المترجم فهد السعيدي .. سفر في عوالم ترجمة أدب الطفل والتحقيق الأدبي الفكري

مسقط ـ العمانية : يجد الراصد لأعمال المترجم العُماني فهد بن عامر السعيدي اهتمامه الواسع بأدب الطفل وما يتعلق به من أعمال أدبية ثقافية في سلطنة عُمان؛ فهو دائمًا ما يتتبع أثر كل ما من شأنه يعد إضافة نوعية في أدب الطفولة والنشأة، وما فوزه الأخير في مسابقة تنمية نفط عُمان مؤخرًا عن ترجمته لرواية “رحلات الطبيب ابن قصيّر”، إلا خير مثال على ذلك.

كما لفهد ترجمات كثيرة، ومن بينها على سبيل المثال لا الحصر، ترجمة رواية ساحر أوز العجيب، وهي الرواية الشهيرة في أدب الأطفال الأمريكي، وترجمة سلسلة قصص عالم الأرنب مريبع في عدة أجزاء، وترجمة رواية نسمات الرياح على أشجار الصفصاف، وقريبًا من الترجمة مرورًا بالأدب فقد قام بتحقيق كتاب تنوير العقول في علم قواعد الأصول وهو لابن أبي نبهان ناصر بن جاعد الخروصي وغيرها من الأعمال المتعددة في شأن الأدب العُماني والعالمي.

في بداية هذا السرد يقف المترجم السعيدي، حيث نقطة النهاية، والفوز بالمركز الأول في مسابقة تنمية نفط عُمان مؤخرًا عن ترجمته لرواية “رحلات الطبيب ابن قصيّر”، وهنا يتحدث عن ماهية هذه المسابقة، وقراءته بشأن الفوز الاستثنائي الذي يُضاف إلى مسيرته في واقع الترجمة، ويقول السعيدي معلّقًا: ‏دأبت شركة تنمية نفط عُمان على دعم الترجمة منذ سنوات، حيث إنها تقيم ملتقى سنويًا منذ 2016 حول الترجمة والمترجمين ‏يعد ‏أكبر تجمع ثقافي ‏يجمع المشتغلين بالترجمة من الجانب الأكاديمي مع رواد الترجمة في الجانب العملي والمهني، هذا الملتقى أوجد فرصة لربط المترجمين مع بعضهم البعض وتبادل الخبرات والمعلومات والمستجدات في عالم الترجمة.

ويُضيف السعيدي: استكمالًا لهذا الدعم المستمر انبثقت فكرة مسابقة الترجمة التي جاءت تحفيزًا للمترجم العُماني ولبعث روح التنافس بين المترجمين لبذل أفضل ما لديهم وإخراج إبداعاتهم في عالم الترجمة. وركزت المسابقة على ثلاثة محاور في اختيار الفائزين: المحور الأول أهمية العمل المترجم، ويشمل أهمية العمل في الثقافة المترجم منها وأهميته في الثقافة المترجم إليها، أما المحور الثاني دقة الترجمة فيشمل الحفاظ على مضمون العمل وروحه ودقة ترجمة المصطلح ومقدمة المترجم وتعليقاته وحواشيه، والمحور الأخير أسلوب الترجمة يشمل سلامة اللغة وسلاستها والمهارة الإبداعية في الترجمة.

وذكر أنه حصل على المركز الأول في المسابقة التي شارك فيها بترجمته “رحلات الطبيب سعيد بن قصيّر” للرواية “voyages of dolittle” للكاتب الأمريكي ليو هوفن الحاصلة على جائزة نيوبيري لأدب الأطفال – أشهر جائزة في هذا المجال في الولايات المتحدة الأمريكية.

وفي السياق ذاته يُشير السعيدي إلى أنه حرص منذ البدء في الدخول في عالم الترجمة على أن تكون ترجماته أعمالًا إبداعية تتميّز بالدقة والإبداع واحترام الثقافة العربية والإسلامية، ويقول: فوزي بهذا المسابقة جاء ليؤكد لي سلامة المنهج الذي اتبعته وخصوصًا أن المحكمين من أكبر المتخصصين في عالم الترجمة أكاديميًا ومهنيًا، وهذه دعوة إلى المترجمين الأدبيين بأن يكون لديهم أسلوبهم الخاص في الترجمة وأن تخرج ترجماتهم كأعمال إبداعية مستقلة وألا يتماهى المترجم في النص حتى تذوب شخصيته في المؤلف الأصلي.

رواية قصة “رحلات الطبيب ابن قصيّر”، تفتش في عوالم الأطفال، بصور كلاسيكية، وهنا يتحدث السعيدي عن هذه الرواية وتفاصيلها، والمحفزات التي أخذته للقيام بترجمتها ويوضح أن ترجمته لـ(رحلات الطبيب ابن قصيّر) ليست العمل الأول له بل سبقها ترجمة أكثر من قصة ورواية راكمت خبراته في عالم الترجمة.

ويؤكد بقوله: لقد اخترت الدخول بهذه الرواية لقربها إلى قلبي وما رأيته من حب الكبار قبل الصغار لها عندما صدرت في معرض مسقط الدولي للكتاب في دورته المنصرمة؛ فهي إحدى القصص الكلاسيكيّة العالميّة بعد قصة (أَلِسْ في بلاد العجائب)، و(حكيم بلاد أوز العجيب)، وهي القصةُ الثانيةُ للمؤلِّف بعد (قصة الطبيب ابن قصيّر التي ترجمتها سابقًا) وقد فازتْ بجائزة (نيوبيري) الأمريكية لأدب الأطفال؛ وذلك تقديرًا واعترافًا بأصالة القصّة، وحبكتها الرائعة، وهدفها السَّامي في تعليم الأطفال واليافعين رحمةَ الحيوانات، والرِّفقَ بها، ومعاملتها بالطريقة اللائقة.

ويضيف السعيدي في السياق ذاته: في هذه القصة يُبحِرُ الطبيب في البحارِ العاتيةِ في أكثر المغامرات إدهاشًا، التي لم يقُم بها أحدٌ من الناس أو الحيوانات من قبل. يحكيها الطِّفلُ ناصر الباسلي، الذي يبلغ عمره تسْعَ سنوات ونصف، أحدُ أفرادِ الطاقم، وعالِمُ طبيعةٍ في المستقبل. ينطلق الطبيب مع صحبة أصدقائه: درة الببغاء، وشيشي القرد، وناصر الباسلي الطفل، وبلال الطالب في (جامعة الحكمة) في مغامرة عجيبة تقودهم إلى جزيرة (القرد العنكبوت). وبمساعدة أصدقائه المخلصين ينجو من العاصفة الرهيبة التي حطَّمتْ سفينتَه، ويحطُّ على الجزيرة الطَّافية الغامضة. وهناك يلتقي بالحلزون الزجاجي العظيم العجيب الذي يملك حلًّا لأعظم أُحْجِيات المغامرة.

ويسرد المترجم فهد السعيدي عوالم الدهشة الرقمية ودخولها هي أيضًا لإيجاد حراك ثقافي نوعي في نشر حركة الترجمة على المستوى الإقليمي، هنا يطلعنا على الكيفية التي من الممكن أن نوظّف من خلالها تلك العوالم على تعدد أنواعها وأشكالها واستغلالها بصورة أكثر مثالية في الترجمة للتعريف بنتاجات الأدب المختلفة: في الوقت الحالي ظهرت الكثير من عوالم الدهشة التي تجذب الأطفال والكبار معًا عدا الكتاب التقليدي، إلا أن ثمرات الترجمة وأهمية المترجم لا يقتصران على الكتاب الورقي أو حتى الإلكتروني.

ويضيف: إنّ الترجمة في أبسط صورها نقل مادة معرفية من لغة إلى لغة بغض النظر عن الوسيط الذي يحمل هذه المعرفة، فيمكن أن يكون كتابًا أو فيلمًا أو لعبة أو برنامجًا، ومع انتشار هذه العوالم ينبغي للمترجم أن يُحسن التعامل معها ويوظفها أحسن توظيف. فربما إتقان ترجمة برنامج في حاسوب يُسهم في دعم العربية مما يسهّل وصول عالم التقنية المتقدم لأكبر شريحة في الوطن العربي.

ويشير السعيدي من خلال تأكيد قوله على أهمية ترجمة الأعمال الأساسية التي اشتقت منها الأعمال الفنية ويفسّر: مثلاً عندما يتقن المترجم ترجمة رواية كتب لها النجاح واشتقت منها أعمال فنية جديدة مثل الأفلام والمسرحيات فإن هذه الترجمة ستمثل المعين الأول في ترجمة الأعمال المشتقة، وهنا تبرز أهمية الترجمة والمترجم.

ويقترب السعيدي من عالم الطفل خصوصًا وإيجاد ذلك التحفيز لأن يكون هو الآخر أكثر تواصلاً وقربًا من تلك العوالم الرقمية ويقول: إن البداية الحقيقية لتحفيز الطفل على الاطلاع وإثارة فضوله وتنمية خياله تكون من البيت، حينما يجد الطفل الاهتمام والتشجيع من قِبل الوالدين مع توفير الأدوات المناسبة من القصص والألعاب التعليمية مع التوجيه والإرشاد الحنون المستمر، فمن المهمات الضرورية الأساسية مراقبة الطفل وهو يتفاعل مع هذه العوالم الرقمية فهي كما تحمل المتعة والتشويق تحمل سلبيات أخرى يجب التنبه إليها من مثل تنمية المهارات العملية وإهدار الوقت الطويل في المشاهدة وتعلم بعض السلوكيات الخاطئة.

ومن بين أعمال المترجم فهد السعيدي، ترجمة سلسلة قصص عالم الأرنب مريبع، وهي عبارة عن عدة أجزاء، التي تبدو أعمالها في نسق أدبي متصل، هنا يطلعنا على تفاصيل هذه السلسلة، وكيفية استقاء الطفل جل ما يحتاجه من وعائها الثقافي، ويقول: سلسلة عالم الأرنب مريبع تتكوّن من ٢١ قصة موجهة للأطفال من عمر ٦ سنوات حتى عمر ١٢ سنة وهي ترجمة غير حرفية وإبداعية لسلسلة، ” the world of Peter rabbit ” للمؤلفة هيلين بيتركس بوتر البريطانية، وتدور أحداثها عن حياة القرى والمزارع والحيوانات الأليفة في الريف الإنجليزي، فأبدعت المؤلفة ورسمت عالمًا من خيالها حيث تلبس الحيوانات وتتصرف وكأنها من عالم البشر، ونجحت في رسم البهجة والسرور لدى الأطفال وهم يقرأون قصصها الجميلة، ويتعلمون السلوكيات الحسنة، ويبتعدون عن الأخلاق السيئة، ولهذا السبب اشتهرت قصصها في أنحاء العالم حتى بيعت منه أكثر من 150 مليون نسخة، وترجمت إلى العديد من اللغات.

ويضيف السعيدي: حاولت أثناء ترجمتي لهذه السلسلة أن أنقل روح القصص إلى اللغة العربية مع الحفاظ على جانب المتعة والتسلية واجتهدت في نقل مكونات الريف الإنجليزي إلى مكونات الريف العُماني، حيث تربيت ونشأت ولعل هذا ما يجمعني بالمؤلفة حب الريف ومكوناته وهدوئه وأحداثه وقصصه، فجاءت ترجمتي سلسة مرحة لا يحس الطفل بأنها مترجمة سواء في شخوصها أو مكوناتها الثقافية الأخرى.

كتاب (تنوير العقول في علم الأصول)، هو من بين الأعمال التي قام بتحقيقها الكاتب فهد السعيدي وقد تحصل من خلاله على جائزة الإبداع الثقافي 2019، التي تنظمها الجمعية العُمانية للكتّاب والأدباء في فئة أفضل إصدار، هنا يطلعنا على واقع هذا الكتاب، وكيف أنه وجد ذاته في حيثياته ويشير السعيدي: كتاب (تنوير العقول في علم قواعد الأصول) للشيخ ناصر بن جاعد الخروصي (ت:١٢٦٣هـ) يتحدث عن أصول الدين الإسلامي وما ينبني عليها من فروع، وهو ‏أول كتاب يُطبع من موسوعة (العلم المبين وحق اليقين) التي صنفها المؤلف في ستة أسفار، وأصل هذا المشروع رسالة تخرج من معهد العلوم الشرعية (كلية العلوم الإسلامية حاليًا) وقد اشترك معي في التحقيق سالم العزري ومحمود الذهلي، وقد مضت سنون طويلة عندما تواصل معي سلطان الشيباني مُبديًا رغبة مؤسسة ذاكرة عُمان في نشره مع إعادة مراجعته على ضوء اكتشاف مخطوطات جديدة لهذا السفر الجليل، فوجدتها فرصة ثمينة لتقوية روابطي الثقافية بالماضي الزاهر وجذور المعرفة الإسلامية والعُمانية الشامخة، فمن وجهة نظري الشخصية أن المترجم الذي لديه خلفية ثقافية إسلامية قوية سيسهل عليه اختيار الترجمة المناسبة التي ستحظى بقبول أكبر لدى القراء.

في نهاية هذا السرد المعرفي يقترب الكاتب والمترجم فهد السعيدي من المشهد الثقافي في سلطنة عُمان، والحاجة إلى نقل معارفنا للآخر بلغاته المتعددة، كما يشير إلى وصول الأدب العُماني خصوصًا إلى القارئ الناطق بغير العربية وهنا يقول: هناك وعي جمعي متزايد لدى المسؤولين والأدباء والكتّاب بأهمية نقل الأدب العُماني إلى لغات مختلفة ليصل إلى ثقافات جديدة، كما أن هناك نجاحات أثبتت أن الأدب العُماني لديه أدوات النجاح إذا ما حصل على الاهتمام والعناية اللازمين. إن مخزوننا التاريخي محمّل بقيم العدالة والحرية والشجاعة وروح التسامح والتعايش السلمي مع الآخرين جدير بالتنمية والتشجيع لدى الأدباء والمثقفين ليخرجوا لنا أعمالاً أدبية تتسابق دور النشر الأجنبية على ترجمتها ونشرها.
https://www.omandaily.om/ثقافة/na/المترجم-فهد-السعيدي-سفر-في-عوالم-ترجمة-أدب-الطفل-والتحقيق-الأدبي-الفكري