقي؛ لذا يسهل عليه إدارة البرامج التي يستخدمها الأبناء بالجلوس معهم، ويمكن أن نتعامل مع المشاهد التي لا نرغب بأن يراها الطفل دون ارتباك، ومناقشة المحتويات وخطورتها أو فكرة خاطئة بأن أنتقدها لأن الحوار البناء سلاح سحري مع الأبناء ويعطي نتائج جذرية.
ويشير إلى أن دور الآباء ليس رقابيا بقدر أن أولياء الأمور يجب أن يكونوا على معرفة ودراية واطلاع بهذه الوسائل والتقنيات للتعرف على المخاطر والتحديات مستشهدا بمخاطر عالم «الإنمي» الذي تبث منه المئات من الأفلام والمسلسلات.
وينتقل المحروقي للحديث عن وسائل التواصل فمع التقرب من الأبناء يمكن أن نبني حوارا فعالا يعمل على بناء جسر من العلاقة مع الأبناء، ومع الأسف فإن الحوار بين الآباء والأبناء في وقتنا الحالي ليس مرضيا، ويمكن التوقف عند قضية «جنوح الأحداث» على سبيل المثال، فالكثير منهم أعادوا السبب لعدم وجود علاقة بناءة مع ذويهم ما جعلهم يتمردون على العادات والمجتمع، كما أن الكثير من حالات عدم النجاح الدراسي والسلوكي مما لامسته في عملي اليومي نتج من عدم وجود بيئة صحية في المنزل، فاليوم يمر الأبناء بتحديات ولا يوجد تواصل بين الآباء وأبنائهم، لأن الأب لم يحاول بناء علاقة مع أبنائه أو محاولة التكلم بشكل ودي معهم.
مبينا أن أهل الاختصاص هم من يجب أن يتصدروا هذا المشهد لأن التربية يتكلم فيها الجميع، وعلينا أن ننشر ثقافة« اسأل أهل الاختصاص» لأولياء الأمور، فمن لديه تحد يجب أن تكون لديه هذه الثقافة وأن يعالجها في الوقت المناسب، مع إيجاد خطة علاجية طويلة المدى؛ لأن بعض الآباء يتوجهون إلى أبنائهم في يوم واحد ويصبون عليهم المواعظ في محاضرة واحدة محاولين زرع العادات والقيم، وهذا لن يتأتى بجلسة واحدة، وإنما وجب التدرج بالبدء بالعادة الأقل صعوبة، وكل عادة تحتاج لنفس طويل مع طول البال، لأن أسلوب الحوار والنقاش أسلوب أساسي لزرع هذه القيم في الأبناء، والسائد في مجتمعاتنا طرق التربية القديمة والمحاولة والخطأ، وحلول المشكلة إما تصيب وإما تخطئ، وأن يحاول كل مربي تربية الأبناء بالكيفية التي تربى عليها وهذا لا يصلح لهذا الزمان.
ويوضح المحروقي ضرورة التثقيف بالاطلاع والقراءة، وأن يسأل كل أب نفسه: كم كتاب في التربية قرأت؟ وكم دورة حضرت؟ وكم جلسة مع أصحاب الاختصاص جلست؟ وأنا متأكد بأن النتائج لن تكون مرضية، مؤكدا أن رؤية عمان 2040 تلزمنا بأن نسعى لتحقيق الهدف، وأن نسهم من خلال هذه الزاوية وهي الدراسات العلمية التي تكشف لنا ما نحن بحاجة إليه لإيجاد الحلول العلمية لها.
https://www.omandaily.om/ثقافة/na/النادي-الثقافي-يناقش-أهمية-تربية-الأبناء-في-ظل-هيمنة-شبكات-التواصل-الاجتماعي