تنزيل (83)

قراءةٌ في دفتر عُماني كُتِبَ أوله في زنجبار عام 1931 وانتهى آخره في عُمان عام 1978

كتابات عُمانية مُبكرة (50)

– قصائدُ الدفتر ذاكرة أدبية عُمانية كُتبت في الشرق الإفريقي، وشملت منتخبات من روائع الشعر العُماني

– بفعل حذاقة النسَّاخُ وتمرسهم في رسم الكلمات ونقشها خرج الدفتر في بعض مواضعه لوحة فنية في غاية الجمال

– قصائدُ العُلماء والفقهاء ومنظوماتهم في الأحداث الفارقة في تاريخ الوطن العُماني تعدُّ أحد مرتكزات الدفتر

– قدّم الدفتر أسماءً شعرية جديدة تُضافُ إلى مدونةِ شعراء عُمان في القرن العشرين

بين يدي دفتر عماني تاريخي، دونته أقلام عمانية مختلفة على مدى 47 عامًا، بداية من زنجبار عام 1931 وانتهاء في عمان عام 1978، ويمثلُ هذا الدفتر واحدًا من نماذج الدفاتر العُمانية مكتملة العناصر، فهو يجمعُ بين التدوين النثري للأحداث، والتدوين الشعرين للقصائد والمنتخبات، إضافة إلى نصوص نثرية تنتمي أغلبُها إلى منثور الأدب خطباً ووصايا حكمًا وأمثالًا.. وهو بذلك جامعٌ مانعٌ يعدُّ -في نظرنا- مصدرًا مهمًا من مصادر الشعر والثقافة العُمانية ذات الصلة بالمسارات المجتمعية والأدبية، وميزته في تنوِّعه وكثافة مادته وسعي كتَّابه الحثيث إلى تقييد ما هو نافعٌ ومميز من ثمرات العقول العُمانية يحدوهم في ذلك الأمل في تعويض ما فقدوه من وسائل البث الثقافي في المجتمعات التي كتب فيها هذا الدفتر وخاصة عُمان التي غابت فيها تلك الوسائل وبقيت فيها الدفاتر والسِّجلات الشخصية راصدة لأحداثها ومقيدة لإنتاج مُبدعيها وكتابها وأخبار مثقفيها، وتلك سنةٌ حميدةٌ جُبلت عليها هذه الثقافة التقليدية، ونحن هنا – لا ندعي أن هذه الدفاتر وحدها الوعاء الحافظ الوحيد لها بل هناك عدد من المصادر والمؤلفات قامت بهذا الدور ولكن غاب بعضها بفعل التقادم والإهمال، وقد كشفنا ذلك في أكثر من حلقة من حلقات هذه السلسلة وفي كتابنا ” الشعر العُماني في القرن العشرين”.

معضلة التسمية والتملك

نسَمّي هذا الدفتر (تجوزًا) بمُسَمَّى ناسخه الأول، فهو في الاعتبار كاتبه الأقدم، وناسخه الأشهر رغم أننا لم نجد بصيغة صريحة ما يثبت ملكيته المطلقة له، ونخشى أن يكون مجرد ناسخ له، وقد جرت العادة أحيانًا أن بعض النسّاخ يقومون بنسخ دفاتر غيرهم بأجور معينة تدفع لهم ويوقعونها بأسمائهم وتبدو كأنها لهم، والأمر يحتاج إلى تدقيق.

أمّا في هذا الدفتر فلا يوجدُ به إثبات بالتملك، فقد تناقلته أربعة أسماء وأضافت فيه من التقييدات والتدوينات ما جعله دفتر مرحلة كاملة ينتقل فيها جغرافيًّا بين محيطين مكانيين “عُمان” إلى “زنجبار”، وزمانيّا بين عامي1352/1931 – 1398 /1978، وذلك على النحو الآتي:

1- الشيخ محمد بن سليمان البرواني، زنجبار 1352/1931، وتتبين من توقيعاته المالك الأول للدفتر بذكر اسمه في تقييداته للأحداث.

2 – الشيخ سعيد بن أحمد الخنجري، عُمان 1365 /1945.

3 – الشيخ عبدالله بن حميد السَّمري، زنجبار 1382 /1961.

4- الشيخ خالد بن محمد العيسري، عُمان 1388 /1968. وقد أثبت ملكيتها بتقييده بعبارة “أخذت هذا الكتاب من الشيخ عبدالله بن حميد بن سيف السمري يوم 7 جمادي الأول عام 1382 هـ.

5 – الشيخ محمد بن عبدالله السَّالمي، عُمان 1398 /1978. وقد أثبت ملكيته للدفتر بقوله: “إليَّ من الولد خالد بن محمد بن سعيد العيسري من زنجبار”.

ويبقى هذا الالتباس في فهم المالك الأول معضلة علمية تحتاج إلى تدقيق وتحقيق، وما نقدِّمه فيها ما هو إلا رأي قابل للتغيير متى ثبت لنا ذلك، مع وعينا بأن حقله ينتمي إلى عصر مزدهر وجدت فيه وسائل التدوين في أرقى مستوياتها وخاصة المطبعة ودور النشر.

الدفتر في وصفه المادي

تبدو هيئة الدفتر التي اطلعنا عليها بمكتبة نورالدين السالمي ببدية في الثالث من أكتوبر من عام 2004م متماسكة، فهو مجلدٌ بتجليدٍ سميك وبخطوط واضحة في غاية الروعة والاتقان والإجادة، ويبدو أنها لم تكتب في وقت واحد، وتوجد بها تواقيع بأسماء نسَّاخها الذين يتقدمهم الناسخ الأشهر محمد بن سليمان الباروني الذي دون تواقيعه بذكر اسمه دون ذكر لتاريخ نسخه إلا لماما.

كما أن الدفتر مُرَقَّم في أغلب صفحاته، وعندي في نسختي المُصورة يتوقف الترقيم عند الصفحة 197، ويبدو أن الصفحات الباقيات دون ترقيم قلائل ولا تتعدى تسع عشرة صفحة، وبذلك يكون المجموع الكلي لصفحات الكتاب 216 صفحة من القطع الطويل.

محتويات الدفتر

تنقسمُ محتويات الدفتر إلى تقييدات إخبارية ونصوص أدبية، ويمكن تناولها فيما يلي:

أ: التقييدات، وتتموضع جميعها في الوجه الداخلي للغلاف، وجميعها بخطّ محمد بن سليمان البرواني، ومن بينها تواريخ وفيات لشخصيات معروفة من مثل وفاة الشيخ سليمان بن حميد الحارثي الذي يقيد وفاته من زنجبار بالصيغة الآتية” وصل (سيم) أي هاتف من عُمان بوفاة الشيخ سليمان بن حميد يوم الجمعة 18 من شهر ذي القعدة من سنة 1358 هـ، والحال نفسه من تقييده بوفيات الشيخ الزعيم سليمان بن عبدالله بن سليمان الباروني، والسيدة معتوقة بن حمود بن محمد بن سعيد البوسعيدية، والسيد برغش بن خالد بن برغش بن الامام.

أمّا تقييداته لوفيات الأعيان من أفراد أسرته وجماعته فيورد منها ، وفاة من يسميه ” الولد علي بن سعود بن سليمان الباروني يوم 28 من ذي القعدة من عام 1351 هـ في أرض ” تُكُوي بومه مبيايا ” ، وكذلك حمود بن سالم بن عبدالله البرواني المتوفى في ليلة ثامن والأربعاء من شهر محرم الحرام سنة 1355هـ ، ومحمد بن سليمان بن علي بن عيسى البرواني المتوفى يوم الأربعاء شهر شعبان 1359هـ، وسالم بن هلال بن محمد البرواني المتوفى ليلة السبت الحادي من شعبان سنة 1359هـ، عبدالرحمن بن علي بن خميس البرواني المتوفى ليلة 16 من ربيع الأول من عام 1359 هـ وهذه كلها تقييدات مهمة للتاريخ الاجتماعي فقد سجل حافظ لتاريخ الأسر وتثبيت لأمكنة وأزمنة وفياتها.

ومن أطرف تقييداته، تقييده لدخول موسم ” النيروز ” المهم لمواسم الزراعة حيث يقول ” دخل (النيروز) يوم 22 جمادى الآخرة، والقمر في برج الثور، وتسيحوا يوم حادي رجب 1359هـ الموافق سات (أي ستة) أغسطس 1930″ وهذا التقييد يحملُ أهمية لموسم الزراعة، وموسم الإبحار لهذا كانت عنايته بتقييد دخوله.

ب: النُّصوصُ الأدبية، وتنقسمُ إلى شطريها الشعري والنثري، وتبرزُ فيها الانتقائية وحسن الاختيار، والدقة في النسخ، والمتابعة الثقافية الجيدة، وهي على النحو الآتي:

1- النصوص الشعرية، وقد جاءت في الدفتر في مبحث خاص مخرج إخراجا جميلا ومعنون بـ “مجموع القصائد” وهي نذكرها بأسماء نظامها، وقد بدأها بثلاث قصائد وطوال ومنظومات فقهية ينسبها للعلَّامة محمد بن يوسف اطفيش الميزابي، ثم يوردُ قصيدة لا يذكر قائلها بل يوردها بلازمة تعبيرية، وقال آخر على منواله، ثم ترد بعدها قصائد أبي مسلم الرواحي “مولاي أبشر لن تزال مجيدا” و “سميري” و “هل للمستهام” أو ما يُسَمِّيها الناسخ “راية المحكمة في النهروان” وقصيدته الطويلة المُخَمّسة في التوبة “أصبحت لا أملك للنفس وطر”، وكذلك قصيدته المُخَمِّسة لقصيدة المحقق سعيد بن خلفان الخليلي، والقصائد: “النونية” أو ما تُسَمَّى “الفتح والرضوان بالسيف والايمان” و “الميمية” معاهد تذكاري ” و ” الرائية ” ،”ومرثيته في نورالدين السّالمي، وأيضاً مرثية في الامام سالم بن راشد الخروصي، ومما يلاحظ في نهايات هذه القصائد اعتناء النسَّاخ بالأبيات الموثقة لتواريخ وفيات وتفسير ما جاء فيها من لوازم حساب الجمَّل، فيحسب الناسخ أحرفها ويحددها بالأعوام التي مات فيها كلَّ عالم على حدة.

كما تردُ في الدفتر قصائد ومطولات دينية ذات حسٍّ عقدي إباضي من مثل “شُموس قلوب العارفين بوازغ” و”تبيّن أخي في الله قولي” للعلّامة أبي نبهان جاعد بن خميس الخروصي، وقصيدة “المنهاج لسالك المعراج” التي تبلغ أبياتها مائتين وعشرين بيتا، وقصيدة “تلألأ برق في الدجى مشعشع”، وقصيدة “شؤن العين سحّا بانسجام” ” و “عرّج على باب الكريم المفضّل”، تظهر الله بالعدل والإحسان “، “وتقدّم إلى باب الكريم” وهذه كلُّها للمحقق سعيد بن خلفان الخليلي.

ولم تغب عن هذا الدفتر قصائد نور الدين السَّالمي، وقد مثلت مصدراً لديوانه الذي طبع فيما بعد ومنها ” حدث أخيّ عن العجب ” و ” نبّه عيونك واعتبر ” و” يا من به نور الزمن.. “.

ولا تخلو قصائد الدفتر من بعض الأسئلة والأجوبة التعليمية منها سؤال الشيخ سليمان بن محمد الكندي للعلامة السالمي “:

أسائلُ شيخي الهُمام الأغرْ سليلُ حُميد الكميّ الأبرْ

وجواب السّالمي عليه:

” غررتُ ومثلك مَنْ لا يُغَرْ رأيتُ السُّهَى وظننت القمرْ

ومن القصائد الفريدة التي يوردها الدفتر قصيدة عمر لطفي الذي يطلق عليه ناسخ الدفتر “نزيل زنجبار”، وهي قصيدة شهيرة جاءت أبياتها الأربعة والثلاثون في الدعوة للاتحاد والوعظ والإرشاد وفيها فخر بأرض إفريقيا واعتبارها صانعة الرجال طالعها:

بَني العُربِ الكِرام ِذوي المعالي رجالُ السّيفِ والسُّمر العوالِ

دعوا التفريقَ واعتصموا بحبلٍ متينٍ قد تعلَّق بالهلالِ

أأفريقا جنانَ الأرضِ هذا مصيركِ بعد أجيالٍ طوالِ

لقد كنتِ الوحيدة في التناهي وقبلة كلّ طلاب المعالي

ومنتجعُ الفنونِ وكلِّ فَنٍ ومهبطُ وحي أرباب الكمالِ

وفيها مدارسُ الشرق المفدَّى ومصدُر كلُّ محمودِ الخِصالِ

أأفريقا الذي أنبتِ قوماٍ يبادرن الضياغمَ في المَجالِ

ويحمونَ الذِمارَ بكلِّ أرضٍ ويرعونَ الذمارَ بكلِّ حال ِ

ويبدو أن القصيدة استفزت أبا مسلم فما كان منه إلا أن رد عليه مفتخراَ بوطنه عُمان بقصيدته الشهيرة:

تفضلْ بالزيارةِ في عُمان تجدْ أفعالَ أحرار الرجالِ

اجابك سادة نجب كرامٌ طوال العزم بالبيض الطوال ِ

خفاف كالصواعق إن يشدوا جبال في حلومهم الثقال

معاقلهم جياد فنقوها مسارحهنَّ حوماتِ النزالِ

تعلمن التقــــــــارع من قديم فهنَّ مع التقــــــارعِ في شكالِ

فإن تسأل بهم فهم ســـــراة تربَّوا بين قيصـــــــــوم وضالِ

رضاع وليدهم بـدم الأعادي ويحيا في الرِّضــاع بلا فصَال.

ألا لبيكَ يا صوتَ المعالي لقد أسمعتَ أحياءَ الرجالِ

ومن القصائد الطريفة النادرة أيضا قصيدة مطولة تقع أبياتها في تسعين بيتا وهي للإمام أفلح بن عبد الوهاب وشطرها الشيخ أحمد بن علي بن أحمد العماني الذي يذكر صاحب الدفتر أنه أحد علماء أباضية الشرق ومطلعها:

العلمُ أبقى لأهل العلم آثارا وليلهم بشموس العلم قد نارا

يَحْيا بذكرهمُ طور الزَّمان وقَدْ يُريكَ أشخاصهم روحاً وأبكارا

ومنها أيضا قصائد ثلاث للشيخ عامر بن سليمان العبادي من شعراء القرن التاسع عشر، وقد قال الأولى مجيباً على قصيدة الشيخ حمود بن سالم الزاملي وتلبية لطلبه، وطالعها:

يطيبُ الفتى في دهره إن صفى حرُّ ومن لي بحَرٍّ لا يكدرُه الدهرُ

أمّا الثانية فقد قالها مجيبا له على قصيدة طالعها:

إلى الحَضْرةِ العلياء يستبقُ الفخرُ ويطلبُ مزحاً فاتَها اليُّمنُ واليُسرُ

أمّا الثالثة فرثائية قالها تأبينا لولده المتوفى في السابعة من عمره سنة 1337 وهي إجابة له على قصيدة طالعها:

صبراَ فكلُّ قضاءِ الله مقبولُ وما عن القدرِ المحتومِ تحويلُ

أمّا الرابعة فغزلية، عنوانها ” شكوى الصبابة في أخطاء الإصابة ” وطالعها:

اعدْ يا زمان الوصلِ لي فالعودُ محمودٌ جَليّ

عهدي بوعدكَ مربعُ نضرٌ وعيشي اخضلُ

ومن الشعراء الذين قدَّمهم الدفترُ لأولُ مرة ويحسبُ له ذلك حسبما نظن زيد بن جمعة بن سالم الحارثي وهو فقيه وشاعر، ينتمي إلى أسرة ” أولاد سالم بن حجي” من أهل القناطر بولاية إبراء كما يروي لنا الشيخ سالم بن حمد الحارثي في مقابلتنا معه بتاريخ 23/11/1999م ومن المرجّح الشيخ زيد ولد وتعلم في زنجبار حسبما يشير صاحب جهينة الأخبار ص 349 ثم انتقل إلى مدينة ” تبورة ” حيث كان والده والياً عليها في عصر السلطان برغش بن سعيد عام 1873م. كما توجد إشارات في شعره تشي إلى أنه عاش في ” ممباسة ” فقد حنَّ عليها في أكثر من موضع من قصائده الإخوانية ووصفها بقوله :-

لممباسة منّي سلام يحفُّها يرومُ صَبَاها مستمدٌ برقُها

وفي قصيدة أخرى يقول:

لممباسة برقٌ بعيني يلمعُ يُضيء سَنـَاهُ والخَليون هُجـّعُ

يُذكّرني ايماضه برقَ رامةٍ وحزوى فلم ترقَ لعيني مدمعُ

تُذكرني مَنْ حَلّ في عرصاتِها تخلوّا وخلوا مهجتي تتقطعُ

ولمْ لمْ يَكُنْ فيها سوى من أحلّها لمَا طابَ لي نومٌ إذا العينُ تهجعُ

توفي في زنجبار يوم 28/1 / 1903، كما دوّن ولده في وثيقة تركته، ويبدو أن الحصيلة الوثائقية من حياته ضئيلة، فلم تشر إليه مصادر الأدب العُماني كثيراً.

أغلب ما حصلنا عليه من شعره يدورُ في أغراض المواقف الفكرية والنزعات الفنية وخاصة الشعر التعليمي المخمّس، وكذلك الغرض الديني والسياسي الوطني. وقد قدّم له الدفتر تسع عشرة قصيدة أحصيناها في كتابنا “مدونة الشعر العُماني الحديث “وهي تكفي لديوان شعر متكامل.

ومن الشعراء الذين قدّمهم الدفتر قصائده لأول مرة الشيخ محمد بن زاهر بن سعيد البيماني وكل المعلومات المتوفرة لدينا عن هذا الشاعر أنه من مواليد “الرستاق” ، وأنه عاش طفولته فيها، وتعلم (في مسجد بيت القرن)، ثم رحل إلى زنجبار، وعمل مدرساً حتى وفاته.

كان حياً حتى عام 1903 م، استناداً إلى ما وجدناه في بعض قصائده وأكده لنا حفيده: زاهر بن محمد البيماني الذي قابلناه في الغبرة يوم 2 / 8 / 2000.أمّا القصائد التي قدَّمها هذا الدفتر له فهي ثلاث عشرة قصيدة، أوردناها كذلك في كتابنا ” مدونة الشعر العُماني الحديث ”

ومن روائع شعر هذا الشاعر المنصوصة في هذا الدفتر قصيدته في وصف الجائحة الطبيعية التي وقعت في الشرق الإفريقي وبعض بلدان البر وأدت إلى خسائر فادحة:

سَحّتْ وسالتْ مقلة عِبَرا حزناً عليكِ فأنتِ يا خَضْرا

صرف الزَّمان أصابَ خضرتك قد شاببتها في السَّما الخضرا

قد حلَّ رونقكِ البهيِّ بنظرةٍ ألوان منها بُدَّلت غبرا

يا جنةَ الدنيا فما عجبٌ ولا نقصٌ سوى ما يعتريها فناء

فيها القرنفلُ قد يموجُ كأنما قد ماجَ إذ هبّتْ بكان كياء

ومن الشعراء الذين قدّمهم الدفتر لأول مرة أيضاً الشيخ سعيد بن سليم القصابي الذي قدم له الدفتر توبته الشهيرة توبته الأولى في (68 بيتا ً) وطالعها:

يا نفسُ توبي من فعال منكرة……

والثانية في (121بيتاً) وصدرها أنا العبد الذي كسب الذنوبا……..

كما ورد له قصائد دينية بلغ عددها عشر قصائد أغلبها في المواعظ والابتهالات والتوسلات الدينية بمثل ما أورد قصائد لابن الودي وخلف بن سنان الغافري، ولشعراء مجهولين اكتفى بذكره لهم بعبارة ” وقال غيره وأجاد.

ومن شعراء أوائل القرن العشرين ترد في الدفتر قصائد وقعة نخل ودخول الامام اليها وهي لابن شيخان السَّالمي، ولسعيد بن صرّوخ العقري، ولمسعود بن راشد الحبسي، ولابي سلام الكندي.

ولم ينس من شعراء عصره أبي مسلم إذ يورد له مرثيته في الشيخ راشد بن سليم الغيثي، وقصائده في الابتهال وكلها قصائد معروفة وواردة في ديوانه بكافة نسخه، ولكن أهمية الرجوع إليها أنها كتبت في عصر الشاعر، فالناسخ يؤرخها بتاريخ نسخه لها محددا ذلك بيوم الثلاثين من رمضان سنة 1342هـ.

ومن الشعراء المهمين الذين يورد لهم الدفتر قصائد الشيخ سيف بن سالم بن هاشل المسكري الذي يورد قصيدته المسمَّاة ” خالية الكرب وجالبة الأدب” إضافة إلى قصائد في التوسل والابتهالات وهي بخطِّ الشاعر المسكري نفسه نسخها عام 1341هـ.

ويورد كذلك قصيدة فريدة لصالح بن علي الخلاسي في مدح الإمام الخليلي والعلَّامة عيسى بن صالح الحارثي وطالعها:

بزغت شموسُ الحقِ والبرهان فمحتْ رسومَ الجهل والطغيان .

2- النصوص النثرية ، وأكثرها تنتمي إلى المؤلفات الفقهية ؛إذ يطالعنا الدفتر في افتتاحية محتوياته بالنص الكامل لرسالة المُسَمّاة ” بذل المجهود في مخالفة النصارى واليهود ” للعلامة السالمي ، وقد كتبت بخط معجب وبروزت مقدمتها برواز منقوش ينم عن إخراج يدوي لفنان ماهر يجيد الرسم والإخراج وتقع هذه الرسالة في صفحات الدفتر الأولى حتى السابعة والثلاثين ” ويرفق في نهايتها أسئلة فقهية تتعلق بحكم زكاة العملة الورقية ( النوط) وحكم ركوب الدراجة أو ” البسكل ” و” المراكب البحرية ” والسكك الحديدية ” وغيرها من طوارئ العصر التي أدهشت الناس في زمان اختراعها ووصولها إليهم، وينتهي الناسخ إلى تاريخ نسخها المحدد بيوم الجمعة 15 جمادى الآخر1341هـ مع إشارة إلى أنه ” تصرّف في بعض مواضع النَصِّ بالحذف ” ونحن لا نجدُ مبرراً لذلك .

ويأتي بعد هذه الرسالة النَصّ الكامل لما ينصُّ عليه الناسخ ” كتاب الاعتراض عن مخفي آل أباض ” تأليف العلامة محمد بن يوسف اطفيش “، وقد استغرقت في الدفتر زهاء 38 صفحه، وفي مقدمتها إشارة بالدعاء له بالعون مما يوحي بأن الناسخ نسخها إبان حياة المؤلف الشيخ اطفيش.

رابعًا: سمات الدفتر وخصائصه:

1- يتحرك الدفتر في فضاء جغرافي واسع يطل فيه الدفتر على الإنتاج الشعراء لشعراء ينتمون إلى مختلف ولايات السلطنة من أقصاه إلى أقصاها ، ولا يكاد يغادر منطقة إلا وله شاعر فيها ،غير أن مساحة الشعراء المشهورين المنتمين إلى مناطق الداخل العماني أكثر حضورا والحال نفسه ينطبق على الفضاء الزماني، فالدفتر يدوّن قصائد لشعراء ينتمون إلى القرنين الثامن عشر والتاسع عشر ممن لمع نجمه، وسطع قمره ، وله من البروز ما لاحت بوارقه ، وحدت به الركبان، يستوي ذلك إذا ما عرفنا أن تركيزه كان واضحا على شعراء بعينهم أمثال الشاعر العبادي والمحقق سعيد بن خلفان الخليلي ، وزيد بن جمعة بن سالم الخنجري وخلف بن سنان الغافري …. .

2- لا تختلف تدوينات الدفتر عن غيرها من التدوينات والتقييدات الموجودة في الدفاتر الأخرى فهي تسير على سياقها، وتقدم مثيلا لها في المحتوى وأهم ما يميزها الخصوصية، والدقة والوضوح، مع العناية بالأفق العام حيث تقييدات أحداث المجتمع وخاصة وفيات الشخصيات العامة التي أشرنا لها.

3- يفتحُ الدفتر أفق الإضافة لمدونة الشعر العُماني، فقد أضاف إليها أسماء من مثل الشيخ علي بن أحمد العماني الذي لم نجد له ذكر في المصادر، وحمود بن سالم الزاملي، وزيد بن جمعة بن سالم الخنجري، ومحمد بن زاهر بن سعيد البيماني، وسعيد بن حبيب بن صروخ العقري النزوي وغيرها فهذه الأسماء وإن عرفت بعضها بأسمائها، فهي لم تعرف كثيراً بقصائدها؛ فالمصادر التاريخية الدبية لم ترد لهم قصائد كثيرة، ولعل في هذه القصائد إضافة لقصائدهم ونواة لتشكل دواوينهم الذي يسعى بعض الباحثين لجمعه.

4- إن هذه النصوص رغم ورودها فلا بدَّ من تحقيقها؛ لأن النساخ ربما نقلوها من مصادر فيها لبس وانحراف والضرورة وتبقى نسخ من أصل المنسوخ نفسه مهمة لأنها كتبت في عصر المؤلف ونسخوها لدواعي انتشارها لقلة أعداد النسخ وعدم وصولها إلى القراء.

5- تغلب القصائد الدينية في هذا الدفتر فهو لا يخرج من شعر العلماء الفقهاء إلا لمما ومن ذلك شعر الفقهاء الاباضيين العمد الشيخ اطفيش وأبو مسلم والمحقق الخليلي، والنور السَّالمي.

6- إن بعض القصائد ترد فيها عناوين مهمة ربما هي من اقتراح الناسخ نفسه، وهي في تقديرنا مفيدة لمحققي الدواوين؛ لأنها كتبت في عصر الشاعر وربما أقرها ومثالنا على ذلك قصائد أبي مسلم التي أوردناها سابقا.

7- إن القصائد الواردة في الدفتر كتبت لتقرأ في الأوساط المجتمعة لهذا جودت في خطها، وشكلت في كلماتها وأخرجت إخراجا جيداً؛ ليتسنى قراءتها في المحافل بسلاسة وتدفق ودون انقطاع لتواكب ذوق المستمع.

8- يوردُ الدفتر نصوصا فريدة من بينها قصية عمر لطفي الذي رد عليه أبو مسلم ولم ترد المصادر العمانية قصيدة، فهي نادرة وفيها من الفخر بأرض إفريقيا وقد استفزت أبي مسلم فطفق في الرد عليها برائعته الشهير دون أن يعرف الكثيرون أن أصلها رد وجواب لهذا الشاعر.

9- تردُ في الدفتر بعض القصائد مجهولة المؤلف التي يوردها بعبارة ” وقال غيره ” وأحيانا قصائد منسوبة ويردها بعبارة ومن بين ذلك قصيدة ” تفت فؤادك الأيام فتا… وتنحت جسمك الساعات نحتا” و ” قصيدة ” أذوي القلوب الاهية ” وأيها الغر كيف تطعم غمضا ” وغيرها .

10- إن القصائد الواردة في هذا الدفتر كُتبت في فترة قريبة من حيوات قائليها ونظامها؛ ولهذا فوجودها في الدفتر يعدّ مصدرا مهما على محققي الدواوين العمانية الأخذ بها كنسخة أولى وهو مطلب مهم في علم التحقيق، وأقرب مثال على ذلك قصائد نور الدين السالمي وزيد بن سالم الخنجري والمحقق سعيد بن خلفان الخليلي وأبي مسلم وغيرهم.

11- لا تخلو منتقيات القصائد من بعض ملامح الاستحسان، فالدفتر يورد للناسخ في مفتتحات القصائد عبارات انطباعية من مثل: ” وقال غيره وأجاد “.

وعلى كلِّ حال يظل هذا الدفتر سجلاً عامراً بالشعر حافلا بالأخبار وهو أنموذج للدفتر المكتمل العناصر من حيث الشكل والمحتوى والمظهر العام الذي لم تغيره السنون.