عبدالله حبيب
«أعالٍ»
مُتحلِّقون
«على الأرائك متكئون»
عن السينما وإسرافيل يتكلمون
كلما أدلى بتعليقٍ قصيرٍ رمقتْه بتفَّاحة
وألقت نِتفة خبز تحت المنجنيق
حتى امتلأت الأرض بالطيور
وعاد الناس إلى الفردوس.
«مهرجان»
ممثلون، ودِبَبَةٌ، وروائح، ومهرِّجون
ونظرتان ترتطمان بخصريهما في كل يوم
لم نشاهدهما في أي فيلم.
«صيَّاد»
يأتي الصَّياد من المدينة
معتمرًا قبَّعته
متوشحًا بندقيته ومنظاره
متحزمًا بالرَّصاص، والسُّحُب، والأعشاش
تقول له الشَّابة الجميلة:
ستهرب منك طيور قريتنا
لأن ثيابك لا تشبه أرواحنا
سأعطيك من ملابس زوجي
لتصطاد كل الطيور
تفرُّ الأجنحة إلى المدينة
لتشاهد فيلمًا لِمِرينال سِنْ
يغرق الصيَّاد بين الأشجار
وتغني الشابَّة الجميلة أغنية حزينة.
«شمبانيا»
قنينة شمبانيا فاخرة في أسوأ الأزل
(حوالي الرابعة عصرًا)
امرأة قديمة تقول لك بعض النُّكت القديمة والمُضْجِرَة
أنت تضحك بطريقة قديمة كذلك
تقول لك إنها تفتقدك كثيرًا
تقول لها إنك تفتقدها كثيرًا أيضًا
على عتبات السُّلّم الذي صمَّمه أسوأ مهندس في العالم
تتدافع الذكريات الأكثر حَرَجًا على الأرض
في طريقكما إلى الهواء خارج الحانة
تعثرت خطواتكما
احتضنتما بعضكما البعض من باب الارتباك وقوانين الجاذبيَّة
وخشية الإصابة بِكَسْرٍ آخر
في الفؤاد الاحتياطي
تبتسمان للفراغ
الذي ينبثق من أذرعكما المعطوبة.
«بحر»
رأيتُ البارحة أنكِ عدت
لم يعد الأمر يهمني كثيرًا
لكني سأذهب الآن إلى آخر البحار
تاركًا للسَّرير أكثر الضلال والطَّحالب وِحْدَةً على الأرض.
«صبيحة»
ريح قوية كأنها يوم الثلاثاء
يتكاثر الأطفال، والأموات، والسنين في يوم الثلاثاء.
«شهيد (1)»
مات صديقي
تقول الرواية الأولى إنه لم يتحمل التعذيب
تقول الثانية أن غيمة تسللت إلى الزنزانة وأخذته
الثالثة: إن طاعونًا تقيَّأ الأرض
والرابعة تقول إن مَلاكًا ضلَّ طريقه وتهشَّم على الأسوار
تقول الرواية الخامسة إن أم الشهيد تشكّك في تلك الروايات.
«شهيد (2)»
كل الناس ينسون الشهيد
كل الرفاق، والأجيال، والأحلام
إنسان واحد فقط سيتذكره دوماً:
الجلَّاد الذي أطلق عليه النار.
«الرجل السعيد»
استيقظ الرجل السعيد
طبع قبلة سعيدة على خَدِّ زوجته السعيدة
ذهب إلى الحمَّام السعيد
فرك أسنانه السعيدة بالفرشاة والنعاس
شَتَم البكتيريا السعيدة التي تسربت إلى روحه من شفتي زوجته
لبس ثيابه السعيدة
واستعد للذهاب إلى الوظيفة السعيدة
بينما استأنفت المرأة السعيدة النوم
أنا لست رجلاً سعيداً.
«تَعُّوب الكَحَّالي»
زارني قبرك في الإعصار
وهوى طبلٌ على نجمةٍ غريقةٍ.
«خالوه عوشوه»
طردوني من الحانة يا خالتي
تهشَّم جدار الطين الذي في آخر الموجة يا خالتي
مِتُّ قبل الرُّكْبَة والحرب في مجز الصغرى يا خالتي
«حتى إذا أتوا على وادي النمل قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحْطِمنَّكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون».
«حُبّوه أَمُّون»
صار الخسوف
بات الكسوف
وأصبح البحر.
«حمدان الأعمى»
كان يشتري مني الليمون الذي أسرقه من مزرعة الوالد
كل ليمونة خضراء بِبْيسَة واحدة فقط
ويبيعها بعشر بيسات في سوق مطرح
الذي تأخذه إليه عيناه المتشبثتين بعجلات الشاحنات
حوالي ألف ليمونة تنعصر خوفًا
حتى تمكنتُ من شراء راديو صغير (ناشنل ترانزستر)
ربطُّت هَوَائيَّهُ بسلك كهربائي (سرقته من بيت خالي محمد) موصول خِلْسَةً من عِظامي إلى سقف الأرض لتقوية استقبال الذَّبذبات
كي أستمع إلى بيانات الجبهة في الليل
(في آخر بيان أسروا المَلِكَة وأعادوها إلى شكسبير)
حين كادت صحم أن تقتلني في حادث سيارة
جاء حمدان الأعمى يعودني بعينيه الغائبتين
خلف مصائرنا الشَّحيحة
بكى حمدان الأعمى حتى سقط جفناه على فراشي
وأصاب الأنبياء عَصَاه
عندما مات حمدان الأعمى
ملأتُ لَحْدَهُ بالليمون الأخضر واليابس
وبيانات الجبهة.
«جمعة بلال»
أ: استهلال
«سَمَّوني الغامض
وكان حديثي عن البحر».
ب: متن
«سَمَّوني الغامض
وكان حديثي عن البحر».
ج: حاشية
«سَمَّوني الغامض
وكان حديثي عن البحر» (سان جون بيرس).
«فراشة»
لستُ سعيدًا
لستُ حزينًا
لستُ عاشقًا ولا حكيمًا
لستُ ليلاً ولا قيامةً
خارت رُكبتاي
حين اتصلتِ.
«عُمْر (1)»
لم تكن العشرينيَّات موعد الحب
وليست الخمسينيَّات ميقات الموت
وغدًا لن يحدث شيء
غير منديل في الريح
ودوران الكاميرا أمام جرحٍ طفيف
في فيلمٍ طفيف
عن حياةٍ أكثرُ خِفَّة من أحلام تاركوفسكي.
«عُمْر (2)»
لاعِجٌ هو العمر الأكثر جبروتاً من شاحنة عسكريَّة سوفييتيَّة رباعيَّة الدفع تقطع الحرب الباردة إلى عطارد
الأقوى من إنجليزيَّة إدوَرد سعيد
الأوفر من النسيان
الأسوأ من موظف هندي كان يعمل في سفارة الأعداء في سبعينيَّات القرن الماضي
العمر الأكثر كآبة من يوم أَحَد في شتاء قرية بريطانيَّة
لم يملأني أحد
لم يغمرني أحد
وأنت اتصلتِ.
«امرأة»
المرأة الأكثر خجلاً من آخر نجمة في السماء
المرأة الأكثر خَفَرًا من الزَّبد
أعادت تأوهاتها خشب السرير إلى غابات البرازخ
وأقنعت آدم وحواء بالمزيد من التراتيل.
«مسافر»
أطيرُ فوق الحليب
أنتشي باليُتم
وألثَغُ.
«أب»
فلتجمعوا له الهدايا والهديل
فلتجلبوا له وسائد السندس والحرير
فلتحضروا له فيلاً، وحوتًا، وإثمًا، وطيرًا أبابيل
ورمُحًا من مخلَّفات روما
فلتضعوا بين يديه المؤمِنتين القتلَ وكتابًا يقرأه الحكماء والسَّابلة
فلتطعموه الشَّحم والمراثي
ولتقولوا له:
ها قد وصل عبدالله أخيرًا
أو قولوا له:
ها قد مات عبدالله أخيرًا.
https://www.omandaily.om/ثقافة/na/أنساغ-لم-يملأني-أحد-عشرون-استحالة-صوب-الشعر