القاصة بشاير السليمية تتميز بقصصها الماتعة في سياق القصة القصيرة جدًا

العمانية: لا يزال الرهان حاضرًا لتجد القصة القصيرة حضورها غير النمطي في الساحة الأدبية في سلطنة عُمان، ويومًا بعد يوم يجد القارئ متسعًا للتواصل مع هذا النوع من السرد الذي أُثث بجوامع الأفكار التي عادة ما تأتي من البيئة المحيطة والواقع المعاش للكاتب على وجه الخصوص، تلك الأفكار التي تواكب قضايا الإنسان ورؤاه وما تلتقطه مخيلته.

الكاتبة والقاصة بشاير بنت حبراس السليمية التي تتميز بقصصها الماتعة في سياق القصة القصيرة جدًا، فهي ومنذ بداياتها مع الكتابة الفعلية التي بدأت منذ أكثر من سبع سنوات، تعمل لأن توجد لها طريقًا استثنائيًا خالصًا حيث هذا النمط السردي.

وللكاتبة السليمية إصدار توج مسيرة الكتابة لديها حمل عنوان “شبابيك زيانة”، ذلك الإصدار القصصي الذي ترجم واقعها مع القصة القصيرة جدًا، هنا تتحدث عن مفردات تلك الشبابيك؟ وما أرادت زيانة أن تقوله من خلال الشبابيك.

وتؤكد السليمية: أردت عبر هذه المجموعة أن يتخيل القراء ما الذي يمكن أن تقوله الصورة، والبيت، والكوميدينة، والملابس، وحبل الغسيل، والفزاعة، والشبابيك، وكيف يمكن أن يقول كل منها الكثير من الحكايات.

وأحببت أن يطل القراء على أشخاص يعرفونهم تمام المعرفة ولكنهم متجسدون في أشكال أخرى هذه المرة: الأب في كونه مسمارًا ومنطادًا وصورة وسريرًا، والأبناء في كونهم ملابس على حبل الغسيل، والأم في كونها دجاجة، وغيرها من الأشكال.

وحول الإصدار ذاته والإطلالة الأولى لواجهته الأولى المتمثلة في الغلاف، ثمة لوحة مخضبة بنسيج الماضي، ورسالة البصرية مع نسيج متشبث يحاول الالتفاف حول ما جاءت به المجموعة القصصية من أفكار وأطروحات تشكلت في قصصها القصيرة جدًا.

هنا يأتي تفسير السليمية مترويًا وتقول: “ربما سيجيب الفنان سالم السلامي على هذا السؤال بشكل أفضل مني. لكني في رحلة البحث عن غلاف وجدت لوحة لسالم كان قد رسم فيها امرأة بشال طويل، أظنه كان أزرق، وكانت المرأة تقف إلى جوار حبل غسيل تحركه الريح والملابس معا، فشعرت لوهلة أن سالم يعرف عن المجموعة أو يشاركني شيئا ما حولها. لقد بدا لي مدركا أن أكثر ما كنت أريده في الواجهة هو حبل الغسيل، أما الباقي فكان كله انعكاس لما قرأه هو ورآه في القصص”.

بلا شك أن القصة القصيرة جدًا (ق.ق.ج)، هي العالم الروحي للكاتبة بشاير مع الكتابة، هكذا يراه الملتقي والراصد لنتاجها خلال الفترة الماضية، وهنا تطلعنا على ماهية هذا التوجه الذي قد يبدو جديدًا على الساحة القصصية في سلطنة عُمان، واصفة علاقتها به، والتحديات الذهنية التي تجعها في صراع كتابي من أجل إخراج (ق.ق.ج) ناضجة وواعية بالشكل الذي يتمناه القارئ وتضيف بقولها: “في مكتبة بيتنا وأنا صغيرة، صادف أن وجدت كتابًا كبيرًا للمنفلوطي، كتاب كبير حمل قصة صغيرة كان عنوانها الشعرة البيضاء، أدهشني وقتها أن توجد قصة بهذا القصر، وبعدها بوقت طويل تبنيت هذا الخط دون أن أدري، ففي الثامنة عشرة تقريبًا لم أكن أعرف أن هناك قصصًا من أربعة أسطر، وأنها نوع له اسمه وقواعده وشروطه، حتى قال لي محمد اليحيائي عندما شاركت لأول مرة في الملتقى الأدبي للشباب في 2014 إنكِ تكتبين الأقصوصة وتجيدينها، حينها فقط رأيت المسار واضحًا”.

وتضيف: “أما علاقتي بها فأنا أحبها جدًا؛ لأني أتوه مع كثرة الكلمات لا أعني بذلك أنها سهلة، بل عنيدة للغاية بالنسبة لي على الأقل أشعر أن الكاتب يستطيع أن يجلس على منضدته ويخطط لكتابة رواية أو قصة ويرسم الشخصيات ويبدأ بالكتابة، لكن بالنسبة لي لا يمكن أن أخطط لكتابة قصة قصيرة جدًا، أو أن أقول: (ها قد حان وقت الكتابة، هيا اجلسي واكتبي قصة قصيرة جدًا)، نعم قد أجلس وأكتب مذكرة أو يوميات، لكن القصة القصيرة جدًا لا تأتي هكذا. ومتى ما كنت محاطة بالأصدقاء والأمتعة والأغراض في الغرفة، أكون أكثر قدرة على كتابة قصص قصيرة جدًا، وأظن أن الاكتناز القهري الذي أعاني منه يساعدني كثيرًا على تكوين الروابط العاطفية مع الأشياء التي تحفز على كتابة قصص قصيرة جدًا)”.

وهناك مسارات أصبحت شائعة نوعًا ما في سلطنة عُمان والوطن العربي لكتابة القصة القصيرة جدًا، وهنا تفيد الكاتبة السليمية ماذا لو هذا النوع من المسار قد أصبح نوعًا أصيلًا ضمن محور كتابة القصة القصيرة، أو بدايات لتأسيس محور كتابي جديد قد يكون واقعًا حقيقيًا في وقت لاحق ولو بعد سنين وتقول: “لست معنية كثيرًا بتتبع مسارات هذا النوع أو تأصيله أو ما هو التوجه النقدي حياله، أنا مشغولة بالبحث عن دهشة الكتابة القصيرة، ومتى ما قبضت عليها أشعر بالسعادة، ويبهجني أكثر عندما يتفاعل القارئ معها ويعثر فيها على قيمة ما. وأظن أن هذه هي غايتي من كتابة هذا النوع، وما عدا ذلك أتركه للنقاد والمتخصصين ليحكموا فيه ويحددوا مساراته ومآلاته، ولكني أحب أن أقرأ كثيرًا هذا النوع الكتابي، لاسيما أن “تويتر” بات مساحة مثلى لنشر الـقصة القصيرة جدًا، ولكن الكثير مما ينشر فيه لا يعدو كونه أفكارًا مبتورةً أو حكمًا لا تبلغ حيوية أن تكون قصة قصيرة جدا”.

الحضور النوعي للمسابقات المحلية في القصة القصيرة له خصوصية مع الكتّاب، وهنا نعني “الملتقى الأدبي”، الذي كان يقام ضمن أجندة أدبية سنوية لوزارة التراث والثقافة “سابقًا”، وحصولها على مراكز أولى في هذا الملتقى وما يشكله من وقع وجداني مع الكتابة، تعلق بشاير على هذا الشأن، وعلى ما إذا كنا بحاجة إلى تنشيط فعلي لحضور القصة القصيرة في المسابقات المحلية بقولها: أول ملتقى شاركت فيه كان في عام 2014م وكنا نستمتع ونستفيد خلال تلك الأيام، ونستمع للقصص، ونقرأ القصص، ونكتب القصص، وكان الملتقى مكانًا يجمعنا بأشخاص يحبون القصة ويتنافسون على كتابتها، وأظنه الحدث الذي ننتظر الإعلان عنه كل عام، والقصة حاضرة في المسابقات التي تقام حاليًا، ولكني أعدّ الملتقى شيئًا مختلفًا، فالكاتب الشاب يختلط مع أقرانه ويتفاعل معهم حول قصته وقصصهم، وتتاح له الفرصة بأن يسمع ما تقوله لجنة التحكيم عن قصته”.

حول الجديد المنتظر مع الكتابة من خلال الكاتبة بشاير وما إذا ثمة تواصل مع القصة القصيرة جدًا في الوقت الراهن تقول: “أستطيع أن أقول إني أكتب باستمرار، أكتب كل شيء خلال اليوم عدا القصة القصيرة جدًا، ويحدث هذا بسبب عملي في الصحافة بالدرجة الأولى، ولكني أفكر أحيانًا أن مثيرات كتابة القصة القصيرة عندي غريبة، وصرتُ مؤخرًا أربط بين الفترة التي كنتُ فيها أكتب بغزارة وحالة الاكتناز القهري التي كنت أعاني منها؛ لأن تلك الحالة كانت تضعني في مواجهة الأشياء التي لا علاقة تجمعها ببعضها، فأسمعها وأراها تتكلم وتتحرك أمامي فتتولد منها الحكايات، ولكن ربما عندما استجمعت الشجاعة أخيرًا وقررت أن أتخلص من كل تلك الأشياء، خَفَتَ مع الوقت كل ما يثير فيّ كتابة القصة القصيرة جدًا وربما على أن أعيد الانتباه للأصوات الخافتة، وأرى كثافة الأشياء من جديد. المساحات الفارغة لا تحرك المخيلة في رأسي، وهذا ما اكتشفته مؤخرًا”.
https://www.omandaily.om/ثقافة/na/القاصة-بشاير-السليمية-تتميز-بقصصها-الماتعة-في-سياق-القصة-القصيرة-جدا