سارة قصير ودينيس أسعد يعيدان إحياء فن الحكواتي في النادي الثقافي

من كان يتوقع أن أصل المسرح العربي هو “الحكواتي”، وأن شكل المسرح الحالي يعود للغرب؟ هكذا أثارت الحكواتية سارة قصير التساؤلات، واستفزت جمهور النادي الثقافي أثناء حضورهم ندوة “الطريق إلى الحكاية”، والتوغل في عمق أصل الحكاية وبداياتها، والاستماع إلى كثير منها، في جو مليء بالتسلية والمتعة والفائدة معا.

جاء حديث الحكواتية اللبنانية سارة قصير إلى جانب الحكواتية الفلسطينية دينيس أسعد ضمن الندوة التي احتضنها النادي الثقافي أمس الأول، على هامش إقامة ملتقى الحكواتي العماني الأول الذي يختتم أعماله اليوم.

بدأت الندوة بحكاية لفتت انتباه الحضور ألقتها دينيس أسعد، حكاية من التراث الفلسطيني، استطاعت بأسلوبها في سرد الحكاية أن تجذب الجمهور للاستماع لحكايتها هي أيضا، حكاية البداية منذ نشأتها، حيث تقول: “أنا محظوظة بوجود أب شغوف بالحكايات، وبدأ يحكيها لي منذ أن خلقت”، ويبدو أن الحكاية لم تكن اختيار دينيس، فقد ترعرت في بيئة تواجه الاحتلال الصهيوني، وكان التعليم هو السلاح الذي يتشبث به كل فرد لمواجهة الاحتلال، وهو فرض لابد منه، وتقول دينيس: “لم تكن الحكاية إلا إرثا من والدي، بدأت أحكي ما أحفظه منه لابني أمير المصاب بالشلل الدماغي، أحكيها له في المدرسة إلى جانب زملائه، ولكن يمكن القول أن البداية الحقيقية لي في سرد الحكاية كانت في 2003 2004، ولم يكن الأمر حلما ولا قرارا، الحكاية كانت المكان الآمن الذي أنقذني، اتجهت إليه وبدأت في دراسته، ولعلّ أكثر تجربة مؤثرة في حياتي كانت ورشة حكايتي حياتي، التي قدمتها لأطفال من ذوي الإعاقة.

وانتقل الحديث في الندوة إلى سارة قصير التي سردت حكاية شعبية من لبنان، تظهر فطنة النساء وكيدهن، تروي الحكاية قصة صياد اصطاد سمكة مميزة على غير العادة، نتيجة استماعه لذكاء زوجته حصل على أكياس من الذهب من قصر السلطان، فيما كان استماع السلطان لزوجته يفقده المزيد من الذهب الذي ألزمه ذكاء زوجة الصياد أن يعطيه المزيد فالمزيد، وبين مضمون الحكاية وتفاصيلها المختلفة، كانت المتعة في طريقة سرد “سارة قصير” للحكاية، وأسلوبها المشوق هو ما أضفى للحكاية جمالية وبهجة وجذبا أكثر.

وحتما الحكاية ما هي إلا توارث بين الأجيال، حيث تقول سارة قصير أن الحكاية بدأت معها منذ الصغر حيث كانت جدتها تسرد عليها الحكايات، ولم تكن تظن أن هذا سيكون طريقا لمستقبلها المهني، فقد ترعرعت في أسرة شغوفة بالعلم تخرج منها الجميع أطباء ومهندسون، ولكن سارة كانت تشعر أن الفن هو شغفها في الدراسة، ورغم حصولها على معدل عال بعد التخرج من الثانوية إلا أنها رفضت التوجه للدراسة لغير المسرح، الذي قالت بأنه “كان مغامرة!”.

درست سارة قصير المسرح، الذي وصفته بأنه “المكان الذي وجدت فيه نفسي”، ورغم أنها من أسرة محافظة لم يؤثر المسرح على جانبها الديني، ولم تترك الحجاب كما كانت تهاجم من قبل بعض الأشخاص في قريتها، وتقول سارة قصير: “في 2002 التقيت بشخص يدعى جهاد درويش وهو حكواتي لبناني عالمي، شاركت معه في ورشة حكاية، كان منها انطلاقتي، ومنذ أول تصفيق على الحكاية الأولى التي سردتها للجمهور في 2002 وأنا أستشعر حكاية جدتي، وقلبها، وإحساسها، وأسلوبها، وبركتها، ومنها أصبحت أنتقل بين الدول أقدم الحكاية وأعلمها، وتحول شغفي بالحكاية لدراسة”.

وتحدثت دونيس أسعد عن دور الحكواتي في حفظ الهوية، حيث أكدت أن أنها تعلمت حب الوطن من خلال حكايات ولدها، وقالت: “الهوية الفلسطينية تم ترسيخها في قلوبنا من خلال الأدب، والحكاية الشعبية تحمل تراثنا وهويتنا وعاداتنا، وشخصيا درست الحكاية في جامعة حيفا، وبالطبع هي جامعة إسرائيلية، والحكايات التي درستها كان مكتوبا عليها إرشيف إسرائيل إلا أنها حكايات شعبية فلسطينية”.

وتحدثت سارة قصير عن نشأة فن الحكاية التي قالت بأنها تعود للجاهلية حيث كان يطلق عليها اسم “أساطير”، والأسطورة هي كل ما يوجد فيه الخيال والأمور غير الموثقة، ولكن مع ظهور الإسلام استبدل لفظ الأسطورة بالقصة، وكان القاصون يقصون القصص للتبليغ الديني وكان موقع القاص في المسجد.

ومع مرور الوقت خرج القاص من المسجد، ونقل إلى البلاط وأصبح يقدم الدعاية للحاكم ويبث بعض الأمور عن الحاكم سواء أكان ذلك حقيقة أو لا، حتى شعر الناس أن القاص كاذب، ولم يعد له وجود. سردت سارة حكاية الحكواتي الذي عاد مجددا للظهور وهي فترة سمتها بالعصر الذهبي للحكواتي، وذلك في العصر العباسي حيث عاد القاص ولكن إلى الشارع، وألغي عنه لقب كاذب، وأصبحت العراق تضج بالقاصين، كما كان هناك قاصات نساء أيضا، وأدخل القاصين بعض الأدوات التي جعلت القصة تقترب بما يعرف بالتمثيل.

وتتبعت سارة قصير نشأة الحكاية حتى وصلت عصر العثمانيين، وتقول: “في هذا العصر تم اكتشاف القهوة، وكانت محرمة لأنها برأيهم تعمل حالة نشوة عند الإنسان وتجعله بحالة استيقاظ، حتى تيقنوا من خلوها مما يسبب السكر وأتيحت للشرب، وأصبح المقهى مكان تجمع الناس لتجربة الناس للشراب الجديد، والحكواتي يتبع التجمعات، ولهذا ذهب إلى المقهى، وهذا ما وصلنا نحن العرب لشكل الحكواتي، وبذلك تغير شكل سرد الحكاية من شخص واقف في السوق يقوم بالتمثيل أثناء السرد، إلى شخص جالس محدود الحركة، وعلى الرغم من أهمية فن الحكاية إلا أنها اندثرت ولم تدخل ضمن الفنون الحديثة، ولكن أصل المسرح العربي هو الحكواتي، ونحاول نحن الآن إعادة إحياء فن الحكواتي”.

وقدم القاص أحمد الراشدي حكاية شعبية حول الملك النعمان وابنته الأميرة الحكيمة إيمان، التي تنافس الخطاب للزواج بها بمهر شرب فنجان القهوة الساخن، ولم يفلح في تخطي المسابقة إلا شاب استخدم الحيلة ليحظى بالزواج بالأميرة الحكيمة، ممتعا –الراشدي- جمهور النادي الثقافي في ختام الندوة.
https://www.omandaily.om/ثقافة/na/ضمن-ندوة-الطريق-إلى-الحكاية-سارة-قصير-ودينيس-أسعد-يعيدان-إحياء-فن-الحكواتي-في-النادي-الثقافي