أضاميم .. المطبوعات العمانية الأولى.. تراث مهم للباحث ودعوة لجمعها والحفاظ عليها

منذ أواخر القرن التاسع عشر، ومطلع القرن العشرين على أقل تقدير، نشرت المطابع في بلدان عربية وأجنبية، كتبا كثيرة لمؤلفين عمانيين في مختلف المجالات؛ أدبية وتاريخية وفقهية وطبية، شعرا ونثرا، مقامات ومقالات، دراسات وقراءات، والقائمة تطول بالإبداعات، ولكن أغلب تلك الطبعات نافدة، ولا يوجد منها إلا القليل النادر، بعضها صدر في زنجبار، عن “المطبعة السلطانية”، التي نشرت كتباً عديدة، وبعضها صدر عن مطابع مصرية كالمطبعة البارونية، وبعضها صدر في الستينيات، عن المطبعة العربية بدمشق، أو في المغرب الإسلامي، أو اليابان، وما بقي منها تعتبر من نوادر المطبوعات العمانية.

وكذلك الكتب التي صدرت بعد أعوام السبعين، جيل النهضة العُمانية الحديثة، فهي ليست بأفضل من الحال السابق، مثال على ذلك: لو بحثنا عن الطبعة الأولى من ديوان “وحي العبقرية” لعبدالله الخليلي، الصادر عن وزارة التراث القومي والثقافة 1978م، بغلافه الأخضر الجميل، وهو أول ديوان ينشره الشاعر، وقد ذابت نصوصه في “الموسوعة الشعرية لأمير البيان”، الصادرة 2018م، بتحقيق سعيد بن سالم النعماني، كما لا توجد نسخة من ديواني الشاعر أبو سرور الجامعي: “باقات الأدب” 1975م، و”إلى أيكة الملتقى” 1978م، وللأسف الشديد ذابت باقاتهما في أيكة الشاعر الكاملة، المطبوعة أربعة أجزاء عام 1998م، وهو ما يصعب على الباحث التمييز بين ما نشر قديماً، بروائه وعبقه، وطراوته ونداوته، وبين ما جاء مصنوعاً، بعد المراجعة والتعديل.

ولو أراد أيٌ من الباحثين أن يطلع على الإبداعات الأولى لعبدالله الطائي، أحد رواد الكتابة الأدبية الحديثة، فلا أظن أنه سيجدها بسهولة، وبالأخص الأعمال التي صدرت خارج الوطن، كديوانه “الفجر الزاحف” الصادر في الكويت 1966م، وكذلك لو احتاج ناقد إلى نسخة من إحدى المجاميع القصصية التي صدرت للقاص أحمد بن بلال، ولتكن مجموعته القصصية الأولى “سور المنايا” 1981م، أو “وأخرجت الأرض” 1983م، أو “لا يا غريب” 1987م، فأين سيجدها؟، وكذلك الكتب التي صدرت في تلك الفترة وما تلاها، ففي الأغلب أنها نافدة، ولا توجد منها نسخ.

إن وزارة معنية بالشأن الثقافي كوزارة الثقافة والرياضة والشباب في تسميتها الجديدة، بدأت بمشروع طباعة المخطوطات أواخر السبعينيات، وفي آخر إحصائية لمطبوعاتها بلغت 653 مطبوعا، بما فيها الكتب الصادرة عن دائرة المخطوطات بالوزارة والتي تبلغ 328 عنوانا، وأغلب الطبعات الأولى من هذه الكتب نافدة، منها طبعات قيِّمة لكتب طبعت في مصر، بعضها عن مطابع سجل العرب، مثل كتاب “فتح الأكمام عن الورد البسام”، لسيف بن حمد الأغبري، الصادر عام 1981م، وكتب أخرى طبعت في مطبعة عيسى البابي الحلبي وشركاه، كـ “شرح الدعائم” لابن وصَّاف، بتحقيق عبدالمنعم عامر، والأجزاء الأولى من “منهج الطالبين وبلاغ الراغبين” للشيخ خميس بن سعيد الشقصي، صدر عام 1980م، بتحقيق الشيخ سالم بن حمد الحارثي، و”ديوان المعولي” عام 1984م، بتحقيق الدكتور محمد عبدالمنعم خفاجي، وغيرها من المطبوعات.

وغير الكتب، هناك الجرائد العمانية التي صدرت في شرق إفريقيا، خلال النصف الأول من القرن العشرين، كـ “النجاح” التي صدرت عام 1911م، واستمرت ثلاث سنوات، وتعد من بواكير الصحافة العربية، تلتها “الفلق” وقد بدأت بالصدور عام 1929م، ثم صحيفة “المرشد” عام 1942م، وصحيفة “النهضة” عام 1951م.

وهناك مجلات ودوريات صدرت في السلطنة خلال سنوات السبعينيات، تنوعت مادتها بين السياسة والفكر والأدب والفنون، لكنها توقفت، وأصبحت خبراً بعد أثر، كمجلة العقيدة: 1970م، والوحي: 1975م، والسِّراج: 1975م، والغدير: 1977م، وفي الموسوعة العمانية مدخل خاص بالصحافة يتضمن معلومات عنها، وجميعها تمثل رافداً ثقافياً للباحث، فأين ذهبت أعدادها المنشورة؟!، فإن ضياع أراشيف هذه المجلات ضياع لتاريخ صحفي مهم.

ولدينا هيئة للوثائق والمحفوظات الوطنية، فهل في أرشيف محفوظاتها نسخة واحدة من كل مطبوع، كتاب كان أو مجلة أو صحيفة، الجواب لدى المسؤولين عنها، وقد أطلعوني مشكورين على قائمة بستة عناوين من الكتب العمانية التي تحتفظ بها الهيئة، الصادرة في أواخر القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، أقدمها كتاب “شرح طلعة الشمس على ألفية شمس الأصول”، صدرت طبعته الأولى بمصر عام 1899م، قبل وفاة مؤلفه الشيخ السالمي بخمسة عشر عاما.

كما تحتفظ بنسخة من الجزء الأول من كتاب “قاموس الشريعة”، والمطبوع في 1879م عن المطبعة السلطانية بزنجبار، ونسخة من كتاب “تلقين الصبيان”، وصدر في الجزائر عام 1933م، ولعلها الطبعة الثانية للكتاب، ونسخة من الجزء الثاني من “سلك الدرر” للشيخ خلفان بن جميِّل السيابي، الصادرة بمصر 1946م، وتحتفظ بنسخة من “ديوان أبي الصوفي” السمائلي، المطبوع 1937م في مدينة أوساكا اليابانية، ونسخة من قصيدة “الفتح والرضوان”، لأبي مسلم البهلاني، الصادرة 1914م عن المطبعة البارونية بمصر.

وهناك نسخ من المطبوعات القديمة، لدى بعض المراكز الثقافية في السلطنة، كمركز ذاكرة عمان، الذي اضطلع بإعادة تحقيق وطباعة كتب التراث العماني، وقد تتوفر نسخ لدى أصحاب المكتبات الخاصة، وعشاق جمع الكتب القديمة، مما صدر خلال العقود الماضية، فيها من المعلومات المهمة، ما لا يجده الباحث في الطبعات اللاحقة، ككتابة مقدمات بحثية صيغت بأقلام عربية، وهذا أهم ما تتميز به تلك الطبعات، أشهر هذه الأسماء: عزالدين التنوخي، عضو المجمع العلمي العربي بدمشق، الذي عرف باهتمامه بالكتب العمانية، وقام بتحقيق ونشر قائمة من الكتب، من بينها تحقيقه لديواني “الستالي” 1964م، و”النبهاني” 1965م.

كما تكشف بعض تلك الطبعات عن مجموعة من الداعمين للثقافة وإنتاجها، وأنها طبعت على نفقات مواطنين أسهموا بأموالهم في طباعة الكتب، مثال على ذلك سالم بن سلطان الريامي، الذي طبع كتاب “شرح طلعة الشمس”، وأنفق سليمان وأحمد ابنا محمد السالمي على طباعة “ديوان الستالي” و”ديوان النبهاني”، كما أنفق محمد بن ناصر الرُّبخي، وعامر بن سليمان الهميمي من بهلا، على طباعة كتاب “الدعائم” لابن النظر، والمنفقون على طباعة الكتب يذكروني بالقائمين على تمويل تنقيش المحاريب في المساجد العمانية القديمة، ولذا من المهم توثيق أسمائهم وتاريخهم الثقافي، إذ لولاهم ما خرجت نفائس الكتب.

إن وطننا عمان بحاجة إلى مكتبة وطنية، تحفظ تراثه المعرفي، وإبداعه الفكري، بكل أشكاله وصيغه، وبالأخص الطبعة الأولى من كل كتاب، قبل أن تصبح من أحلام الماضي الجميل، نحن بحاجة إلى كل عنوان يصدر لكتَّابنا وباحثينا، تصل منه نسخة للأجيال القادمة، حتى لا يضيع نتاجنا الثقافي المتنوع والمتعدد، وحتى تكثر محفوظاتنا الثقافية، نسخة واحدة تكفي من كل إصدار يصدر في السلطنة، لكاتب وأديب وباحث ومفكر، وكل إنسان مشتغل بالكتابة، أيا كانت اتجاهاته الفكرية والمعرفية، كي نصنع من إصداراتنا مكتبتنا الخاصة، تبقى مفخرة للأجيال، فالنتاج الثقافي المطبوع لا يقل أهمية عن الإرث المخطوط.

وأختم بالتنويه إلى كتاب مهم صدر للباحث سلطان الشيباني، بعنوان: “تاريخ الطباعة والمطبوعات العمانية عبر قرن من الزمن”: (1295-1397/ 1878 – 1977م)، تقصَّى فيه ما صدر من مطبوعات عمانية خلال قرن من الزمان، في مختلف البلدان والأوطان، تلك المطبوعات التي ولدت غريبة، خارج وطنها العماني: في أوروبا ومصر والشام والجزيرة العربية والهند والبنغال وغيرها، وضمَّن كتابه صور أغلفة لتلك الكتب والمطبوعات القديمة.