هشام مصطفى: التجربة الأدبية العمانية تجربة ثرية بمحفزات أي ناقد يبحث عن الجودة

الحركة النقدية
فـي السلطنة حظيت باهتمام كبير من قبل
الكتاب والأدباء العرب

مسقط – العمانية:
■■ يجد المتابع لأعمال الكاتب والشاعر المصري هشام مصطفى، تتبعه للأدب العُماني والشعر على وجه الخصوص، فهناك اهتمام واضح وجلي بمقتضيات القصيدة العُمانية الحديثة ودراستها والاشتغال على ما تقدمه من رؤى، خصوصا في شأن النهوض بمجرياتها وتفاعلها مع الأحداث، فالشاعر مصطفى اقترب كثيرًا من تجارب الشعراء سعيد الصقلاوي وسعيدة بنت خاطر الفارسية ومحمد الحارثي وهلال العبري، مرورًا بالشعر الشعبي وقراءاته المتعددة لأشعار الشاعر محفوظ الفارسي.. وهنا يقربنا الشاعر هشام من تلك التفاصيل التي يجد فيها متسعًا للتحليق نحو الكلمة. ■■

يتحدث الشاعر هشام مصطفى عن تجربته مع الأدب العُماني بصورة عامة، والمحفزات في هذا الأدب من وجهة نظر نقدية، وكيفية تتبّع أثره خلال السنوات الماضية ويقول: تجربتي مع الأدب العربي في سلطنة عُمان تجربة قديمة بدأت منذ العام 1996م وإلى الآن، وإن قل النتاج الشعري والنقدي لبعض التحولات إلا أنها بدأت تحديدًا مع بعض الصحف المحلية، ونظرًا لاهتمامي الشديد بالتجربة الإبداعية العُمانية واعتقادي أنها تحتاج إلى تسليط الضوء عليها بالدراسات الموضوعية النقدية جعلتني أتحول في إسهاماتي إلى الجانب النقدي والذي أخرجت للمكتبة العربية والعمانية من خلالها عنوانين الأول تحت مسمى (شاعر بحجم الألم) دراسة تفكيكية والثاني بمسمى (في أروقة الحداثة) دراسات متنوعة في التجربة الشعرية العمانية.

ويضيف: (أما من حيث المحفزات فالتجربة الإبداعية العمانية تجربة ثرية بمحفزات أي ناقد يبحث عن الجودة تستحوذ عليها وهذا الأمر لفت انتباهي ليس في الأعمال الحديثة المعاصرة بمختلف اتجاهاتها بل منذ القدم على الأقل بالنسبة لي على المستوى السردي ودراسة عن المقامة الشعرية أسسها وتطورها منذ نشأتها الحقيقية، ولقد شدّت انتباهي مقولة الجاحظ أن الأدب شطره في عُمان ورغم هذا التصريح شديد الوضوح إلا أن هذا الأدب لم يلق العناية الواجبة في دراسته وتسليط الضوء عليها وهذا مبحث مهم يمكن للنقد أن يجيب عليها بالتتبع التاريخي النقدي، ولقد تتبعت أثره من خلال تجارب الشعراء سعيد الصقلاوي ومحمد الحارثي والشيخ هلال العبري والشاعرة سعيدة خاطر الفارسية تناولت من خلال الدراسات جوانب البنية الشعرية على مستوى الجملة والصورة والمحرض الجمالي وعتبات النصوص).

الإصدار النوعي المعنون بـ(في أروقة الحداثة) يتقصى عددًا من التجارب العُمانية في الشعر الحديث، بما فيها تجربة الشاعر هلال العامري والدكتورة سعيدة بنت خاطر الفارسية والشاعر محمد الحارثي والشاعر سعيد الصقلاوي، هنا يقترب الشاعر هشام من هذا الإصدار ليفند خصائصه وماهية التقصي النقدي فيه ويشير: (هذا الإصدار هو محاولة فك اشتباك لمعركة نقدية وهمية بين النصوص الحداثية والكلاسيكية، فمثلا كان الاهتمام بشعر الشاعرة سعيدة الفارسية انطلاقا من المحرضات الجمالية للحداثة ومدى تحسسها ومدى مواكبتها لاتجاهات الشعر في الأدب العربي لإعادة قراءة الشعر مرة أخرى بناء على الأسس الحداثية فثمة إشكالية لدى النقد والناقد حينما يتناول النص من معتقدات الناقد مرة وأخرى محاولة البحث عن المعنى التعليمي المدرسي، وثالثة حينما يفرض وصايته على النص بأحكام تغلق النص ولا تجعله مشرعًا أمام المتابع والقارئ العادي، فالنقد الذي يقدم ما يعتقد أن الشاعر عبّر عنه إنما يتعدى على حقوق المتلقي العادي، فالنص متى انطلق أصبح ملكًا حصريًّا للمتلقي يجد فيه مندوحة لا ما نتصوره الناقد وعلى الناقد أن يهتم للمعنى الفني وأسس البنية للجملة والسمات الأسلوبية ومدى توافقها مع اتجاهات النص وقضاياه كل هذا تحت عباءة الرؤية الجمالية أو الفلسفية التي يعبّر عنها النص ومبادئ الاتجاه الذي سار من خلاله).

وفي الدراسة الثالثة كانت دراسة مقارنة بين الشاعرين هلال العبري وسعيد الصقلاوي من حيث بنية الصورة ومدى تجذر الرؤية الحداثية سواء على مستوى البنى المتتابعة للجمل أو الرمز أو الديناميكية للحركة في الصورة صعودا وهبوطا اتساقا عمّا تعبر عنه في بوتقة الحداثة الشعرية ولقد استعنت بالرسم البياني والخرائط المعرفية للصورة الشعرية انطلاقا من فهم لمصطلح الصورة الشعرية وتحديدًا ومدلولًا فهذا الفهم هو الأساس والباب الشرعي لفهم أي دراسة واعتبارها تأسيس للدراسة، ولا أخفي قولًا أن هناك إشكالية أحاول من خلال هذا الكتاب أن أضع رؤى لحلها هذه الإشكالية أن ملامح النص لقراءة أعمق فيه يجب أن تقوم على تحديد اتجاه النص ومحددات الدراسة واتساقها مع الرؤية الفلسفية الجمالية التي تبدو المحرك الرئيسي لتشكل ملامح المعنى الفني فيها.
المتتبع لمشوار الكاتب هشام مصطفى النقدي يجد حضوره في الشعر الشعبي في السلطنة ورصده لعدد من التجارب الشعرية، بما في ذلك تجربة الشاعر محفوظ بن محمد الفارسي، وغيرها من التجارب التي شكلت نمطًا مُغايرًا في الواقع الشعري الشعبي، هنا يعرّفنا قراءاته للشعر الشعبي في السلطنة عمومًا ويقول: يجب ألا ننظر للشعر الشعبي على أنه معادٍ للغة العربية بل هو رديف لها ينطلق منها لا ضدها فاللهجة هي تحوير للغة مع عدم التزام لقواعدها الجامدة وتمرد على قولبتها للجملة وهذا ما تفعله الحداثة الشعرية محاولة لإيجاد اللغة في إطارها من خلال المدلولات المدهشة والتحولات النصية للجملة هكذا الشعر الشعبي.

وتوجد للكاتب والناقد هشام مصطفى رؤية في التجارب الشعبية الشعرية العمانية وهي تشكّل حضورها الفعلي تصاعديًّا، فهو يشير إلى ذلك من وجهة نظره إلى الترابط بين الشعر الشعبي في سلطنة عُمان والشعر الشعبي كما عرفناه في مصر، ويقول: “التجربة الشعرية الشعبية العمانية تشكل حضورًا قويًّا بتنوع أنماط الشعر الشعبي الفريد بل يمكن اعتباره سجلًا تاريخيًّا للمجتمع العماني عادته وتقاليده واتجاهاته وأنماط تفكيره وهو كنز لم يفتح بعد ينتظر الكثير من العمل التوثيقي والنقدي وإعادة قراءته قراءة متأنية عميقة تبرز كل هذه الجوانب بل يمكن أن يكون مادة لعلوم التاريخ والاجتماع والأدب والنقد؛ فالعُماني أيًّا كانت انتمائه ونوعه محب للشعر ومقدر له بل وعميق الفهم له فعلى مستوى الحضور هي حاضرة وبقوة قديما وحديثا والإشكالية في تسليط الضوء عليها سواء على مستوى النافذة الإعلامية والقنوات المرئية أو على المستوى النقدي.

وفي نهاية هذا التطواف يشير الكاتب هشام مصطفى إلى أن الحركة النقدية في السلطنة حظيت باهتمام كبير من قبل الكتّاب والأدباء العرب منذ فترة ليست بالقصيرة، حيث اتجهت نحو الشعر والقصة القصيرة والرواية أيضًا، هنا يكشف الكاتب عن مشاهداته لمسارات تلك الحركة، والنتائج المستخلصة كونه أحد الكتّاب الذين اتجهوا ضمن نطاقها ويقول: (الأدب العماني قديما وحدثيا أدب زاخر بالكثير من الجودة هذا الأمر ليس من قبيل المجاملة فالنقد الموضوعي لا يقبل المجاملة ولا ترفها أو إمكاناتها لهذا فكل عمل ينفذ من الداخل للخارج يجد ترحيبًا بل تقديرًا وهذا ما نراه أخيرًا في الأعمال التي نالت الكثير من التقدير سواء على مستوى المسابقات أو على مستوى المحافل الأدبية المعتبرة بل أصبح واسع الانتشار لأنه يحمل لغة جديدة ومضمونا لم يتطرق له أحد وهو يعبّر عن تجربة تم صهرها من خلال تاريخ طويل لذا ليس غريبًا أن يجد الانتشار والتقدير معًا وهذه سمة الجودة في العمل الأدبي أيًّا كان جنسه واتجاهه، فقط يحتاج إلى تسليط الضوء والنوافذ ليعبر من حدود المحلية للعالمية، ولا نريد منه تغيير لغته أو أسسها بل كلما تعمق في محليته وعبر عنها كلما وصل للعالمية، فقط نريد الدراسات الكثيرة والمنفتحة والنوافذ الإعلامية).