نشرت دار «مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث» في طبعتها 2021 دراسة للدكتور حمود الدغيشي، يتناول فيها القصّ القرآني بين المقاربة اللغوية والمضمون الأسطوري، جاءت الدراسة في ثمانية مباحث، تنطلق فكرتها الجامعة مِن أنَّ الصِّراع لازمة ضرورية في الوجود، وأنَّ الخطيئة الأولى هي شرارة ممنهجة، لم يكن ليستقيم الوجود بدونها، فكان أنْ وُجِدَ قطبَانِ متضادّان لا يستغنيان عن بعضهما، ولا يمكن للوجود أن ينتظم بواحدٍ منهما دون الآخر.
وتعرّضت الدراسة في بحثها المتعمّق، إلى القصّة التي حكاها القرآن عن الأجناس المختلفة؛ آدم وإبليس والملائكة، والحجاج الذي حدث بينها جميعًا، والمنهجية التي سار عليها الحوار، وكيف أنّ الله سبحانه وتعالى، كفلَ لهؤلاء الأجناس المختلفة جميعها حريّة التّحاور، والتساؤل، والاعتراض.
وألقت الدراسة نظرة على مذهب المفسِّرين في قضية الثنائيّة؛ الذّكر والأنثى، وتطويع النصّ؛ ليُصبحَ ذكوريًّا بامتياز، وفي قضيّة الصّراع عرضت الدراسة بشكل مفصَّلٍ المواجهةَ النموذجيّة بين القطبّيْنِ المتضادَّيْن؛ النبيّ موسى وحاكم مِصر فرعون، محلِّلةً اختلاف الخطاب في التعبير القرآني عن مواقف المواجهة المتعددة، كما حاولت خلال ذلك نبشَ الثيمات الأسطورية التي تُطلّ من خلال ولادة موسى نفسها، والعصا المتحوِّلة، والبحر الذي أطبقَ على فرعون.
وكانت الدراسة تناولت في مباحثها الأخيرة قضية النبيّ لوط، ومواجهته قومَه، مقارنةً – في المبحث الأخير من القضية – كميّة العذاب التي لحقت قوم النبيّ لوط، بكميّة العذاب التي لحقت أصحاب الفيل، في إشارةٍ إلى الانزياح الذي حدث في لغة الخطاب بين المُحاولَتَيْنِ؛ هدْم الكعبة، وهدْم الفِطرة الإنسانية.
واعتمدت الدراسةُ في تحليلها على مناهج اللغة وعلومها المتعدّدة، كما اعتمدت في بعض القضايا على القراءة الأسطورية، وأفادت أيضًا من جملة مناهجَ وعلوم؛ في الفلسفة، وعلم النفس، وعلم الاتصال، فضلًا عن الاستئناس بكُتُب التفسير التقليدية في بعض القضايا، بمذاهبها المتعددة؛ محاولةً تقديم تأويلات تتوسّل السّعة والعمق قدر المُكْنَة.