أحمد بن عبدالله الفلاحي
صوته من خامة الأصوات الإذاعية النادرة التي تخترق الوجدان وتحرك النفوس.
ترك عبدالله بن صخر في أغسطس 1970 وظيفته كمدرس بالمدرسة السعيدية ليتوجه نحو الإذاعة بكل شوق ورغبة
عمل بوزارة الإعلام مديراً عاماً للإعلام ثم مديراً عاماً للمطبوعات ورئيساً لتحرير جريدة عمان
حينما دخلنا بوابة مبنى الإذاعة لأول مرة أوائل عام 1971 كان أول من استقبلنا بابتسامته المعهودة ودماثته المميزة وكنا قبل رؤيته قد عرفنا صورته التي كانت تنشرها جريدة “الوطن” عند حديثها عن برامج الإذاعة ونشرات الأخبار وكانت هي الجريدة العمانية الوحيدة في ذلك الوقت. ومن خلال الإذاعة العمانية كان صوته القوي المعبر قد دخل أسماعنا قارئاً لنشرات الأخبار ومقدما للبرامج بالإضافة إلى تعليقاته السياسية التي تجيء في المساءات يوميا عقيب نشرة الأخبار. وكان هو النجم الأول للإذاعة متفرداً بلا منازع في تلك الفترة فهو يقرأ النشرات ويجري المقابلات ويعد البرامج المتنوعة.
وكانت معظم البرامج بصوته ومن إعداده على اختلاف صنوفها التنموية والثقافية والسياسية والتاريخية والمنوعات. وكان صوته من خامة الأصوات الإذاعية النادرة التي تخترق الوجدان وتحرك النفوس لهذا كان الصوت الأثير والمحبب لكل مستمعي إذاعة مسقط في ذلك الأوان ولم يكن الصوت وحده فقط هو الذي حمله إلى دخائل الناس وإنما مع الصوت كانت إلماماته المتنوعة واهتماماته المتعددة التي اقتطفت من كل بستان زهرة من الشعر إلى التاريخ إلى الموسيقى والغناء إلى السياسة والثقافة والاقتصاد والمقابلات. وكذلك طريقته المميزة في التقديم وقبل ذلك وبعده تمكنه من اللغة العربية وأساليبها وكان الناس وهم يتابعونه يفتخرون به وبمهارته الإذاعية الممتازة التي يجدونها حينما يقارنون في مستوى لا يقل عن مهارات مذيعي الإذاعات الراقية المسموعة حينذاك كإذاعة لندن وإذاعة صوت العرب من القاهرة وإذاعة صوت الساحل من الشارقة. التي جاء منها مدير إذاعتنا يومئذ المذيع اللامع أحمد المنصوري أول من قال “هنا إذاعة عمان من مسقط”.
ولم يكن عبدالله بن صخر متخصصا في الإعلام أو على دراية بالعمل الإذاعي وأول إذاعة يدخلها في حياته كانت إذاعة “صوت الساحل” في الشارقة التي ذهب إليها في دورة إعداد سريعة لمدة أسبوعين في أكتوبر 1970 م. ولكنه كان إذاعيا بالسليقة والموهبة فقد استطاع في أقصر مدة أن يصبح من الإذاعيين المتميزين وتفوق على كثير ممن سبقوه في ميدان الإعلام والإذاعة من المتخصصين والدارسين لهذا الفن بشهادة كل من عرفه وتابع أداءه الإذاعي في بداياته الباكرة ومنهم أساطين إذاعة القاهرة وإذاعة صوت العرب الذين لفت أنظارهم حينما كان في القاهرة لدورة تدريبية امتدت في حدود نصف العام أو أكثر بقليل.
وقد لاحظوا تفوق موهبته واستعداده الفطري للعمل الإذاعي وبهرتهم قدراته كما لو كان متخصصا فيه وممارسا له من قبل وكانوا يستغربون حين يعلمون أنه ليست له تجربة مع الإذاعة من قبل. ولم تكن له أدنى معرفة قط بها وعلاقته الوحيدة مع الإذاعة كانت حتى ذلك الوقت تتمثل في كونه من عشاق الإذاعات ومن هواة الاستماع لها وتتبع برامجها والحوارات التي تتم فيها من قبل أن توجد الإذاعة في عمان كما أخبرني هو نفسه. حيث كان مستمعا جيدا لإذاعة صوت العرب من القاهرة وإذاعة بغداد وإذاعة “صوت الساحل” التي كانت تبث من الشارقة وإذاعة لندن التي كان معظم الناس يتابعونها يوم ذاك إضافة إلى الإذاعات الأخرى التي يتيسر له التقاطها في الأماسي الليلية.
وتلك المواظبة الدائمة على استماع الإذاعات والتعلق ببرامجها ونشراتها وأساليب وطرائق المقدمين فيها هي التي هيأته للالتحاق بالإذاعة العمانية غداة افتتاحها أول مرة في أغسطس 1970م يومها ترك عبدالله بن صخر فورا وظيفته كمدرس بالمدرسة السعيدية ليتوجه نحو الإذاعة بكل شوق ورغبة. وهناك بدأ مرحلة من مسار حياته مختلفة كليا عما سبقها. ومما ساعده على النجاح في مهمته الجديدة معرفته بكل ما تقدمه الإذاعات من البرامج والأخبار والمحاورات وحسن الاختيار وصور التقديم والإلمام بكثير من الجوانب التي تعالجها الإذاعات وتتناولها وتلتفت لها في برامجها في ذلك الزمن. على اختلاف توجهات تلك الإذاعات والسياسة التي تنتهجها كل منها. وكان وعيه وفطنته ورؤيته المميزة لما تقوم به هذه الإذاعة أو تلك جعله على دراية بالفروق وأحيانا حتى التناقض بين إذاعة وأخرى كما هو مثلا حال إذاعة لندن وإذاعة صوت العرب فإذاعة لندن لها اهتمامات وتوجهات تغاير كليا وتتناقض مع رسالة صوت العرب وينعكس التوجه على كل شيء تقدمه الإذاعات حسب السياسة التي تسير عليها حتى الأغاني والمنوعات يتم توظيفها لتكون منسجمة مع التوجه المراد. ولا شك أن مداومته الاستماع لإذاعات ذلك الوقت ومتابعته كذلك للصحف والمجلات والدوريات التي تصل إلى عمان حينها قد وسع من ثقافته العصرية وأضاف إليه دراية أكثر وأسهم في تطوير ما لديه من المعارف الحديثة وكون لديه رصيدا من المعلومات والخبرة والوعي عزز تمكنه من الوقوف في مصاف كبار الإذاعيين المتمرسين بكل ثقة واقتدار. وقد ظهر تأثره واضحاً بتعليقات صوت العرب السياسية في تعليقاته عالية النبرة التي كان يرسلها عبر إذاعة مسقط حينذاك في أسلوب مؤثر أخاذ يعبر عن مناخ تلك الأيام وأحوالها – وأنا هنا إنما أتكلم عن مقدرته المهنية – وكانت تلك التعليقات التي يلقيها في حماسة شديدة بصوته تحظى بالاهتمام من لدن طائفة كبيرة من الناس.
قلت أننا عرفناه صورة وصوتا قبل لقائه فلما التقيناه بابتسامته الجاذبة وبضحكته الجهيرة المسترسلة وبطريقته المتميزة في لف الـ”مصر” التي لا تشابه لفة أي أحد آخر وبأخلاقه الرفيعة ومعاملته الرائعة وأسلوبه المهذب – صدق الخبر الخُبْرُ – كما قال القائل القديم.
التواضع الجم والأدب الرفيع والاندماج مع الزملاء والبساطة في التعامل صفات تأسر عارفيه وملتقيه على اختلاف مشاربهم فتجعلهم يتجاوزون تحفظاتهم ويتناسون كل ما لعله يكون قد جال بخواطرهم من شكوك أو ظنون أو ما مر في أذهانهم من عتب أو مأخذ ويتساقط من دواخلهم ما لعلهم سمعوه من تقولات وانتقادات وغمزات يطلقها فلان وعلان من هواة الثرثرة واغتياب الآخرين بالباطل في الزوايا البعيدة والأماكن الخالية الجانبية. يتحدث فينصرف الجمع لمتابعة حديثه لما فيه من تشويق وجاذبية ويحضر في المجلس فيفرض شخصيته ويجتذب الحضور للإصغاء إليه والإنصات لما يقول. ويتفرع الجدال ويتنوع ولكن بوصلته تكون في يده هو لما يلقيه من حجة وما يقدمه من مبررات يصعب تجاهلها فيبقى وكل الآذان تتابعه ويخرج وكل الأعين ترمقه بالإعجاب تاركا في النفوس أثره البالغ بفصاحته وتلقائيته وجميل حديثه وظريف تعليقاته وأسلوب حواره. يتباسط مع الكل ويعطي الانتباه للجميع موسعا دائرة النقاش ومتيحا الفرصة لمن يرغب المشاركة في براعة وسلاسة وإتقان. يرسل النكتة أو بيت الشعر أو المقولة المأثورة أو المثل الشائع بالعامية الدارجة أو بالفصحى في أسلوب عجيب وبديهة حاضرة.
وثق العمل الإذاعي ودوراته الصباحية والعصرية والليلية الصلة بيننا. زميلا في أول الأمر وقد كان أسبقنا في العمل وأكبرنا في السن وأكثرنا خبرة وتجربة ومعرفة ثم رئيسا بعد ذلك إلى أن صار نائباً للمدير وبعدها كان المدير والقائد الذي أصبح تصريف العمل وإدارته كله إليه في شتى الحالات. ولم تتغير طبيعته ولم يتبدل حاله بل ظل كما هو مثلما عرفناه وخبرناه منذ أول لقائنا به الأخ الأكبر والصديق القريب الذي تنمو صداقته كلما مر الزمن وتوالت السنوات.
ولم يطل به الوقت في الإذاعة كثيرا فقد غادرها باكرا على غير رضاه وعكس ما يهوى. وإن ظل محبا عاشقا لها شغوفا بها ينتظر العودة إليها ويأمل أن لا يطول ابتعاده عنها وفراقه إياها ساعيا بكل الجهد للرجوع باذلاً المحاولات ومهيئا الأسباب وملتمسا الوسائل. لكن الرياح لا تجري دوما بما تشتهي السفن حيث لم تتحقق رغبته وآماله التي كان ينتظرها ويتوق إليها في الوصول مرة أخرى لميكرفون الإذاعة متواصلا مع جماهيرها ومطلقا صوته عبر أثيرها.
ثم مضت به مقتضيات أداء واجب العمل وخدمة الوطن إلى أكثر من موقع في مؤسسات الحكومة المختلفة متفانيا في الولاء مخلصا في تقديم ما بوسعه غير ضان بأي جهد يستطيعه من أجل عمان وفي سبيلها.
وقد لبثنا بعده في الإذاعة زمنا امتد لسنوات قاربت نصف العقد وعاد هو فيما بعد إلى العمل بوزارة الإعلام مديراً عاماً للإعلام ثم مديراً عاماً للمطبوعات ورئيساً لتحرير جريدة عمان. وبعد عودته بنحو سنة أو أكثر قليلاً كان علينا نحن هذه المرة ترك الإعلام وقد بذل الجهد مضاعفا لإثنائنا ولكن قرارنا يومها كان غير قابل للتراجع. فذهبنا وتركناه وإن استمرت صلتنا به قائمة لم تنفصم عراها بل توطدت وتأكدت وتوثقت روابطها وظل كما عهدناه من قبل ذاك الصديق الوفي الذي لا ينسى إخوانه يجدد التواصل بنا ويسعى إلينا ويزورنا ويستزيرنا باستمرار كلما سنحت الفرصة أو مضت فترة ويعتذر إن شغلته الشواغل ويعتب إن تأخرت زيارتنا أو تباعد اتصالنا.
ومن ثم جذبتنا نحن أيضا الوظيفة إلى أمكنة أخرى مختلفة ومتعددة وبقيت الصداقة معه تتعمق وتزداد رسوخا وثباتا يوما بعد يوم واستمر التواصل بالمراسلة أو بالهاتف إن باعد بيننا المكان أو باللقاء المباشر حين نكون على مقربة من بعضنا.
وقد يحصل الاختلاف في الرؤى ووجهات النظر حيال بعض جوانب شؤون الحياة وذلك شيء طبيعي بين البشر ولكن من غير أن – يفسد للود قضية – كما يقول القائلون نختلف وتتقاطع رؤانا ولكن الحب والصداقة بيننا تظل ثابتة لا تهتز ولا تتغير. وقد كتبت مرة مقالة مطولة في جريدة الوطن منتقدا حال الثقافة في عمان لم تعجبه ورأها حادة أكثر من اللازم فكتب ردا طويلا في ذات الجريدة يناقض رأيي وكانت هذه الواقعة مثالاً لما أشرت إليه من تباين مواقفنا أحيانا حول قضايا أو أشخاص أو أفكار. وقد تعودت أن لا أجامل في آرائي وأن أصر عليها وإن خالفني من خالفني إلا إن اكتشفت الخطأ فيما ذهبت إليه فإني أعود منقاداً طائعا للحقيقة غير هياب ولا متذبذب مهما كان الأمر.
وبحكم انفتاح الأستاذ عبدالله بن صخر وحبه للتواصل مع الناس نشأت صحبتنا في بدايات تعرفنا عليه وبدأ يصطحبنا لزيارات بعض أصدقائه ومعارفه وتعريفنا بأقاربه وأهله ومنهم والده الكريم الذي كان يأخذنا إليه في منزله بمطرح وأحياناً في مزرعته بالحيل. وفي مرة ذهبنا بصحبته لزيارة أولاد عمه وأصهاره المشايخ أبناء منصور بن غالب خالد وحارث في “المعبيلة”. ومعهم صادفنا زائرا لهم والي السيب السيد الجلندى بن ماجد بن تيمور وكان ذلك أول لقاء لنا به فوجدناه متواضعا لطيفا مبتسم الوجه لبقا في الحديث وقد أشاد في جزء من حديثه بقدرات عمه السيد طارق بن تيمور رئيس الوزراء وحكمته وبعد نظره والسيد جلندى يومها مازال بعد في أول شبابه لعله دون الخامسة والعشرين من سنوات عمره وقبل ذهابه بعد أن تغدينا معا أصر بقوة كي نمر عليه في الحصن لتناول القهوة عنده وكانت تربطه بالأستاذ عبدالله صداقة متينة.
وقد تشكل منا ونحن في الإذاعة في سنة 1972 فريق للرحلات إلى المناطق العمانية المختلفة وكانت الطرق صعبة لم تعبد بعد ومن ضمن المناطق التي زرناها مدينة أدم وكان بصحبتنا الشيخ أحمد بن سيف المحروقي وإخوته وكانوا ما زالوا صغارا يدرسون في جامع الخور بمسقط والتقينا هناك بآبائهم من سراة أهل أدم الأجلاء وفي مقدمتهم الشيخ محمد بن سلطان المحروقي حيث أمضينا نهارا كاملا في زيارتهم حظينا فيه بغزير كرم أهل أدم المعهود وحسن ضيافتهم. ومرة ذهبنا إلى سمائل وكان الشيخ عبدالله الخليلي – الزعيم المعروف والشاعر الأكبر – هو مضيفنا الذي نعمنا في بيته ومدينته بسخائه الغامر وتلك هي أول مرة التقي فيها بالشيخ الخليلي واستمع إليه عن قرب. وفي مرة أخرى ذهب بنا إلى صور وكنا في ضيافة الشيخ محمد بن ناصر الحشار الذي شملنا بكرمه ولطفه. ومرة تالية بعدها أخذنا إلى بلدة “الهجاري” في الخابورة وقد نزلنا على الشيخ سلطان بن سيف الحوسني وأولاده وأخيه وقد أحاطونا كما هي عوائدهم بجزيل الكرم وجميل الرعاية.
وهكذا كل مرة في قرية أو مدينة عمانية. وأحيانا تكون رحلات للمبيت في الصحراء يكون فيها السمر والحديث الجميل تحت أضواء القمر أو على دفء نيران الحطب الموقد لشوي اللحم. ومن بين صحبنا في أغلب تلك الجولات من خارج الإذاعة محمد بن صخر العامري أصغر أشقاء الأستاذ عبدالله وقد كان من النادر أن لا يكون معنا ومعه كامرته لا تكاد تفارقه توثق بالصور تلك الرحلات -وإن لم نظفر بشيء من تلكم الصور- وكان وقتها ما زال بعد في أول شبابه مثلنا وكذلك ابن خاله الأصغر منه منصور بن حارث العامري الذي كان ينضم إلينا في بعض المرات ونأنس برفقته الطيبة ولطافته. أما الشلة الإذاعية فهم كثيرون وفي مقدمتهم أخوه الصديق الإذاعي الشاعر ذياب بن صخر الذي كان يمتعنا برقيق أشعاره أو بمحفوظاته من الشعر القديم والحديث وهو المشهود له بحفظ الشعر الجيد. والصديق عبدالله بن حمد العلي والصديق أحمد بن زاهر العثماني والصديق عبدالرحيم بن عيسى والصديق علي بن إبراهيم بن شنون والصديق جمعة بن محمد الوهيبي. وجمع من الزملاء الإذاعيين الأعزاء الذين غابت أسماء بعضهم عن ذاكرتي الآن. وفي تلك الرحلات تقع كثير من الطرائف والمفارقات المعتادة في مثل هكذا تجمعات. ومن بين الرحلات التي أذكرها رحلة إلى “ودام” بالمصنعة لعيادة الصديق علي بن صالح المجيني الذي كان قد أصيب بكسر في يده من جراء حادث سيارة وما تزال صورته في ذهني شاباً وسيما أنيق المظهر يغطي الجبس ذراع يده المعلقة في رقبته وكان وقتها يعمل مذيعا بإذاعة أبوظبي ويسعى للانتقال لإذاعة مسقط التي انتقل بالفعل مذيعاً بها وتدرج إلى أن صار مديرها بعد سنوات ثم مديراً للتلفزيون قبل أن يترك الإعلام كلياً ويسبقني إلى وزارة التربية والتعليم. وكانت زيارتنا له ثاني أيام عيد الأضحى وقد أكلنا الشواء عنده في منزلهم ولعل ذلك كان في عام 1972م أو 1973م.
وكان الأستاذ عبدالله بن صخر اجتماعيا يهوى التعرف على الناس ومصادقتهم ويحب التواصل معهم وقد ارتبط بعلاقات واسعة وصداقات وطيدة مع الكثيرين من أهل الموسيقى ونجوم الطرب والغناء العرب من بلدان الخليج ومصر والشام واليمن والعراق إضافة لعلاقاته مع الإعلاميين والإذاعيين.
وكذلك هو محب للترحال والتنقل ورؤية الأماكن ويستمتع كثيرا بالأسفار وزيارة الأقطار البعيدة.
وهو من الراغبين في الشعر وله محاولات فيه وأكثر ما يكتبه منه المقطوعات المعدة للغناء وقد تغنى بمقطوعاته عدد من المطربين العمانيين الذين كانوا يجدون منه التشجيع والدعم والمساندة وكان يكتب المقالات النثرية والخواطر وقد قامت الصحافة بنشر بعض كتاباته وخاصة جريدة الوطن.
وعندما يكون أو أكون خارج الوطن نتواصل بالرسائل والمكاتبة. ومن رسائله المتبقية عندي حتى الآن رسالة أرسلها من القاهرة بتاريخ 26/6/1972م وفيها ينبئني عن حالته في مصر وهو يزورها لأول مرة وعن الدورة التي كان فيها في الإذاعة المصرية وفي هذه الرسالة يقول “أما عن عودتي إليكم فسوف تكون قريبا بعد أن تنتهي دورة التدريب التي أنا مستمر فيها والحمد لله بنجاح وهي دورة خاصة وضعها المسؤولون ببرنامج شيق مفيد وليس معي فيها أحد وسوف أصل مسقط قبل نهاية يوليو” وفي بطاقة من لندن بتاريخ 26/1/1975م بعد أن انتقل من الإذاعة للعمل بوزارة الخارجية وتحديدا بالسفارة العمانية في جدة كتب إلي “يؤسفني أولا أن أسافر في نفس اليوم الذي كنا اتفقنا أن نلتقي فيه فأرجو المعذرة ومنذ يومين وصلت لندن مصطحبا سعادة السفير والجو هنا جميل وبارد جدا وملابس ثقيلة ومطر بين حين وآخر وأسواق زاخرة وحياة عمل وفي نفس الوقت هدوء ونظام” والسفير المشار إليه هو الشيخ هلال بن علي الخليلي أول سفير للسلطنة في السعودية وفي رسالة أخرى منه من جدة بالمملكة السعودية حين كان كما تقدم بالسفارة العُمانية هناك بتاريخ 7/3/1975م يقول: “أحييك وأحيي فيك الإخلاص وأشكر لك الوفاء وأعتز بك أخا وصديقاً كريما وأتمنى أن نلتقي لأنني دائما وأبدا أسعد بلقاء الإخوة المخلصين وأنت بطبيعة الحال في طليعة المخلصين” وفي بطاقة ثانية غير مؤرخة قد تكون في بدايات الثمانينات أو أواخر السبعينات من لندن في سفرة أخرى “من لندن وهي ترتدي هذا الصيف حلة خضراء يعمها الدفء وينتشر في جوانبها المئات من السياح العرب”
بقي أن أقول: كان للرجل حضور طاغ على أكثر من صعيد وقد خدم الدولة في أكثر من مكان من التربية إلى الإعلام إلى الدبلوماسية إلى الصحة إلى الإسكان فالإعلام مرة أخرى ثم الداخلية وقد عين وكيلا لها بضع سنوات قبل نقله مستشارا لوزارة التراث والثقافة التي كانت آخر محطات عمله الحكومي.
إضافة إلى إسهاماته الكثيرة المتنوعة في مجالات الأغنية والفن والثقافة والصحافة والأدب والأنشطة الشبابية والاجتماعية.
وفي فترة من حياته تعاون مع الكاتب الأديب سالم الغيلاني في مجلته “السراج” وصار رئيسا لتحريرها لبعض الوقت في إصدارها الثاني ثم صار له بعد ذلك عمود أسبوعي في جريدة “الوطن” اشتمل على تنوع في الموضوعات الثقافية والاجتماعية والفنية والأدبية.
وكان عبدالله بن صخر طيلة حياته متدفقا بالحيوية والحراك البارز والنشاط المتصل والحضور المتألق لا يطيق الانزواء والسكون بل هو دائما يحمل راية التجدد متفاعلا ومشاركاً ومساهما ومعطيا ومحركا ومحفزا وكان أسعد وقته حينما يكون وسط الرفاق والأصدقاء.
قدم الكثير وكان ذا طموح وهمة عالية وعزيمة واثقة وصلابة مكينة ونزوع إلى ما هو أكثر وأفضل وأجمل يتطلع دوما إلى الغد القادم مفعما بالآمال الواسعة والتوقعات الكبيرة الجيدة دون أن تثنه معوقات الأيام وصعوباتها عن مساره كما لم تحبطه تحديات الزمن وتقلباته بل ظل متحليا بالتفاؤل والأمل ولكن تطلعاته وأمنياته لعلها لم تتحقق حسبما يصبو ويبتغي.
ولعله مات وفي قلبه شيء من مرارة إحساس أنه لم ينل حقه الذي يرى أنه يستحقه لقاء ما قدمه من جهد وعطاء في وقت نال فيه بعض تلاميذه ومن هو أقل منه بمسافات أكثر من حقهم.
لقد أعطى بسخاء ولكن حظوظه لم تسعده بما كان يتوقع ويأمل فقد عاندته الأيام وخذله الدهر ثم فاجأه المرض وهو في عز حيويته وكامل صحته فأنهكه وزلزل جسده القوي حتى أخذ نفسه كلها في النهاية وهو في صبر وتفاؤل وفي قمة الصلابة والتحدي وعدم الاستسلام لضغط الحياة أو لسطوة الأمراض وشدتها وقسوتها حيث ظل يقاومها ويواجه طعناتها بإرادة قوية لسنوات عدة دون أن ينهزم أو يتغير أو يفقد مرحه واستمتاعه بالحياة إلى أقصى حدودها يعب كؤوسها لغاية الثمالة وهو مسرور ومبتهج.
لم تفارقه قط بسمته المعتادة وضحكته العالية المجلجلة ملازما الندامى والسمار من الأصحاب والخلصاء محتفيا بالأصدقاء متصلا بالناس متجددا في ممارسة الحياة منسجما مع الظروف غير رافض للعيش ولم يعرف القنوط سبيلا إليه بل كان سعيدا منشرحا حتى فارقت روحه الجسد بسهولة ويسر.
https://www.omandaily.om/ثقافة/na/عبدالله-بن-صخر-العامري-الإعلامي-القدير